على مدى ثلاثة أيام احتضنت تونس العاصمة فعاليات المنتدى السادس للصحافة العربية الحرة الذى تنظمه - كل عام- الجمعية الدولية للصحف وناشرى الأخبار WAN IFRA وذلك بالتعاون مع اليونسكو - لأول مرة- وأكثر من 51 جهة ومركزًا إعلاميًا وصحفيًا حرصوا على تقديم الدعم الكبير لإنجاح هذة التظاهرة الإعلامية التى ضمت العديد من الخبراء والمهتمين بالعمل الصحفى والإعلامى فى المنطقة العربية. هذه هى المرة الثانية على التوالى التى تستضيفه الجمهورية التونسية وهو ما أثار داخل عدد من الحضور أسئلة كثيرة عن سر عدم تنويع مكان استضافة هذا المنتدى واقتصار ذلك على تونس، وربما تلقيت إجابتين لتوضيح الأمر.. إحداهما بطريقة غير مباشرة عبر السفارة التونسية بالقاهرة والتى منحتنا تأشيرة الدخول فى يومين رغم وصول الدعوة متأخرة جداً، وهو ما يعنى أن المسئولين التوانسة يضعون فى اعتبارهم قيمة الجهة الداعية بتسهيل جميع الأمور اللوجستية، أما الإجابة الثانية فكانت مباشرة عندما سألت عن عدم ترشح مصر بصورة خاصة لاستضافة هذا المنتدى لما لها من ثقل وإمكانيات تنظيمية على مستوى الإقامة المميزة والانتقالات - خاصة الطيران- فكانت الإجابة أن مصر لا يمكن أن تغيب عن ذهن المنظمين ولكن ربما الظروف التى تمر بها خلال الفترة الماضية شكلت عائقاً حال دون هذه الاستضافة، وإن كان ذلك موضوعاً على أچندة الجمعية الدولية مستقبلاً. تبادل الأفكار والآراء وعرض الخبرات هو الهدف الأهم ل WAN IFRA وكما تؤكد أليسون ميستون - المديرة المسئولة النشطة عن قسم الصحافة العربية الحرة بالجمعية الدولية، فإن الحرص على حضور أكبر عدد ممكن من المهتمين بمجال الإعلام والصحافة العربية بمشاركة خبراء أجانب من خارج العالم العربى هو بهدف طرح نقاشات جادة حول مستقبل الإعلام العربى على المستويين التحريرى والاستثمارى، خاصة فى ظل التحديات الاقتصادية الكبيرة التى تواجه غالبية المؤسسات الإعلامية فى دول العالم العربى وهو ما يعوق تطوير أدائها لخدماتها الإعلامية. وأشارت ميستون إلى أن الجمعية الدولية تحرص دائماً على طرح كل ما هو جديد فيما يتعلق بتطور الصحافة العالمية وانعكاساتها على الصحافة العربية، مؤكدة أن وسائل التواصل الاجتماعى بجميع أشكالها كان لها حضور مكثف فى جلسات المنتدى سواء لدورها السابق فى ثورات الربيع العربى أو لدورها المتوقع فى كشف الكثير من الحقائق التى عجز الإعلام التقليدى عن الوصول إليها. ∎ عقبات كثيرة 11 جلسة ب 52 ساعة .. كانت حصيلة جلسات المنتدى والتى استهلها لارى كليمان - نائب المدير التنفيذى ومدير الاتصالات والعلاقات العامة بWAN IFRA بكلمة أكد فيها أن دخول اليونسكو كعنصر مشارك يشكل إضافة قوية لأنشطة الجمعية الدولية والتى تحرص على تدعيم حرية الصحافة فى العالم العربى من خلال مراجعة وتبادل الأفكار بين المشاركين كافة، لجعل الصحافة الحرة واقعاً ملموساً من الناحيتين التحريرية والاستثمارية، مشيراً إلى أنه لايزال هناك الكثير من العقبات تواجه الصحافة العربية، وأبرزها التدخلات السياسية التي قلصت حرية الإعلام، مؤكدا «لقد تقلص التفاؤل جداً بعد أن كان كبيراً فى دورة العام الماضى، وهو ما يعد مؤشراً سلبياً لتراجع الإعلام العربى». ورغم تنوع الموضوعات التى تناولها المنتدى، إلا أن الجانب الاقتصادى - الاستثمارى كان القاسم المشترك فى جميع الجلسات والتى شكلت هاجساً لجميع المهمومين بمشاكل الصحافة.. فتحت عنوان (القضايا الساخنة للصحافة العربية المستقلة) تحدثت كورتنى رادش - خبيرة باليونسكو- عن ضرورة إيجاد حلول للمشاكل الاقتصادية التى تواجه الصحافة «خاصة» والإعلام بصفة عامة وذلك بإيجاد بنية جديدة للإعلام تتجاوز العقبات التقليدية. أما الصديق، طارق عطية - الرئيس التنفيذى للبرنامج المصرى لتطوير الإعلام EMDP«شركة مصرية ذات مسئولية محدودة» وناشر جريدة (منطقتى) التى توزع بالمجان فى منطقة وسط البلد، فأوضح أن المنشآت الإعلامية فى العالم العربى وفى مصر تحديداً تحتاج إلى استثمارات لكى تقوم بدورها الإعلامى، فالأزمة الاقتصادية كانت سبباً مباشراً فى عدم قدرة هذه المؤسسات على القيام بدورها، مؤكداً ضرورة تطوير إمكانيات الإعلاميين لضمان استمراره فى أداء رسالته. وأشارت رانا صباغ - المديرة المسئولة عن شبكة (أريج) أو إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية ومقرها الأردن- إلى افتقار الصحافة العربية للتحقيقات الاستقصائية بسبب قلة الموارد المالية، حيث يستلزم إجراء تحقيق استقصائى توفير مبالغ مالية كبيرة، بل إن معظم القيادات الصحفية ترفض هذا النوع من التحقيقات إما رغبة فى عدم الدخول فى صدام مع السلطة الحاكمة أو لضيق ذات اليد، وفى نفس الوقت فإن التحقيقات الاستقصائية تستنزف وقتاً طويلاً وهو ما يتنافى مع رغبة رؤساء التحرير في قيام المحرر بتسليم أكثر من تحقيق «بدلا من التفرغ لتحقيق واحد لا يسمن ولا يغنى من جوع.. على حد رؤيتهم». وقال عمر بيلوشى - أحد ناشرى جريدة الوطن الجزائرية - إن الإشهار أو الإعلان يشكل ابتزازاً حقيقياً فى الصحافة الجزائرية، مضيفاً: «وحتى رغم ثورة 1988 وما تلاها من دستور، فإننا مازلنا نسعى للحرية وذلك بتطوير مختلف الوكالات الإعلانية فيما يتعلق بعلاقة الإعلان بالصحافة لضمان الاستقلال النسبى، ولكن بعد ثورتى تونس ومصر.. تراجعت أحلام الجزائريين فى حرية واستقلال الصحافة وأصبحنا نصارع من أجل التغلب على الخسائر المالية فى المؤسسات الصحفية». أما الناشط التونسى كمال العبيدى - رئيس جمعية الديمقراطية والدولة المدنية- فأعلن أن إصلاح الإعلام الحكومى أسهل كثيراً من إصلاح الإعلام الخاص، مؤكداً: «الإسلاميون بتونس لايريدون إصلاح الإعلام الحكومى ولايزالون يطبقون نفس معايير النظام السابق فى تعيين القيادات الصحفية حسب الولاء وليس الكفاءة.» ∎ همزة الوصل وتحدث مالاكى براون - محرر الأخبار بمؤسسة ستوريفول - عن وسائل الإعلام الاجتماعية الحديثة والتى اعتبرها لاتشكل تهديداً لوسائل الإعلام التقليدية، ولكنها تمثل فرصة للتثبت من الأخبار ومدى صحتها، فوسائل التواصل الاجتماعى تتيح معلومات كثيرة، وبذلك يشكل (الصحفيون المواطنون) همزة وصل مع الصحفيين التقليديين « وهو أمر مهم جدا، وبذلك تلعب التكنولوجيا دوراً فاعلاً فى توصيل الحقائق للجمهور بعد تأكد الصحفيين التقليديين من صحة ما يبثه المواطن الصحفى». وقال التونسى سامى بن غربية - مؤسس موقع نواة الإلكترونى- إن وسائل التواصل الاجتماعى لعبت دوراً حيوياً فى إسقاط نظام (بن على)، ولم يكن العاملون بالموقع صحفيين بل نشطاء سياسيون قاموا بدور صحفى لإسقاط نظام ديكتاتورى قمعى. ومن جانبها أشارت المصرية فاطمة فراج- مديرة مؤسسة (ولاد البلد) للخدمات الإعلامية والتى تصدر مجموعة من الصحف إضافة إلى موقع إليكترونى - إلى أهمية الإعلام الجديد المتمثل فى وسائل التواصل الاجتماعى فى تقديم مادة صحفية سواء باعتمادها على المواطن الصحفى أو من خلال جيل من الصحفيين متحرر من قيود الصحافة التقليدية، مؤكدة أن العاملين فى المؤسسات الصحفية هم الخطر الحقيقى على مواقع التواصل الاجتماعى والمواقع المرتبطة بالعمل الصحفى وليس العكس كما يردد البعض. وطالبت اللبنانية فاطمة العيساوى- والتى أجرت العديد من الدراسات حول الإعلام فى الفترة الانتقالية بدول مصر وليبيا وتونس- بضرورة أن يضع المسئولون فى العالم العربى نصب أعينهم الاهتمام بالإعلام الحديث وعدم وضع قيود عليه «فهو صمام الأمان لتعدد الآراء بسبب التماهى بين الإعلام التقليدى والسياسة». وقد اختلف الحضور فى جدوى الاستعانة بالمواطن الصحفى ووصل الأمر بالبعض إلى التشكيك فى دور الإعلام البديل فى اندلاع ثورات الربيع العربى، ولكن الثابت أن تعدد وجود (مواطنين صحفيين) له عواقب كثيرة، بل إن هذه العواقب ربما تكون أكبر من مزايا الاستعانة بهم.. وذهب كثير من المتخصصين إلى أن هناك تضخيماً من جانب بعض المنتديات الإعلامية المتخصصة لدور الإعلام البديل أو الحديث فى تأجيج الثورات بمصر وتونس واليمن، خاصة أن الإعلام التقليدى- ممثلاً فى الصحافة المطبوعة تحديداً - قامت بدور محورى فى هذه الثورات، وهو ما ينبغى النظر إليه من زاوية تطوير أدوات الصحفيين والعاملين فى هذه المؤسسات، خاصة أن غالبيتهم مؤهلون أكاديمياً وعملياً أكثر من المواطن الصحفى الذى يفتقد للعلم والمهنية ويتعامل بمنطق الهواية. ∎ الحوكمة الرشيدة كما تطرقت جلسات المنتدى إلى مبادئ (الحوكمة) والتى لابد أن تكون مطبقة من رأس الهرم إلى قاعدته فى المؤسسة الصحفية، فالحوكمة وفقاً ل إيدن وايت - رئيس شبكة الصحافة الأخلاقية - هى التى تحترم حاجيات حرية التعبير مع الإبقاء على الحرية فى الخط التحريرى والعمل على إجراء تعديل ذاتى داخل المنشآت الإعلامية من خلال هيكلة داخلية تحترم فكرة (الحوكمة الرشيدة). بينما أعلن الكاتب الصحفى المصرى والنقابى المخضرم رجائى الميرغنى - أن التنظيم الذاتى للصحافة المصرية أصبح بعيد المنال فى ظل حالة الاستقطاب السياسى الذى وقعت الصحافة فريسة له.