لقاءات لا تنتهى.. وعبارات رنانة لا تعطى غير صدى صوتها، إنه موقف حزب النور فى الدستور الجديد وخاصة حول المادة «219» التى أعلنوا فى البداية على تصميمهم وتمسكهم بها وعندما احتد الموقف مع القوى السياسية واتهامهم بأنهم لا يريدون إصلاحا، سارع حزب النور السلفى وأعلن بأنهم سيكتفون بحماية جوهرها. حزب النور الذى رأى أنه محمل بقضية الأمة الإسلامية بعد سقوط جماعة الإخوان فخرج مدافعا عن الشريعة الإسلامية فى دستور يخشى أن يسيطر عليه فكر علمانى، إلا أنه قد تناسى دور هيئة أكثر ثقة ومصداقية فى الدفاع عن الشريعة ومبادئها تسمى الأزهر الشريف والتى تحمل فكرا وسطيا لا سلفيا ولا إخوانيا بالمعنى السلفى والإخوانى الذى شاهدناه على مدار ثلاث سنوات.
ولكننا لا نعرف حقيقة هذا الدلال السلفى رغم قرار المحكمة الدستورية ورغم أن المرجعية النهائية لحسم تلك الأمور هى لجنة الخمسين باعتبارها الجهة المنوطة بالتصويت النهائى على مواد الدستور.
فقد انتهى منذ أيام لقاء جمع بين عمرو موسى، رئيس لجنة الخمسين لتعديل الدستور وأعضاء من حزب النور السلفى إلى جانب بعض أعضاء اللجنة للاتفاق حول المادة 219 فى الدستور والتى تذبذب فيها موقف الحزب ما بين المهادنة والتأكيد على جوهرها .
ورغم أن المادة 912 في خطر ومعرضة للإلغاء فعلا فإن حزب النور أعلن صراحة وقطعيا أنه لن ينسحب من لجنة الخمسين مهما كانت النتائج!
ورغم تقارب المعنى إلا أن حزب النور ينظر إلى معنى آخر بعيد وهو ملامح مستقبل هذا الحزب النورى الذى يتأرجح بين اليأس والرجاء.
ذلك المستقبل الذى أثار أيضا اهتمامنا لقراءته من خلال متخصصى الشأن الإسلامى.
∎ ورطة حزب النور
حزب النور فى ورطة.. هكذا بدأ الدكتور أسامة القوصى المفكر الإسلامى حديثه حول حزب النور ومستقبله السياسى مؤكدا أن الحزب يشبه مسمار جحا فى المشهد السياسى.
ثم يضيف موضحا ورطة «الحزب بأن الحزب يريد من جهة أن يشارك فى المشهد السياسى وليس فى المشهد الشعبى على أرض الواقع، لذلك لم نجده فى 03 يونيو بل كان يرفض المشاركة فى أية فعاليات إخوانية سواء فى اعتصام رابعة أو النهضة رغم أن الكثير من قواعده كانت هناك إلا أن الحزب نفسه بقياداته لم يكن يريد أن يدفع الثمن مضاعفا، وبالتالى وجدناه حاضرا مؤخرا فى 3 يوليو فيما يعرف بالالتفاف حول خارطة الطريق لأنه يريد باختصار أن يكون لاعبا فى المشهد السياسى دون أن يكون حزبا ثوريا لأنه ليس كذلك اصلا فهو مكتف بنصيبه من الكعكة الثورية السياسية.
وهذا يكشف أن اختلافهم مع الإخوان لم يكن على أيديولوجية فكرية بقدر ما كان خلافا حول نصيبهم السياسى الذى انتقص - على حد قولهم - الإخوان كثيرا منه. لذلك فهذا يكشف حقيقة أخرى أن النور هو حزب يتلاعب بالناس ويتاجر بالدين ويعيد كرة الإخوان الذين فرغوا ثورة يناير من مضمونها ليقوموا هم بدورهم بتفريغ ثورة 30 يونيو من مضمونها.
أما عن المادة 219 وخلاف حزب النور حولها فيقول القوصى ،إن المخطط كان بين ياسر برهامى والإخوان حول وضع هذه المادة فى الدستور لتكون مفسرة للمادة الثانية وإن كانت فى أساسها ليست فى حاجة إلى تفسير كما كانت فى دستور 1971 ولكن الهدف الحقيقى من هذه البلبلة السلفية هدف انتخابى حيث إن حزب النور يريد أن يظهر أمام قواعده بأنه حامى الشريعة والقائم على من يحاول استغلالها وبالتالى يضمن دعم هذه القواعد له والقواعد الجديدة التى ستتجه الآن إلى البديل الإسلامى الموجود والمتمثل فى حزب النور وعلى أساس هذه القواعد الانتخابية سيضمن الحزب بقاءه على الساحة السياسية فبالتالى يقاتل من أجلها ولكن الذى لا يعلمه حزب النور أنه ليس بمأمن لأن الحشود التى خرجت 30 يونيو لم تكن لإسقاط حكم الإخوان فقط إنما كانت ثورة ضد زواج الدين بالسلطة.
∎ أين كان السلفيون من المادة الثالثة؟؟
يستنكر الدكتور محمد الشحات الجندى عضو مجمع البحوث الإسلامية ورئيس المجلس الأعلى للشئون الإسلامية الاسبق وأحد الأعضاء الاحتياطيين فى لجنة الخمسين، تسييس الدين بهذه الصورة وصولا إلى الأحكام الشرعية فى كتابة الدستور، مؤكدا على دور الأزهر فى الحفاظ على هوية مصر الإسلامية دون مزايدة أو وفق حسابات سياسية وإنما وفق منهجه الوسطى. وعن رأيه فى خلاف حزب النور حول المادة 219 يقول الشحات، إن المادة 219 ليست جوهرية لإضافتها كمادة مفسرة للمادة الثانية والتى هى كافية وليست فى حاجة إلى توضيح. كما أن الدساتير لا تحتوى عادة على تفسير للمواد، ولذلك كان قرار المحكمة الدستورية أن مبادئ الشريعة قطعية الثبوت قطعية الدلالة والذى أحالته إلى الأزهر لمعرفة مدى مطابقته للشريعة الاسلامية والتى لم تر هى الأخرى خلافا حول دور المادة الثانية فى تحديد هوية مصر الإسلامية بمبادئها وأحكامها كافيا للبت فى هذا الأمر. إلا أن حقيقة الموقف أن استمرار موقف النور ما بين المهادنة والرفض والتوافق حول هذه المادة - 219 - والتى كانت أصلا من صنيعة حزب النور هى لغرض سياسى بحت للقول بعد بأنهم من دافعوا عن الشريعة وغيرها من الشعارات التى ستكون لها أهمية كبيرة بالطبع فى الماراثون الانتخابى القادم.
كما أننى اتساءل عن صوت حزب النور الذى لم يظهر فى نقطة أشد خطورة من المادة الثانية والمادة 219 وهى المادة الثالثة والتى حارب فيها الأزهر ليحافظ حقيقة على هوية مصر حيث كان الاتجاه قويا حول مبادئ شرائع غير المسلمين والذى كان سيسمح بدخول «كوارث» إلى مجتمعنا من ديانات وضعية وغير سليمة كعبدة الشيطان والبهائية وغيرها ممن يتحدثون عن حرية التعددية الدينية ولكن الأزهر تصدى لمثل ذلك وطالب بالاحتكام إلى مبادئ شرائع المسيحيين واليهود باعتبارها ديانات سماوية. لذلك المشهد واضح لمن يريد أن يعرف من يحافظ على الإسلام وعن هوية مصر وليس على هويته أو مصلحته الشخصية..
∎ فروق توقيت
قال أحمد بان مدير وحدة دراسة الحركات الاجتماعية والسياسية بمركز النيل للدراسات الاستراتيجية والمتخصص فى شئون الحركات الاسلامية: إن المادة الثانية هى فى صيغتها الأولى بدستور 1971 كافية جدا وليست فى حاجة إلى هذه المزايدات ولكن للأسف مع التمدد السلفى الآن فى المشهد السياسى نتوقع ما يحدث الآن حتى من جانب صانع القرار نفسه.
أما عن موقف حزب النور نفسه فهو بين شقى الرحى فهو من جانب ملتزم بحزمة من الوعود الانتخابية المتعلقة بصورته أمام قواعده ومن جانب آخر هو واقع بين اختيارات سياسية ومواءمات مضطرا لها وذلك لأنه يعتمد فى أيديولوجيته الفكرية أساسا على الانتماء إلى مؤسسات الدولة الأمنية، كما أن الدولة تسعى من جانبها إلى الحفاظ على حالة من التوازن الحزبى داخل المعادلة السياسية وبالتالى تتضح صورة الحزب بمواقفه المختلفة من حين إلى آخر إلا أن هذه الحالة السياسية لحزب النور لن تستمر طويلا لأنه فى أساسه حزب قائم على أساس دينى نظرا لنص القانون فى الدستور بمنع تأسيس أحزاب على أساس دينى. وعلى ذلك فالحزب يعيش فترة مرحلية إلى حين تتضح الرؤية للقوى السياسية التى سيتحدد معها مستقبل حزب النور. وعن تخوف حزب النور من مستقبل يتشابه مع مصير جماعة الإخوان يقول بأن المسألة ليست أكثر من فروق توقيت بين الفصيلين.
∎ سنحافظ على جوهر ''219 ''
فى حين يعلق المهندس صلاح عبد المعبود ممثل حزب النور فى لجنة الخمسين لتعديل الدستور، بأن الحزب قام بطرح عدة بدائل للمادة 219 خلال اجتماع ممثلى الأزهر وعمرو موسى رئيس لجنة ال 50 لتوضيح تفسير المحكمة الدستورية، وشرح المعانى المقصودة من مرجعية الشريعة الإسلامية دون الإخلال بالقواعد الدستورية والقانونية. وبسؤالى عن هذه البدائل قال عبدالمعبود أن يتم إلغاء المادة 219 «والحفاظ على جوهرها» وكلمة «مبادئ» أيضا، أو أن يتم دمج المادة «219» مع المادة الثانية، مثلما نص عليه الإعلان الدستورى، الذى أصدره المستشار عدلى منصور رئيس الجمهورية المؤقت فى 8 يوليو الماضى. مضيفا: إن سبب أزمة المادة 219 أنها كانت موجودة فى دستور 2012 المعطل، ولكن تم حذفها من قبل لجنة ال10 دون أسباب.
∎ هوية مصر الإسلامية مسئوليتنا
وعن موقف الحزب تجاه هذا الصراع السياسى والدستورى حول المادة 219 يقول الدكتور شريف طه المتحدث الرسمى باسم حزب النور: إن الحزب يسعى إلى التوافق وليس إلى الخلاف كما يتهمنا البعض، ولذلك يتم بحث ومناقشة جميع الآراء حول المادة 219 فى الدستور الجديد والذى سيتم الاستفتاء عليه قريبا وحزب النور رغم هذا الهجوم تولى هذه المسئولية بالدفاع عن وجود نص يقوم بتفسير مبادئ الشريعة الإسلامية بالاتفاق مع هيئة كبار علماء الأزهر الشريف.
وبسؤالى عن تعنت الحزب حتى فى لقائه بممثلى الأزهر فى اللجنة يقول شريف إن الحزب حريص على ألا يصدر تشريعا مخالفا للشريعة الإسلامية أو غير واضح فى تفسيره مما يخلق حالة من الجدل مستقبلا.