إن لم تخطئ ذاكرتى فلقب الفاجومى له براءة اختراع، ومن صكه كوصف لأحمد فؤاد نجم هو المؤرخ النادر صلاح عيسى جبرتى زماننا. ولكن الذاكرة لا تنمحى منها أبدا تفاصيل أول لقاء مع نجم على سطح بيت متهالك يقع فى مواجهة وزارة الداخلية، حيث سكن واحد من سادة النحت والتصوير فى زماننا المثال المصور كمال خليفة، هذا الذى منعه مرض السل من مواصلة النحت لكن لم يمنعه من الرسم بالحبر والرصاص والجواش والزيت، وكان بالنسبة لنا مركزا من مراكز الاعتزاز بالحضارة.
كان الزمن هو خريف عام 7691 وهو خريف تشرب بغيظ وأسى عودة الجنود من سيناء حُفاة لأن الاستعداد لقتال إسرائيل لم يكن سوى وهم فى خيال القيادة العسكرية فى ذلك الزمان، ولكن كانت طاقة آمالنا منذ تأميم قناة السويس ورغبتنا فى أن تمتد وحدة العرب من المحيط إلى الخليج، كانت طاقة الأمال تضخم من القدرات، لذلك كان الانكسار مؤلما. فى ذلك الخريف البعيد جاء خبر استشهاد أرنستو شى جيفارا الثائر الكوبى الذى ترك منصب نائب كاسترو ليبدأ فى ثورة أخرى ببوليفيا، ذلك البلد الريفى المحافظ، حيث الامتيازات كلها لأبناء الطبقة القريبة من المستعمر الأمريكى، والفقر يذكرك بمقولة فلاح مصرى عندما تقدم ليتسلم عقد ملكية ثلاثة فدادين من الأرض، لكنه قال لمندوب جمال عبدالناصر «بقى معقول آخد أرض أسيادى؟!! ده العين ما تعلاش على الحاجب يابك» وكان مندوب عبدالناصر هو قائد الجناح جمال سالم وعضو مجلس الثورة ونائب عبدالناصر، وما أن سمع جمال سالم هذا الكلام حتى قفز من مكانه ليمسك بتلابيب الفلاح قائلا له «احنا قمنا بالثورة علشانك تقوم تكسفنا». وهنا أخذ الفلاح صك الملكية وهو يدعو للثورة. كان الموعد فى مقر كمال خليفة مليئا بالشجن والترقب والشوق إلى حياة مختلفة، وحاول البعض أن يقدم بعض الممنوعات، فرفض كمال خليفة ذلك، وبدأ الشيخ إمام العزف على العود، وكان يغنى معه أحمد فؤاد نجم «جيفارا مات»، وكانت قصيدة حارقة، ثم تبعها «بمصر يا أمة يا بهية». أصر كمال خليفة وهو المريض أن يقدم بنفسه الشاى والجاتوه لضيوفه، وكانت الصداقة بينى وبينه أكثر عمقا من علاقته بمعظم الحاضرين لذلك سمح لى بأن أشاركه عملية التوزيع، وكان الحمام الذى يربيه كمال خليفة يرفرف أحيانا فى سقف الغرفة ثم يعود إلى «الغية» وهى عبارة عن خشب بغدادل كأنه المشربية. قال لى كمال خليفة هامسا: صديقك وزير الداخلية شعراوى جمعة لن تعجبه مثل تلك الأغانى. أجبت كمال خليفة لن تعجبه أغنية: خبطنا تحت بططنا يا محلى رجعة ضباطنا من خط النار.. لا تقول لى سينا وما سيناش.. ما تقرفناش.. ما مائة أتوبس ماشى مليان أنفار. قال كمال خليفة.. هذه قصيدة لا تكره الجيش ولكن تعيب عليه نوعية قياداته التى دخلت الحرب دون استعداد. طبعا استطاع رجاء النقاش وهو القامة الكبيرة فى النقد والإعلام أن يقدم أحمد فؤاد نجم والشيخ إمام لشعراوى جمعة الذى فتح ميكروفون صوت العرب للاثنين. ولكن إصرار الإثنين على التحليق بعيدا عن الغناء بعيدا عن «السلطة» كان أكثر سيطرة على وجدان إمام ونجم. كان كمال خليفة يسألنى «كيف توفق بين حبك لغناء نجم وإمام وأنت صديق لوزير داخلية عبد الناصر شعراوى جمعة؟». كنت أؤكد أن شعراوى جمعة يؤمن بعمق لا نظير له أن عدونا الأساسى ليس إسرائيل فقط، ولكنه الولاياتالمتحدة التى تترصد بلدنا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، والمشترك بين شعراوى جمعة والشيخ إمام ونجم هو الترصد للاستعمار أيا كان، وكل حسب موقعه وقدراته، فالشيخ إمام يملك العود وأحمد فؤاد نجم يملك القصيدة، ولكن شعراوى جمعة هو عضو فى هيئة الحكم، فضلا عن أن موقعه يحتم عليه درجات من المواءمة. ∎∎ كان الدكتور يسرى هاشم هو نائب مدير مستشفى هوليوبليس بمصر الجديدة، ولما كانت الإقامة بالمستشفى تضمن الغداء والعشاء والإفطار، فقد قرر الدكتور يسرى أن يمنح كلا من نجم وإمام إقامة دائمة بالمستشفى بدلاً من حوش قدم، وإسم الاثنين مسجل بالقسم المجانى لكن إقامتهما الفعلية كانت بجناح خاص بالفئة الممتازة. وطبعا كثيرا ما تلقى د.يسرى هاشم أكثر من تنبيه بأن إقامة الاثنين تستدعى أن يكون أحدهما مريضا وأن يكون الثانى مرافقا له، فكان يسرى هاشم يرد «هما موجز لكل أمراض الفقر فى مصر المحروسة». ولكن ما أن شعر كل من فؤاد ونجم أنهما قد يسببان ضيقا للدكتور يسرى حتى عادا إلى حوش قدم، ليتولى تسهيل الحياة لهما الكاتب المتصوف الرائع «الموجى»، وهو كاتب إذاعى وبحر من المعلومات. ∎∎ وطبعا تتوالى اعتقالات فؤاد ونجم فى سجون المحروسة، خصوصا بعد تولى السادات الحكم، ويحاول يوسف السباعى أن يقلل من شعلة الشغب عند نجم بلا طائل، فعلى الرغم من أن يوسف السباعى كاد أن يكون أول الرعاة الرسميين لفؤاد نجم، حيث نشر له ديوانه الأول، ودفع به إلى الأستاذة الدكتورة سهير القلماوى لتكتب له مقدمة رائعة، إلا أن نجم كان عصيا على الترويض. يتذكر يوسف السباعى كيف عبث نجم ببريد المؤتمر الآسيوى الأفريقى، حيث كان يستولى على ثمن طوابع البريد ليصرف ثمنها على السجائر والشاى، ويضحك يوسف السباعى من هذا الأمر كثيرا لكن يتصرف بنوع من الحزم مع فؤاد نجم إلى أن صدر قرار اعتقال جديد من السادات شخصيا ضد أحمد فؤاد نجم، هنا انقطع حبل الود، فيوسف السباعى لا يجرؤ بينه وبين نفسه مخالفة أى قيادة، خصوصا قيادة السادات، حيث إنه يخشى حساب موقفه الشخصى كمحب لجمال عبدالناصر، ذلك أن محبة جمال عبدالناصر صارت فى سنوات السادات شبهة يجب الابتعاد عنها. وحين قامت حرب أكتوبر كانت سعاد حسنى هى الأكثر ابتهاجا بقصيدة فؤاد نجم «دولا مين دولا مين دول عساكر مصريين»، وأصرت على أن تغنيها، وكانت فرحة أحمد فؤاد نجم بغناء سعاد حسنى لأغنية من كلماته هو فرح فى القمة. قال لى » هو عبدالحليم مش فاكر إننا كنا زمايل؟» كان ذلك إشارة لزمالة فؤاد نجم لعبد الحليم فى ملجأ الزقازيق، حيث كان فؤاد نجم هو «السفروت» الذى يغلب أى شخص بذكاء تدبير المقالب، وكان كل من عبدالحليم وفؤاد نجم يخاف من خرزانة شاويش الملجأ، وكل منهما يحترف لعبة الكومى بأوراق الكوتشينة، وكل منهما يملك قدرة هائلة على إجراء عمليات حساب تفوق التصور لأوراق الكوتشينة، ولا تقوم بين الإثنين معارك، لأن ضعف بنية أى منهما تثير تعاطف الآخر. حدثت عبدالحليم عن أحمد فؤاد نجم، فقال «يعنى عايزنى أغنى له: شرفت يانيكسون بابا يا بتاع الوتور جيت؟ السادات لا يطيق أحمد فؤاد نجم. علق كمال الطويل «السادات لا ينسى أوجه التشابه بينه وبين أحمد فؤاد نجم، فكلاهما ابن لظروف صعبة، ولكن السادات وصل إلى حكم مصر على الرغم من أن السفير جمال منصور أثبت لعبدالناصر عمليا عضوية السادات فى تنظيم الحرس الحديدى للملك فاروق. ولكن عبد الناصر كان يحتاج السادات كصوت مطيع فى أى أمر من الأمور». كانت تحفظات كمال الطويل على السادات جزءا من رحلة ابتعاد عبدالحليم عن الموهبة التلحينية الخارقة لكمال الطويل، الذى لم يبخل أبدا على نجم والشيخ إمام بالمساعدة. كان يعلم أن الطاقة الجماهيرية لغناء الاثنين تشفى غليل المصريين إلى تهذيب أى حاكم لهذا البلد المنكوب بطاعة أهل الغناء والفن لأى رئيس، وطبعا كانت محبة كمال الطويل لجمال عبدالناصر تفوق الوصف، وكان غضب كمال الطويل من السادات لا يرتكن فقط إلى عملية تغيير السادات للنشيد الوطنى من لحن أغنية «والله زمان يا سلاحى» إلى أغنية «بلادى بلادى»، بعد أن طورها محمد عبدالوهاب مستفيدا من أسلوب تلحين كمال الطويل لأغانيه. ∎∎ حين كتب أحمد فؤاد نجم مذكراته فى «روزاليوسف»، كان يصر على قبض ثمن كل حلقة فور كتابتها، لا لحاجته للنقود فقط، ولكن لقدرته الفائقة على تقديم ما فى جيبه لغيره بمنتهى اليسر. ∎∎ حين كنت أسمع لفؤاد نجم تذكاراته، كنت أوقن أنه يحكى كل ما حدث لأى إنسان فى مصر المحروسة من ألم أو تعذيب هو إجراء تم ضده شخصيا، لذلك ستجد فى رواياته المتعددة حكايات كثيرة قد يكون بعضها قد حدث له أو حدث لواحد ممن يعرفهم، فهو ذائب فى رحلة رفع الألم عن كل مقهور بتقمص ما جرى له. ∎∎ ولأنه كريم على نفسه لذلك اختار رحيلا غير زاعق، ليبقى فى ضمير مصر كامتداد لبعض من عبد الله النديم وبعض من حلم جيفارا، وكثير من الوعى بمتاعب عموم المقهورين. ولذلك دخل التاريخ من باب عشق مستقبل لا يحمل كل هذا التراث من القهر والألم.∎
مر الكلام
مر الكلام زى الحسام يقطع مكان ما يمر أما المديح سهل ومريح يخدع.. لكينئبيضر والكلمة دين من غير إيدين بس الوفا عالحر.
صبر أيوب
عليل وصف علته قال له الحكيم هوه داء الغرور فى البشر خلا النفوس هوه طبيب وجاى يسعفه صابه الغرور هوه ترك أصول حرفته وانساق ورا القوة كاد العليل ينتقل قام قال له إيه هوه يا مسأسأ الصبر فوق الجرح من بره الجرح يا عم جايب دم من جوه فين آخر الصبر يا شيخ أيوب لإمتى الحر يبات مغلوب الجو ضباب الوقت غروب الديب ع الباب الباب موروب الحرب الحرب الحرب ولا غير الحرب سبيل والضرب الضرب الضرب على ناصية كل ذليل النار والعار لعدو الدار والموت للخاين والغدار كان جدى كبير السن وكان بيقوللى كلام زى القرآن الحق عجوز وقديم ويغر لكن ما يموتش وله طلاب والتار قنطار فوق كتف الحر والصبر فى وقت البلوى عذاب والعزم صديق فى الوقت المر ولا غير العزم تلاقى صحاب والأرض براح وإن داسها الذل تضيق بالناس والخضرة تموت ويعربد فيها البوم أجناس ولاتبقى حياه ولا يبقى نظام ولا خطوه تسير بالناس قدام ولا تعرف بكره حييجى بإيه ولاتفهم معنى لأى كلام ونلف نلف وبرضه نقول الحرب سجال داير على طول والسكه أمل والنيّه عمل والجهد حياه والراحه شلل يا زنود الناس الشغاله ملعونه الراحه ف خط النار النصر عروسه يا رجاله لكن ممهوره بالإصرار التار يا عروبتنا التار التار فوق رقبتنا قنطار وخلاص الشعب الحر اختار الحرب الحرب الحرب وليحيا كفاح الشعب∎