تعودت دائماً أن أكتب عن صور عديدة من الفساد فى مختلف أجهزة الدولة الإدارية والحكومية بل القطاع الخاص أيضاً حتى إن كان «بطلها» فى عز تجبره وسلطانه وبريق منصبه ونفوذه، المهم أن يكون سندى هو الحق والحقيقة ودليلى المستندات الدامغة، ولكنى هنا ترددت قبل أن أكتب عن هذا الأمر الذى أدهشنى كثيراً ووقفت أمامه غير مصدقة برغم عوار النظام الذى سقط بثورة 25 يناير 2011 وذلك لأننى أومن بألا أكتب عن أى «فارس» سقط من فوق جواده! وقد وضعت كلمة فارس بين قوسين لأننى أتحفظ عليها هنا بالمعنى المباشر لها «فبطلنا» لا يستحق هذه الكلمة حيث إن الفارس لا يظلم الشعب ولا يدهسه بأقدام جواده ولا يذله ولا يعبث بمقدراته ولا يشارك بل يكون أحد قائدى الفساد فى هذا البلد طوال سنوات عديدة تقترب من العشرين. إن ما حدث ودعانا للكتابة عنه ليس المقصود به الشخص نفسه وإن كان يستحق ولكنه مجرد لمحة صغيرة من نظام سقط وجزء من منظومة فاسدة تخلصنا منها أو نحاول الخلاص منها ولا نريد أن تعود مرة أخرى رغم المعاناة التى يعيشها هذا الشعب ولا ندرى متى تنتهى وكيف ننجو من كل ما يترصدنا.
تحديداً أتحدث عن وزير داخلية مصر قبل الثورة السيد حبيب العادلى، أما ما توقفت أمامه فقد كان مجرد معلومة بأن أحد أندية الشرطة كان مخصصاً لسيادته وأسرته فقط دون الضباط الآخرين.. والناس مقامات.
وهنا كان لابد من التحقق من هذه المعلومة ولكن كالعادة ورغم الثورة مازال الخوف يسكن فى النفوس والتردد يخنق الكلمات، وعندما حاولنا سؤال بعض مصادر تابعة لوزارة الداخلية جاءت الإجابات مقتضبة أنه كان مخصصاً لضيوف الوزارة الذين كانوا يأتون إلى مصر أو احتفالات تقيمها الوزارة! وكأنه لا توجد أى أماكن أخرى تستطيع فيها الداخلية الاحتفاء بضيوفها العرب أو الأجانب إلا هذا النادى الصغير، وهنا نتساءل وأين النادى العام بالجزيرة وأين قاعاته الفخمة التى كان قد تم تجديدها منذ سنوات قليلة.
المهم أن الإجابات لم تقنعنى خاصة إنه كان ممنوعاً تماماً على باقى الضباط وعائلاتهم ارتياد هذا النادى، أى أنه كان يستقبل فقط الباشا الوزير.
والسؤال هنا هل كانت ميزانيته تدخل ضمن ميزانية الوزارة أو أندية الشرطة الأخرى؟
وكيف؟ وهل كان السيد الوزير يقوم بدفع فاتورة الحساب حينما كان يستمتع بهذا النادى أو يتناول الطعام مع أسرته أو ضيوفه نقصد بالطبع ضيوفه هو وليس ضيوف مصر أو وزارة الداخلية؟!
سؤال آخر، وهل كان النادى يغلق أبوابه عندما لا يكون هناك ضيوف؟!
والآن أحاول أن أنقل لكم صورة واقعية لهذا النادى الذى أصبح متاحاً لجميع ضباط الشرطة وعائلاتهم بعد قيام ثورة 52 يناير والمشكلة هنا أين ستستقبل وزارة الداخلية ضيوفها وضيوف وزير الداخلية الذين يأتون إلى مصر بعد أن أصبح النادى متاحاً أمام الضباط وأسرهم!
أعرف أيضاً أنه قبل أن يتم تخصيصه للسيد الوزير كان يشغله أحد محلات الحلوى.
منذ أن تدخل من باب النادى تشعر بالراحة والهدوء.. تحييك عند المدخل جبلاية من الصخور ثم كوبرى من الخشب وتهبط بضع سلالم لتجد أرضية رخام، وتدخل بعد ذلك على مساحة كبيرة تطل على النيل يحيطها ديكور تم عمله بعناية، حيث تتناثر فيها مجموعة كبيرة من أطقم البامبو الفاخر وعليه شلت فخمة معظمها من القطيفة، ويفصل بين الجالس عليها وبين النيل سور زجاجى بأعمده تحمل برجولتين من الخشب بهما حليات من النحاس تتدلى منها إضاءة، كما توجد مناضد من الخشب ومن البامبو المعشق ترقد عليها بسلام مفارش من الأورجانزا المحلاة بالدانتيل، وفى الجوانب أوعية من الخزف بداخلها شجر متسلق يبدو عليه والله أعلم أنه من النباتات النادرة التى تم اختيارها بعناية.
ولكن وللحق إحدى البرجولتين بها لمبات إضاءة موفرة فهل تم تركيبها بعد الثورة؟! الأرضية بها دوائر مرسومة من الرخام بألوان الأبيض والأحمر والأسود.
وبعد هذا السور مساحة تفصل بين النيل وواجهة المكان المطل على النيل، هذه المساحة مزروعة عن آخرها ويحدها من ناحية النيل سور آخر تغطيه بطوله زراعات خضراء حيث تبدو فى النهاية إنها حديقة غناء.
يتخلل هذا السور تماثيل لأربعة أطفال كقاعدة تحمل فوقها كرات بلورية بغرض الإضاءة، وعلى جانبى الحديقة، أى فى أولها وآخرها تمثالان لسيدتين من الرخام وتتخلل أرضية الحديقة عدة مجارى مائية محاطة بالصخور، وتتناثر على أرضية الحديقة بضعة قواقع صناعية كبيرة، كما يوجد وعاء من الخزف يحمل نوعاً من الشجر حيث تبدو ساق الشجرة وكأنها مربعات معشقة بفن تعلوها أوراق الزرع الأخضر.
وفى خلفية الشرفة المطلة على النيل توجد صالة فاخرة لتناول الطعام بها مجموعة من المناضد والمقاعد كالتى توجد فى قاعات الأفراح وتعلوها مغارة أخرى من الحجارة المنحوتة تتخللها قواعد خشبية تشكل السطح الخارجى لغرفة الطعام من الخارج وحوائط الغرفة من الزجاج وبها أكثر من تمثال من النحاس كالتى توجد فى القصور.
إنه بحق مكان جميل يبعث على الراحة والهدوء والاطمئنان أو «الأمن والأمان».
وألمح بغرفة الطعام لعبة عبارة عن عربة أطفال كبيرة ترتكن على أحد الجوانب ولا تعليق، فالأطفال أكثر براءة من أن نزج بهم فى مثل هذه الوقائع.
فى نهاية الحديقة الخارجية ألواح من الخشب تتعانق معها أو تتسلق عليها جهنمية من ناحية، ومن الناحية الأخرى شجيرات خضراء وفى الأرضية يقف على الناحيتين تمثالان لامرأة، أما الخلفية فبها مغارة أخرى من الأحجار وبجانبها برجولة ثالثة تقع أسفلها منضدة كبيرة على سطح يعلو قليلاً سطح أماكن الجلوس الأخرى.
وبعد هذه الجولة فى هذا النادى الصغير الأنيق لابد وأنك تشعر إما بالسعادة والهدوء والأمان أو بالاستفزاز ولا نملك إلا أن ندعو لشباب مصر الواعى الذين أيقظوا الشعب النائم من سباته العميق ومازالوا يأملون فى إيقاف مسيرة الفساد والفاسدين - رغم عثرات الطريق وتحلل الدولة - وإن كنا قد ضللنا الطريق بعد الثورة ثم دخلنا فى جب سحيق لمدة عام كامل تم فيه سرقة الوطن بأكمله فبتنا غرباء فى بلدنا إلى أن ثرنا مرة أخرى فى 30 يونيو، لكننا لم نتعاف بعد فمازلنا نحتاج إلى «رعاية مركزة» وليحمى الله مصر من أبنائها قبل أعدائها والمترصدين لها.
تأملات:
∎ قال الله تعالى فى كتابه العزيز: «بسم الله الرحمن الرحيم» «يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا» صدق الله العظيم.
∎ قال الوليد بن هشام: إن الرعية لتصلح بصلاح الوالى وتفسد بفساده.