كانت هذه هى العبارة التى تكررت على لسانى ولسان أعضاء منتدى تمكين الأسرة الذى يتبناه المجلس القومى للسكان، ونحن فى طريقنا لعرض مقترحاتنا فى مواد الدستور، على لجنة الاستماع التى خصصت للمهتمين بقضايا الأسرة والسكان.
تجربة نادرة الحدوث أن أدعى ومعى أعضاء فى المنتدى، حكوميون ومن المجتمع المدنى، لأن نقدم مقترحاتنا مرة أخرى لكتابة دستور مصر، بعد شهور ليست بعيدة من تقديمنا إياها للجنة استماع فى الجمعية التأسيسية التى شكلها الرئيس المعزول محمد مرسى لكتابة دستور مصر 2012.
فى المرة الأولى كان بعضنا يخشى من سيطرة أعضاء ينتمون إلى التيار الدينى، على جمعية كتابة الدستور وعلى المواد التى ستظهر فيما بعد، وفى هذه المرة لم يكن بعضنا مطمئنا أيضا لأن تجد مقترحاتنا طريقها لمواد الدستور الجديد أو المعدل كما يقولون.
جلسة الاستماع هذه المرة برئاسة نقيب المحامين سامح عاشور، وعضوية عزة العشماوى الأمين العام للمجلس القومى للطفولة والأمومة، أميمة إدريس استاذ النساء والتوليد بطب قصر العينى، ومقررة المجلس القومى للسكان سابقا والعضو الاحتياطى بلجنة الخمسين.
وزع مساعدو اللجنة علينا نسخا من مسودة الدستور التى أعدتها لجنة العشرة التى كلفها الرئيس عدلى منصور، بإعادة صياغة المواد الخلافية للدستور المعطل دستور 2012.
∎ النصوص والتغيير
فى المسودة توقفنا عند المادة 10، التى نصت على أن «الأسرة أساس المجتمع»، قوامها الدين والأخلاق والوطنية، وتحرص الدولة على الحفاظ على الطابع الأصيل للأسرة المصرية، وعلى تماسكها واستقرارها وترسيخ قيمها الأخلاقية».. ولاحظنا أنها نفس المادة التى كانت موجودة فى دستور 2012 مع إضافة عبارة «وتكفل الدولة خدمات الأمومة والطفولة بالمجان، والتوفيق بين واجبات المرأة نحو أسرتها وعملها العام، وتولى الدولة عناية وحماية خاصة للمرأة المُعيلة والمطلقة والأرملة».وهى نفس صيغ مواد دستور 1971، الذى استمر العمل به حتى ثورة 25 يناير 2011.. وهنا طالبت فيفيان فؤاد الخبيرة بمشروع تمكين الأسرة بالمجلس القومى للسكان، باستبدال المادة بما ينص على «الأسرة هى الوحدة الأساسية فى المجتمع، تقوم على الشراكة، والاحترام المتبادل للحقوق والواجبات بين الزوجين، بهدف توفير الأمان المعنوى والمادى لأفرادها، وخاصة الاطفال، ومن ثم استقرار المجتمع وإعماره».
فتدخل سامح عاشور مقرر لجنة الحوار المجتمعى: «أعتقد أن القضية ليست قضية نصوص، بقدر ما هى قضية ثقافية، خاصة فى الريف، الذى لا يزال ينظر فيه للمرأة على أنها مكان للمتعة وتقديم الخدمات وأحيانا للأعمال الشاقة، ويمارس الناس هذا باعتباره شيئا طبيعيا».
فردت فيفيان: «قوانين الأحوال الشخصية لا تناسب الواقع الذى نعيشه الآن، وإذا لم يحدث تغيير فى بنية العلاقات فى الأسرة، بما يحقق الديمقراطية داخلها، لن نحقق الديمقراطية السياسية، وإذا لم نمكن الأسرة لن تتحقق حقوق الطفل والمرأة».
فرد نقيب المحامين، بابتسامة: «حضرتك لم تعطنى فرصة لأكمل المعنى، كنت أقصد أن هذا دور المجالس القومية، والمجتمع المدنى، والدراما، لتغيير هذه الثقافة السائدة عن وضع المرأة، لأن النصوص التشريعية منصفة للمرأة».
فقالت عزة العشماوى،: صحيح أن التشريعات بمفردها لن تغير الثقافة، لكن هناك من يدعم الثقافة السائدة عن المرأة، من أصحاب المصالح، ومن قيادات داخل المجتمع، وهؤلاء أقوى من أى رسالة إعلامية، ويجب أن نتوجه إلى هؤلاء لتغيير الثقافة.
وتساءلت منى أمين، مديرة البرنامج القومى لتمكين الأسرة بالمجلس القومى للسكان عن المقصود بعبارة «الطابع الأصيل للأسرة» التى وردت فى الدستور المعطل، لافتة إلى أنها يمكن أن تفسر لصالح دعم الزواج المبكر وختان الإناث، وحرمان الفتاة فى الريف من التعليم، على أساس أن هذا هو الطابع الاصيل للأسرة.
وأكدت منى أن التشريعات التى تؤكد على أن هذه الممارسات غير مقبولة، وتصل إلى الجريمة مثل ختان الإناث، تساعد فى تغيير ثقافة المجتمع نحو هذه الممارسات، وهو المأمول من نصوص الدستور.
∎ جلسة ليست للنقاش
تذكرت اللجنة السابقة التى رأسها القيادى فى جماعة الإخوان المسلمين، والمقبوض عليه حاليا، محمد البلتاجى، وأميمة كامل أستاذ الصحة العامة بقصر العينى، ومستشارة الرئيس السابق محمد مرسى لشئون المرأة.
«لجان الاستماع ليست للنقاش، ولكن لنتلقى مقترحاتكم ونوصلها للجان المختصة لكتابة الدستور» قالتها أميمة كامل، رئيسة لجنة الاستماع، فى وقتها، وهى توضح لنا طريقة عمل اللجنة.
فسألها مقرر المجلس القومى للسكان، عاطف الشيتانى «هو فيه مواصفات لمواد الدستور، يعنى تكون تفصيلية أم مجملة؟»، فردت أميمة: بصراحة مش عارفة، لكن ده اقتراح مهم للجنة الصياغة.
وعبر محمد البلتاجى رئيس لجنة الاقتراحات بالجمعية التأسيسية للدستور، عن استيائه من مشاعر البعض تجاه لجان كتابة الدستور الأربع الأساسية ولجنتى الاستماع والصياغة النهائية.
وقال بأسى: «الناس فاكرة إن إحنا فى فلكلور جميل لما بنروح نقابل الناس فى المحافظات عشان نسمع رأيهم، وإن فيه دستور هانطلعه من الدرج فى الآخر، وإن كل اللى بينقله الإعلام عن عمل الجمعية تحصيل حاصل»، وبعد صمت وعدم تعليق من الحاضرين أكمل: «ده كلام غير عاقل والحصار الإعلامى شديد جدا علينا».
وبصوت يملؤه الحماس والتفاؤل قال أستاذ الطب النفسى بجامعة الأزهر، وعضو منتدى تمكين الأسرة محمد المهدى: «وضعنا تصورا لإنقاذ الأسرة، لأنها تعرضت لاختلاط ثقافى، سبب لها اضطرابا فى القيم ، يظهر الآن فى الصراع الشديد الحاصل فى المجتمع، وبذرته من الأسرة».. وأكمل وهو ينظر إلى البلتاجى: «محتاجين حقوق للأسرة عند الدولة مش منح وتبرعات، ومحتاجين آلية للطفل عشان يقدم شكوته، لازم المتغيرات اللى طرأت على الأسرة تنعكس فى الدستور الجديد».
وبنفس الحماس قالت فيفيان: «للأسف إحنا فى مصر مشغولين بالديمقراطية السياسية وناسيين الديمقراطية الاجتماعية، ولازم نتمسك بأن المدرسة تكون موحدة للقيم الوطنية».. وعلق مقرر المجلس القومى للسكان عاطف الشيتانى: «الأهم من الحق هو إزاى نضمن ممارسة الحق ده، يعنى لازم الحق فى الصحة يترجم لمعايير المؤسسات الصحية، بس مشكلتنا فى مصر أن الجهات الرقابية بتحاسب على الفلوس بس، مش على كيفية التنفيذ». وترد أميمة كامل: «بصراحة الضمانات دى تحدى كبير فى الدستور».
فى تلك اللحظة ردت إيمان قنديل، عضو الجمعية التأسيسية وعضو حزب الوسط، قائلة :
«عايزة أطمنكم إن لجنة الجهات الرقابية، مسئولة عن وضع ضمانات لتنفيذ بنود الدستور، وفيه مقترحات كتير لشكل الضمانات دى لغاية دلوقت، لكن اللى بيطمنا إن الدستور اللى فات ماكانش فيه إرادة سياسية لتطبيقه، لكن دلوقت الناس كلها عايزة تطبق الدستور».
∎ ياخوفى من الدستور
بأسى وبصوت خال من الحماس، قال د. محمد المهدى للجنة سامح عاشور: شاركت من قبل فى لجنة استماع لدستور 2012، وقلت كل ما نريد أن نضمنه فى الدستور عن الأسرة والتزام الدولة بدعمها، ومع هذا لم نجد فى الدستور أيا مما قلناه، وعندى مخاوف أن يطلع الدستور الجديد من غير المواد دى برضه».. ولم يعلق أحد من اللجنة على عبارته تلك.. المواد المقترحة، تنص على التزام الدولة والمجتمع المدنى، بتمكين الأسرة وتحسين نوعية حياتها على جميع المستويات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، لتكون قادرة على الوفاء بالتزاماتها ووظائفها فى المجتمع، عبر توفير الخدمات الاجتماعية من تعليم وصحة ومرافق أساسية.
وهنا قالت عزة العشماوى: سبق أن تلقينا مقترحات لنصوص الصحة والطفولة والمرأة، وعليكم أن تركزوا على 3 مواد فقط تسلموها لنا مكتوبة عن السياسة السكانية وحقوق الأسرة.. انصرفنا جميعنا، وجلسنا لكتابة النصوص، فى كافتيريا المجلس، ذات المشروبات والسندويتشات المدعمة، وسلمنا المواد الثلاث للجنة.
وكانت المادة الجديدة هى: «تلتزم الدولة بوضع سياسة قومية للسكان بما يتلاءم مع التحول الديموجرافى والمتغيرات السكانية للوصول بالمجتمع إلى الرفاهة الكاملة اجتماعيا واقتصاديا وتحقيق التوازن بين معدل النمو السكانى ومعدلات التنمية البشرية لجميع شرائح المجتمع فى إطار حقوق مواطنة متساوية».. وإضافة جملة على المادة 182: «أن يضاف المجلس القومى للسكان ضمن الجهات التى يسرى عليها قانون الهيئات المستقلة والأجهزة الرقابية».
فأكدت أميمة إدريس على أهمية هذه المادة، لأنه لا توجد مادة تعالج القضية السكانية فى الدستور، وقالت: الرئيس عبد الناصر الذى أنشأ المجلس القومى للسكان فى 1970، قبل وفاته بشهور، كان على حق، فى أنه كان يريد أن يربط بين النمو الاقتصادى والسياسة السكانية، والتوزيع العادل للثروة.
وأكملت: لكن للأسف تم ربط المجلس فيما بعد بتنظيم الأسرة فقط، وخلال العامين الماضيين كان هناك تعمد لإخفاء دور المجلس، وقطعت لافتات خدمات تنظيم الأسرة من أمام الوحدات الصحية، على اعتبار أن التيار الدينى الذى سيطر على الحكم ضد تنظيم الأسرة، فى حين أن تجربة إيران والصين ركزتا على السياسة السكانية لتحسين دخل الفرد.