نعلو.. ونعلو والمصعد بزجاجه الشفاف يحملنا إلى الأدوار العليا من المول.. يختفى العالم الأرضى بمجرد أن نترك الدور الأول. نسبح فى عالم من العطور والأضواء، المانيكانات فى الفاترينات تفتح لنا أذرعها.. تحتضننا، تفاجئنا صدور من جبس تلامس صدورنا الصغيرة النابتة فنضحك ونخجل معاً.. نمس أثواب الحرير التى انسدلت برشاقة على كل مانيكان.. نقارن أجسادنا الصغيرة الحية النابضة بأجسادهن الحجرية ونتمنى فساتينهن الغالية.. الغالية.
تهمس إحدانا: «تقول أمى أن عرائس الجبس مسحورات!
فنهمس: المانيكانات؟!
فتقول وعيناها تتسعان: «لا تخافا.. إنهن مسحورات ولكن بكلمات معينة مع رش الماء يتحررن من الجبس ويرجعن إنسيات من لحم ودم!».
- ومن سحرهن؟
- ومن حول كل جميلة إلى حجر؟
فتهز كتفيها وتقول: من يعرف؟! فأدرك أن أمها بالطبع تعرف ولكنها لا تريد أن تخبرها حتى لا تتعلم السحر!
أنكمش وأترك أذيال الفساتين الغالية.. الغالية.
نسير فى المول وقد أمسكنا فى يد بعض، نخشى متاهة المول.. ونخاف أن يمد يديه سحر المكان فيتخطف إحدانا فلا نجدها بعد ذلك أبداً!.
أرتعد فأنا الوحيدة التى ليس معى موبايل وبالتالى فأنا الوحيدة التى يمكن أن أضيع.. تعرقت يدى وأنا أفكر ماذا أفعل لو تحولت إلى عروس من جبس!.. أنعم بفساتين غالية من حرير ولكن لا يمكننى الحركة؟! ولا أحد يعرف الكلمات التى يرشونها مع الماء لكى أعود من جديد كما كنت!.
سرنا.. تجذبنا الأضواء وعناقيد النور الملونة وأسماء المحال كعرائس من ضوء تغمض وتفتح وتدعونا إليها.
.. انبعثت موسيقى مسلسل «العشق الممنوع» من موبايل سلمى فسبحنا فى قصة الحب التى جمعت بين مهند وسمر.
كنت فى هذه اللحظة أتذكر بقوة مشهد البانيو عندما رأها خارجة وهى تقطر ماء فالتمعت عيناه بشدة مثل فهد خارج من القفص.. وارتعشت جفونه واصطبغ وجهه بحمرة محببة وتعانقا.. تعانقا!.
تمنيت أن أشبه «سمر»، ألتمس رقبتى أمرر أناملى عليها برفق ثم أضغط عليها بضيق.. أشتهى أن يصبح لى عنق طويل مثلها.. أسبح فى البانيو ثم يتلقفنى مهند بالمنشفة!.. يحتضننى وهو يهمس: بنم.. Beynim! وأن تتدلى سلسلته الفضية بين نهدىّ وأنا أرتعش كسمكة خارجة من الماء.. خيل إلىّ أن الجميع يتبعوننا ليسمعوا موسيقى العشق الممنوع.. يسبحون رجالا ونساء فى البانيو ويتحابون فتسعد النساء ويصبح الرجال فهودا.. وتتكسر مصابيح الضوء وتسقط الثريات من زلزلة القبلات وحرارة اللقاء.. أنهت سلمى فجأة موسيقى العشق! ونحن نتأمل حروف الأسماء ذات الفصوص اللامعة فى محل الحلى، قالت سلمى: نكتب أسماء من نحب بالفصوص اللامعة على أيدينا، تحمسنا للفكرة.
أشار البائع إلى الأساور الجلدية التى يمكنها أن تحمل أسماء حروف المحبين فاخترنا ثلاث أساور جلدية وانحنينا نلتقط الحروف، انحنت ظهورنا وكل منا تبحث عن اسم محبوبها.. سلمى أكملت حروف «هانى»، ودينا بحثت عن حروف «تامر» أما أنا فقد اخترت حروف اسم «مهند».. ثم فكرت لماذا لا أشترى أسورة أخرى وأكتب حروف ابن عمتى «أشرف»؟!
أرتدى هذه الأسورة مرة، وتلك مرة أخرى جد كانت مشاعرى مضطربة.. لا أعرف من هو حبى الحقيقى؟.
.. ارتدينا الأساور الجلدية وفرحنا وثبتنا إلى جوار الحروف قلوبا فضية ذات فصوص براقة اخترناها بعناية، ولكن سلمى ولم نكد نبتعد عن المحل حتى قالت: «ماذا فعلنا بأنفسنا؟.. أحبابنا فى قلوبنا.. لازم يعنى نكتبهم على أيدينا؟!»
وقالت دينا: «كشفنا نفسنا بنفسنا؟!». قلت: كشفنا نفسنا لمن؟!.. لن نلبس الأساور فى المدرسة!
قلتها وقد تزعزع قلبى وارتعش كفى وأنا استعيد صورة مديرة المدرسة وهى تؤكد على أن كل شىء «ممنوع.. ممنوع»!! وقرارها الأخير بتغيير الزى المدرسى بعد أن قصرنا الجونلات!
- «البنطلونات الرجالى من السنة القادمة! ومن تضيق البنطلون سأقصه أمامها بمقص!».
صوتها الرفيع الحاد، وعيناها الكبيرتان.
«ممنوع.. ممنوع!» تردد صوتها فى جنبات نفسى وعادت سلمى تقول: «لنعيد الحروف إلى البائع!» ترددنا ولكنها جذبت أيدينا.. كنا نخشى غضب البائع أو رفضه إعادة الحروف! اقتربنا منه فى وجل:
وضعنا أمامه الأساور الثلاث فقرأ أسماء أحبابنا.. سرعان ما ابتسم وهو يمد يده فيفرط بكل سهولة حبات قلوبنا.. تساقطت الحروف الحبيبة فى علبة عميقة.. رنت عند سقوطها وأنت أنينا موجعا.. ترن.. رن.. ترن!
لمعت الدمعة فى عينى بينما قالت سلمى:
- نريد حروف أسمائنا ابتسم البائع وأْعطانا علبة الحروف من جديد، وانهمكنا فى اختيار أسمائنا! ولكننا لم نختر هذه المرة قلوبا مرصعة بفصوص براقة كانت قلوبنا نفسها مجروحة لأننا نزعنا أسماء من نحب وألقيناها فى العلبة التى تشبه البئر المظلمة!.
نزلنا بالمصعد ذى الزجاج الشفاف هبطنا من سماء الحب إلى العالم الأرضى كما تهوى النجوم فتنطفئ.. لم تهتز المصابيح ولم تسقط الثريات من حرارة القبل لم ننزل من البانيو الأبيض بأقدام مبللة، لم ندثر أنفسنا بزغب الأرواب القطنية الناعمة، ولم يلاقنا أحد ولم يفتح ذراعيه إنسان.
كانت تنازعنى نفسى أن أعود إلى بائع الحروف.. أن أكتب اسم من أحب على الأسورة... مرة «مهند»، ومرة «أشرف»! جد كانت مشاعرى مضطربة ولكنى رفضت من داخلى قرار سلمى.. ندمت لأنى لم أعد قلبى إلى مكانه!
وحتى إذا كان من الصعب الظهور بأسماء أحبابنا فلماذا لم نكتب: بنم.. Beynim.. ربما لأننا لم نكتبها تحولنا بقدرة قادر إلى ثلاثة تماثيل.. ثلاث عرائس من جبس! لا ندرى من سحرنا؟.. ومن سيأتى ليرشنا بالماء ويقول الكلمات التى قد تعيدنا إلى الحياة من جديد.. تسمرنا أمام باب المصعد فى انتظار من يرش الماء.. ويعرف الكلمات!.