«أنا حاسة إنى أنا السبب فى أن مينا يضيع منى لأنى طلبت من مينا إنه يرجع بنى سويف بدل ما نعيش هناك فى السويس»؛ بصوت يختنق من الدموع بدأت كريستينا ملاك العروس الجديدة التى مر عليها شهر واحد فى عش الزوجية مع حبيب عمرها الشهيد الملازم أول مينا عزت الضابط صاحب ال 22 ربيعا والذى راح ضحية أعمال العنف التى اندلعت فى أعقاب فض اعتصامى رابعة العدوية والنهضة يوم 14-8-2013 والتى تحولت بين ليلة وضحاها إلى أصغر أرملة.. بقلب تملؤه الحسرة ودموع لا تجف على فراق زوجها وسندها فى الدنيا تتحدث كريستينا عن مينا الذى كان عريسها ولكنه الآن عريس السماء». أنا ومينا قصة حب جميلة توجت بالزواج.. أول معرفتنا ببعض كانت فى الكنيسة كانت يوم 14-8-2010 وبعدها قرأنا «الجبنيوت» مثل «الفاتحة» عند المسلمين وبعدها اتخطبت لمينا يوم 2011-5-15 وحفل زفافنا كان يوم 14-7-2013 .. ومينا كان بداية تعيينه كضابط شرطة فى السويس واحنا ذهبنا لقضاء شهر العسل فى شرم الشيخ لمدة ثمانية أيام ثم عدنا إلى بيتنا فى بنى سويف وبعدها سافر مينا إلى السويس لمدة 31 يوما وجاء إلى بنى سويف إجازة يومين ثم ذهب إلى السويس لمدة ثلاثة أيام وعاد لمدة يوم واحد.. وأود أن أقول إن مينا جلس معى فى منزل الزوجية لمدة 6 أيام فقط.
اليوم الذى وقعت فيه الأحداث فى بنى سويف بعد فض اعتصامى رابعة العدوية والنهضة كان يوم 14-8-2013 وكان أول يوم له للعمل فى بنى سويف بعد نقله من السويس فى حركة التنقلات الجديدة التى اعتمدها الوزير.. وفى الحقيقة أن مينا كان قد تقدم بطلب نقله من السويس إلى بنى سويف لأنه وحيد والديه والعائل الوحيد للأسرة، حيث إن والديه قد تجاوزا سن ال 60 فضلا عن أنهما يعانيان من ظروف صحية خاصة فعندما تقدم بطلبه هذا إلى الوزير وافق عليه دون واسطة أو محسوبية ونحن أصلا تعجبنا من أن الطلب تمت الموافقة عليه بهذه السرعة لأننا كنا على يقين أنه لن يتم نقل ملازم فى بداية حياته العملية بهذه السرعة.. ولم أستطع أن أصف لك كم كانت فرحتى عارمة وكذلك والديه.
كان نظام عمله فى بنى سويف عبارة عن نوبطشية لمدة 12 يوما وإجازة يومين ولكنه كان سعيدا رغم مشقة العمل لأنه فى نهاية الأمر سيعود إلى بيتنا.. فى يوم 14-8 كان مينا لا يعرف متى ستبدأ نوبطشيته فالمأمور لم يخطره ما إذا كان عمله سيبدأ من 8 صباحا حتى 4 عصرا أو من 4 عصرا حتى 21 منتصف الليل.. لكن مينا قد قرر الذهاب إلى العمل صباحا ليحضر عصرا للاستراحة بالمنزل وبعدها سيذهب لاستوديو التصوير لاستلام صور الزفاف.. فذهب إلى العمل وكنت أحدثه على الهاتف بشكل مستمر وكانت آخر مكالمة بيننا فى تمام الساعة الثانية ظهرا إلا عشر دقائق ووقتها طمأننى أنه بخير رغم أن اثنين من زملائه قد أصيبا وأنا فى الحقيقة قلت له: «ارجع البيت أنا خايفة سيب القسم وتعالى»: «فرفض بشدة وقال لى إنه لا يستطيع أن يترك زملاءه بمفردهم بعدها ظللت أتصل به لمدة ساعة كاملة من 2.15 حتى 3.15 ولكنه لا يرد وأنا اعتدتفى الحقيقة أنه إذا كان مشغولا كان «يكنسل» علىّ ثم يعاود الاتصال بى مرة أخرى.. وقتها شعرت أن فى الأمر شيئا فحاولت الاتصال بأحد زملائه فرد على قائلا: «مينا فى مستشفى التأمين عنده مأمورية هناك روحوا شوفوه..» فسألته: «إزاى أروح أشوفه وهو فى المأمورية يعنى فى شغله؟!» فقال لى: «بصراحة مينا أخذ إصابة فى رجله.. ولكن عندما ذهبنا إلى المستشفى عرفنا أن مينا قد توفى وتم حفظ الجثة فى الثلاجة..» فبعدها كلمت زميله وقلتله: «لماذا لم تخبرنى بالحقيقة ؟» فأجابنى: «مينا لم يصب بطلقة أو شىء أنا فقط أردت أن أقول لكم ذلك حتى تكون أعصابكم متماسكة..» ووقتها عرفت أن مينا توفى إثر اصطدامه بالمدرعة.. فروى لى أصدقاؤه أن الإخوان قد سرقوا مدرعتين للجيش من أمام المحافظة.. ومينا كان أمام القسم يقف وإذا به يجد مدرعة تأتى أمامه وعليها العديد من الإخوان والأخرى من خلفه عليها علم مصر.. وحسب رواية الشهود فإن صدمة المدرعة كانت أسرع من الطلقة بمعنى أن فى اللحظة التى التفت فيها مينا والضابط الآخر الذى كان معه واثنان من العساكر لرؤية المدرعة التى كان عليها علم مصر والتى كانت من إمدادات الجيش لحماية القسم من الإخوان قام قائد المدرعة الأخرى التى تحمل الإخوان وصدمت مينا من ظهره ثم «اتقلب على بطنه» ومرت من فوقه.. وقد تسببت ماسورة المدرعة التى يطلق منها النار فى قطع فى رأس مينا بطول 6 سم.. وذكر تقرير الطب الشرعى أن الوفاة نتجت نتيجة تهتك فى الكبد والطحال ونزيف داخلى بالبطن واشتباه فى كسر بكل ضلوع جسمه.. وقالوا لنا إن مينا عندما وصل إلى المستشفى لم يستطع أن يأخذ نفسه وعينيه كانت زائغة نتيجه تعرضه لما يسمى ب «ما بعد الارتجاج فى المخ» أى أن مراكز المخ المسئولة عن التنفس والإبصار قد تقطعت.. فحاول الأطباء إسعافه بدخوله إلى العناية المركزة ووضعه على أجهزة التنفسالصناعى ولكنه دخل فى غيبوبة وبعد خمس دقائق توفى.. حتى إن الأطباء لم يتمكنوا من السيطرة على النزيف الداخلى رغم أنهم قاموا بإجراء فتحة فى البطن لضخ محلول الملح الذى يساعد على طرد الدم من الداخل.. فيقول الطبيب إنهم «مالحقوش يحطوا محلول الملح لأن الدم خرج لوحده من جوه.. فتقريبا ال 5 لترات الذى يحتويها جسمه قد اتصفوا ..» وتوفى فى تمام الساعة 3.30 عصرا. وتتذكر كريستينا باكية: «هل تتخيلين أن مينا قد اتصل بى من عمله صباحا وقال لى «كل سنة وأنت طيبة احنا كملنا 3سنين مع بعض وكملنا شهر على جوازنا..؟! وتكمل وصوتها يكاد يختنق من شدة الدموع: «مينا مش عشان هو جوزى بس مينا كان ملاك على الأرض.. كان طيب قوى وحنين قوى.. تخيلى قال لى قبل وفاته بثلاثة أيام: «ربنا يجعل يومى قبل 4 أشخاص أنت وبابا وماما ومامتك ... فقلت له: «ماتقولش كده ربنا يديك طول العمر وتدفنا كلنا.. فقال لى : «أنا ماقدرش أشوف فيكم حاجة أنا بموت فيكم أنتم الأربعة... كان دائم الخوف على والده الذى كان مريضا بالسكر وكان يخشى أن يعانى والده من غيبوبة السكر ولا يكون بجواره.. دائما ما كان يهتم بالآخرين وكان يفكر فى نفسه فى الآخر.
و ها هى اليوم أمه تكاد تجن وهى أصلا «عايشة ميتة» لا تتخيل أن تفقد ابنها الوحيد الذى أتت به إلى الدنيا بعد 13 عاما وهو يروح منها فى لمح البصر.. أنا أعيش معها فى نفس البيت وكل يوم أراها وهى تذبل وتنهار.. وأنا أنفذ وصيته بأن أرعى والديه فى غيابه أو بعد وفاته.. فلم يعد لى فى الدنيا سواهما فأنا ليس لى أى إخوة من الصبيان ووالدتى مصابة بالشلل النصفى منذ 9 سنوات.. وحتى الذى لم يكن لى فى الدنيا سواه راح هو الآخر.
أود أن أقول إن جنازة مينا حضرها فقط أربعة أو خمسة ضباط من دفعته أيام الدراسة فى الكلية ولكن الضباط الذين مات مينا من أجلهم ويحميهم أمام قسم أو بندر بنى سويف لم يحضر فرد منهم إلى الجنازة ولم تقم له أى جنازة عسكرية ولم يلتف نعشه بعلم مصر!
وتبكى قائلة: «مينا كان رايح اليوم ده عشان يأخد مكافأة الجواز التى تقدر بمبلغ 40 ألف جنيه حيث كان ينتوى أن يشترى لى بالمبلغ سيارة فى عيد ميلادى بعد 3 شهور وحتى لما دخلت عليه فى الثلاجة وجدت عقد الزواج بجيبه ولم أعلم حتى ماذا فعل ويبدو أن الأحداث قد سبقته.. وتنهمر فى الدموع أنا السبب أنا اللى كنت عايزاه يعيش معايا فى بيتنا فى بنى سويف.. كنا زماننا دلوقتى فى السويس ولا كان حصل اللى حصل.
مينا مش عشان هو جوزى لكن قلبه قلب طفل على الرغم من بنيانه العريض وطوله الذى يصل إلى 180 سم مينا عمره ما زعلنى عمره ما ضايقنى كان يجبلى كل حاجة من غير ما أطلبها.. كان بيحس بينا من قبل ما نشكى أو نقول أى حاجة.. كان أجمل شخص قابلته فى حياتى فى حبه وحنانه كان يوميا يحضر لى الفطار على السرير قبل أن أفيق من النوم.. هم 8 أيام عاشهم معايا من أجمل أيام عمرى.
أنا عارفة مينا عمره ما عمل حاجة تؤذى أى شخص ده ملاك وكان قد حصل على «رتبة الشماس» من الكنيسة. وكنت أقول له يعنى أنت مؤدب ومحترم وكمان شماس؟! فكان يقول لى ضاحكا: «أنا بجمع كل الصفات الحلوة». و«أنا زعلانة منه إنه سابنى لدرجة أنى حسيت إن ربنا بيعاقبنى أنا مش عايشة أنا كنت بكلم ربنا وأقول يارب يكون فى بطنى ولد أو بنت منه يشيلوا اسمه» وأنا اليوم حزينة لأننى مش حامل منه أكيد ربنا له حكمة إن اسم مينا يتقطع من الدنيا خالص».. وتستطرد: «مينا كان حلم عمره أنه إذا رزق بالمال سيشترى أرضا هو وأصحابه ويبنوا عليها كل واحد فيلا يلعب أولاده وأولادهم فى حديقة الفيللا.. لم يغب لحظة عن بالى لدرجة أننى أجلس أمام صورته الكبيرة الموجودة فى الصالة وأتحدث معه ولكن أكثر شىء يضايقنى هو أن يوم الحادث مينا اضطر أن يأخذ الموبايل الخاص بى لأن هاتفه قد أتلف وعندما توفى لم نجد معه الموبايلالذى كان يوجد عليه كل صورنا سويا أيام الخطوبة والزفاف وشهر العسل حتى ذكرياتنا «مستكثرنها على».