أكتب هذه السطور وأنا حزينة على جيل يرحل عنا وعلى موت يختطف عمالقة تعلقنا بهم واحداً تلو الآخر، أسماء كنا نفخر فقط أننا عشنا معهم فى هذا الزمن، مؤمنين بأنها سنة الحياة ولكن لن ينفى هذا حزننا على رحيل من ساهموا فى تشكيل ذكريات جيلنا والأجيال التى تسبقنا.. بصوته المميز ونبراته الدافئة دخل قلوب المصريين، بأداء رزين تعلقت أجيال على مدار سنوات بصوت محمود سلطان وأدائه، وبرغم تغطيته لأهم الأحداث السياسية على مدار سنوات طويلة فإنه لم يحبس نفسه فى إطار واحد، وتميز بتنوع فى أدائه البرامجى بتقديمه النشرات الإخبارية والبرامج الحوارية وبتعليقه الصوتى على برنامج «عالم الحيوان». تخرج فى كلية الآداب قسم تاريخ عام 1965. والتحق بالبرنامج الإذاعى الموجه عام 1966 وحتى عام 1970 ثم انتقل إلى إذاعة صوت العرب مذيعا لنشرة الأخبار ومقدما للبرامج الخاصة السياسية، حيث توالت برامجه ومنها: «اللقاء المفتوح، الحياة، الحب، الأمل» وفى عام 1989 انتقل إلى التليفزيون ضمن مجموعة من الإذاعيين بجانب عمله بإذاعة صوت العرب، قدم خلال عمله بالتليفزيون مجموعة من أهم البرامج وساهم فى نقل أهم الوقائع السياسية فى هذا العصر، ثم فى عام 1995 رشح نفسه لعضوية مجلس الشعب وحصل بإجماع على أصوات دائرته الانتخابية واستمر يمارس العمل السياسى طوال مدة برلمانية كاملة حتى عام 2000.
قام سلطان بالتدريس فى الجامعات المصرية ومنها كلية الإعلام بجامعة القاهرة، كلية إعلام 6 أكتوبر، كلية إعلام عين شمس، بالإضافة إلى الإشراف على تدريب أجيال من المذيعين والمذيعات فى العديد من القنوات التليفزيونية المختلفة.
حصل محمود سلطان على وسام سيناء تقديرا لعمله على جبهة القتال خلال حرب أكتوبر 1971، هذا بالإضافة إلى العديد من الدروع والكئوس والميداليات التذكارية فى مناسبات عديدة قومية وإعلامية.
عن الإعلامى القدير تحدث صديقاه فهمى عمر ووجدى الحكيم رفيقا الدرب وأصوات كان لها رصيد كبير فى قلوبنا
∎ الإذاعى القدير فهمى عمر
محمود سلطان من المذيعين المتميزين خاصة فى قراءة نشرات الأخبار وكان له صوت وأداء مميزان جدا، وتميز محمود بأنه كان محبوبا من الجميع، فكان هادئ النبرة، على وفاق مع نفسه ومع الآخرين ومع أصدقائه متسما بالأدب الجم والخلق الرفيع وهو كإذاعى نشأ فى صوت العرب وعمل فيها لسنوات عديدة وأظهر موهبته كمذيع ومقدم برامج، الأمر الذى دفع بالمسئولين فى التليفزيون لاقتناصه من الإذاعة مثل زملائه وزميلاته الذين أثروا حقل التليفزيون بأصواتهم، فالتحق سلطان بالتليفزيون وظل على نفس النسق من الهدوء والعطاء والأدب الجم، حتى وصل إلى منصب نائب رئيس قطاع الأخبار وكان يستحق أكثر من ذلك، وفى عام 59 قدر له أن يكون عضوا فى مجلس الشعب وتزاملنا فى ذلك على مدى خمس سنوات حتى سنة 0002، وكان عضوا بلجنة الثقافة والإعلام بالمجلس، وأثراها بأفكاره وباقتراحاته، عاش بعد ذلك محمود سلطان بقية عمره فى هدوء وراحة بال، سعيدا بصحبة زوجته الكريمة التى أبلت معه بلاء حسنا خاصة فى مرضه الأخير، وهى واحدة من بناتى فى الإذاعة وأتقدم لها بكل العزاء وأعزى باقى الإعلاميين فى هذا الفقيد.
∎ الإعلامى وجدى الحكيم:
تزاملنا معا فى إذاعة صوت العرب وبدأ حياته فيها مذيعا وكان صاحب نبرة متميزة عن كل المذيعين من قارئى النشرات، وعندما حاولنا أن نشرك الزملاء المذيعين فى تقديم البرامج، كان الوحيد الذى تحمس وشارك فى تقديم العديد من البرامج التى لمع فيها بعد ذلك، وكان من أحد عوامل نجاح البرنامج الصباحى الذى لايزال موجودا حتى الآن «الحياة والحب والأمل» لأنه بطبيعته قابل للتلوين فى أدائه الصوتى وهذا نادرا ما نجده مع مذيع نشرة ولكن كانت لديه القدرة أيضا فى تلوين نفسه برامجيا، إلى جانب أن محمود سلطان هو الإذاعى والتليفزيونى الذى حقق تواجدا برلمانيا كعضو فى مجلس الشعب لدورة كاملة، لأنه كان بشعبيته الطاغية حصل على هذ التفوق وهذا التواجد فى البرلمان.
محمود سلطان كان حريصا على نقل تجربته الى الأجيال الجديدة من الشباب، فهو الوحيد الذى كان يواظب على دوراته فى معهد الإذاعة والتليفزيون حرصا منه عل أن يهيئ الأجيال الجديدة لأفضل أداء إعلامى فى زمن فوضى الإعلام وحرصه على تدريب الأجيال الجديدة ليأخذ بأيديهم إلى المستقبل، محمود سلطان فقدناه ونحن أحوج ما نكون إليه فى مرحلة بناء الإعلام فى المرحلة القادمة، وربنا يعوضنا خيرا عنه.