ملف ماء النيل وإمكانية دخولنا لمرحلة القحط المائى من الملفات المفتوحة التى تمثل أهم المخاوف التى قد تتعرض لها مصر فى الحاضر القريب خاصة بعد اعتزام إثيوبيا بناء سد النهضة وتحويل مجرى النيل الأزرق بما يمثله من خطر يصل لمرحلة المساس بالأمن القومى وهو ما أكده العديد من الخبراء.. ليس هذا هو الملف الوحيد الذى يطرح نفسه على الواقع المصرى اليوم ويشغل بال المختصين فقد أصبحت مصر بلد النيل والخير تستورد كل ما يخطر على البال، ولا تملك غذاءها، وأصبح من الضرورى مناقشة أسباب ونتائج هذا الحال الذى وصلنا له مع علمائنا وأصحاب الرأى.. من هذه القامات الخبير الزراعى الدكتور نادر نور الدين أستاذ الزراعة بجامعة القاهرة، والذى امتد الحوار معه ليشمل العديد من المشاكل التى تعانى منها مصر فى الوقت الحالى بدأنا معه بما يؤرق البلدالآن من موضوع الماء وموقف إثيوبيا وسد النهضة. ∎ما هو نصيب الفرد اليوم من ماء النيل وهل من الممكن أن تكون مصر هبة النيل تقترب من حد الندرة من الماء؟
- يبلغ متوسط نصيب الفرد حاليا فى مصر من إجمالى الموارد المائية التى تضم المياه العذبة وإعادة استخدام مياه الصرف الزراعى والصحى والصناعى حوالى 820 مترا مكعبا سنويا نصيب الفرد من مياه النيل فقط والتى هى مصدر جميع الموارد الأخرى من الصرف الصناعى والزراعى والصحى فلا تتجاوز 650 مترا مكعبا للفرد سنويا، بما يعنى تصنيف هذه الحصة إلى كون مصر تعانى من ندرة المياه وطبقا لحد الندرة وطبقا لتقديرات منظمة الأغذية والزراعة 1000 متر مكعب للفرد سنويا. ومن المتوقع أن ينخفض نصيب الفرد من المياه فى مصر من إجمالى مواردنا المائية إلى 650 مترا مكعبا عام 2030 ثم إلى 540 مترا مكعبا عام 2050 عندما يصل تعداد مصر إلى 120 مليون نسمة طبقا لمتوسط الزيادة السكانية الحالية، وإلى460 مترا مكعبا للفرد من مياه النيل فقط بما يعنى دخولنا عصر القحط المائى وليس حد الندرة فقط.
∎ اعتبرت أنه بمجرد إعلان إثيوبيا بناء السدود أنه إعلان بالحرب على مصر اشرح لنا ما خطورة ذلك على نصيب مصر من الماء؟
- فى تحد غير مبرر واستعجال لحرب على المياه أعلنت إثيوبيا نيتها عن إقامة خمسة سدود متتالية على النيل الأزرق، فإثيوبيا سوف تتحدى بخمسة سدود جديدة لتستأثر وحدها بمياه النيل الأزرق وليمت شعب مصر عطشا فيما تظنه إثيوبيا أنه استغلال لضعف دائم لمصر غير مدركة إن الضعف السياسى فى مصر لم يصل إلى جيشها القوى القادر على الوصول إلى كل شبر فى إثيوبيا، فهو الذى ألحق الهزيمة بالجيش الإسرائيلى الأقوى مئات المرات من الجيش الإثيوبى، فالضربات الوقائية لمنع الضرر وحماية الأمن القومى للدولة حق دولى مشروع تقره الأممالمتحدة، وحليفة إثيوبيا الحالية إسرائيل خير من أستغل هذا المبدأ فى العراق وتونس وسوريا والسودان وسط تأييد عالمى للحفاظ على أمنها القومى. السد الأول هو أخطرها سد النهضة الذى تكمن خطورته أنه مقام على منحدر شديد الوعورة، وبالتالى فإن احتمالات انهياره عالية للغاية ومعامل أمانه لا يزيد على 1.5 درجة مقارنة بمعامل أمان السد العالى الذى يصل إلى 8 درجات، وفى حالة انهياره فسوف يمحو مدينة الخرطوم من الوجود ويستمر دماره لجميع المدن التى تقع شمالها وصولا حتى السد العالى ومدينة أسوان. يضاف إلى ذلك إلى أن امتلاء البحيرة خلف هذا السد بهذا الحجم الهائل من المياه حتى ولو قدرنا أن يمكن أن يحدث خلال خمس سنوات فهذا يعنى استقطاع 15 مليار متر مكعب كل سنة من حصة مصر والسودان، وبالأصح من حصة مصر فقط لأن سدود السودان تحجز حصة السودان من المياه أولا قبل أن تصل إلى مصر وهى كمية تعادل حرمان 3 ملايين فدان مصرى منالزراعة، أما إذا قررت إثيوبيا أن تملأ البحيرة خلال ثلاث سنوات فقط فهذا يعنى خصم 25 مليار متر مكعب سنويا بما يعنى دمارا كاملا لمصر وحرمان 5 ملايين فدان مصرى من الزراعة وعدم امتلاء بحيرة ناصر بالمياه وانخفاض أو انعدام التوليد المائى للكهرباء، وبذلك تكون كهرباء إثيوبيا فى الواقع على حساب كهرباء مصر، بالإضافة إلى ضخ المياه لمصر على صورة حصة يومية تتوقف على قدر احتياج إثيوبيا للكهرباء فيتحول النهر إلى ترعة يصرف فيها ماءً مقننا بأوامر إثيوبيا ولا يصبح لبحيرة ناصر أهمية ولا للسد العالى الذى سيكون هدمه أفضل لتقليل البخر من بحيرة ناصر وتدفق حصة مياهنا من سدود إثيوبيا إلى داخل البلاد يوميا فى ترعة النيل بدلا من نهر النيل ويستوجب على مصر إبلاغ إثيوبيا باحتياجاتها مسبقا فى قطاعات الزراعة والمنازل والصناعة والمحليات حتى تتفضل بصرفها لنا يوميا بيوم وكأنه ليس نهرا دوليا.
∎ ماأهمية فصل إدارة المياه للنيل الأزرق عن الأبيض؟
- يجب أن تتبنى مصر إقناع دول النيل الأبيض الست بفصل إدارة المياه للنيل الأزرق عن إدارة المياه بالنيل الأبيض، حيث إنهما حوضان منفصلان وغير متصلين وبالمثل أيضا نهران لا يتصلان، وبالتالى فإنه فى حالة وجود جفاف فى دول النيل الأبيض الست فلا يمكن لإثيوبيا أن تحول مياه النيل الأزرق لهما فلا سبيل ولا طريق ولا انحدار ولا أى ظروف طبيعية أو حتى مستحيلة تسمح بذلك. وبالمثل أيضا فإذا ما تعرضت إثيوبيا إلى الجفاف فلا سبيل أبدا لوصول مياه النيل الأبيض إليها وبالتالى يكون صحيح الأمر أننا نتعامل مع نهرين وليس نهرا واحدا وهما مستقلان ومنعزلان عن بعضهما البعض ولا يمكن تداول المياه خارج دول كل نهر ولذلك فلا معنى أن تستقوى إثيوبيا بدول النيل الأبيض الست ضد مصر. هذا الأمر يمتد أيضا إلى المبدأ الدولى الذى يقرر اقتسام المنافع أو حدوثوتلافى الإضرار لدول كل نهر على حدة، بمعنى أن سدود إثيوبيا على النيل الأزرق لا يمكن أن تضر أو تفيد دول النيل الأبيض الست، ولكن المستفيد أو المتضرر منها سيكون فقط إثيوبيا والسودان ومصر ولهذا فإن أى سدود تريد إثيوبيا إقامتها على النيل الأزرق وروافده الأخرى تناقش فقط بين دول النيل الأزرق الثلاث وبعيدا تماما عن دول النيل الأبيض ووقتها يمكن لمصر أن تتخلى عن حق الفيتو فى بناء السدود ويكون القرار بأغلبية التصويت بين إثيوبيا والسودان ومصر ويمكن أيضا ضم إريتريا إليهما حيث يمر بحدودها نهر عطبرة. وبالمثل فإن بناء أى سدود على النيل الأبيض الذى ينبع من بعيد جدا عند خط الاستواء لا يمكن أن ينفع أو يضر إثيوبيا ولا إريتريا، وبالتالى فإن أمور إقامة سدود على النيل الأبيض تناقش فقط بين دول النيل الأبيض وهى مصر والسودان وكينيا وتنزانيا وأوغندا ورواندا وبروندى والكونغو وبعيدا تماماعن إثيوبيا وإريتريا لانعدام مبدأ تبادل المنفعة أو تلافى أو حدوث الأضرار ويكون التصويت بالأغلبية أيضا، خاصة أن كل ما يصل مصر والسودان من دول النيل الأبيض لا يتجاوز 15٪ فقط من حصتيهما من مياه النيل بما لا يتجاوز 12.5 مليار متر مكعب فى السنة وفقد كميات منها حتى خمسة مليارات متر مكعب فى السنة يمكن لمصر والسودان أن تقتسمها وتتحملها بعكس الوضع فى إثيوبيا والتى يصل لمصر والسودان 85٪ من حصتيهما من مياه النهر بما يعادل 71.4 مليار متر مكعب كل سنة وأى مساس بها يعنى دمارا شاملا لمصر والسودان تصل إلى حد الإبادة الجماعية لشعوبهما التى تعتمد على هذه المياه الأقرب إلينا فى المسافة والتى تصب فى مدينة الخرطوم مباشرة بعكس مياه النيل الأبيض البعيدة والتى تقطع مسافة طويلة جدا إلى أن تصل من أوغندا إلى السودان الجنوبى ثم إلى السودان ومنها إلى مصر.
∎كيف ترى مستقبل الأمن الغذائى فى مصر فى ظل الاحتياج المستمر والمتزايد للسكان؟ هل نحن قادرون على سد هذه الفجوة؟
- يجب أن نعلم أن عدد السكان فى مصر سيصل الى ملايين نسمة عام 2030 و129 مليون نسمة 2050 ولابد أن نعرف كيف سنوفر الغذاء لهذه الزيادات من الآن، حيث يحسب العالم من الآن مستقبل الأمن الغذائى العالمى فى عام2050، بينما هذا الأمر غير مطروح فى مصر ولو حتى لمستقبل الأمن الغذائى غدا، كما نرى الآن فى تكرار انقطاع الكهرباء نتيجة لعدم تخطيطنا العلمى لمستقبل أمن الطاقة فى مصر والعالم كله يعلم احتياجاته من الطاقة فى عام 2050 إلا مصر، وإذا لم نقم بزيادة مساحات الزراعة داخليا وخارجيا، فيمكن أن تقوم فى مصر فعلا أزمة جياع فى عام 2030 و2050 بسبب تكرار ارتفاع أسعار الغذاء العالمى ونحن قادرون على تحقيق الاكتفاء الذاتى الكامل من خمس هذه السلع الاستراتيجية وفورا وقادرون أيضا على تحقيق أمن غذائى مرتفع بنسبة80٪ فى الاثنين الباقية، فمثلا يمكننا تحقيق الاكتفاء الذاتى من زيوت الطعام إلى زراعة 750 ألف فدان فقط بفول الصويا وعباد الشمس وبذلك نكون حققنا الاكتفاء الذاتى الكامل منهما وهربنا من استخدامهما فى إنتاج الوقود الحيوى والارتفاع الدورى فى أسعارهما، ونستطيع فى الموسم الشتوى تحقيق الاكتفاء الذاتى الفورى من العدس بزراعة مساحة 85 ألف فدان فقط من التقاوى البلدية ونصف هذه المساحة لو استخدمنا التقاوى عالية الإنتاجية التى تُزرع فى إسبانيا والأرجنتين وسوريا أى 40 ألف فدان فقط لتوفير هذه السلعة الشعبية لفقرائنا.
الفول أيضا فى الموسم الشتوى يمكن تحقيق الاكتفاء الذاتى الكامل منه بزراعة مساحة 450 ألف فدان فقط من التقاوى البلدية ضعيفة الإنتاجية أو ربع مليون فدانا فقط من التقاوى عالية الإنتاج التى تزرع فى إنجلترا والصين وإيطاليا، هذه المساحات الصغيرة متوافرة تماما فى الموسم الشتوى إلى جوار زراعات القمح والبرسيم والتى تشغل معا نحو 6 ملايين فدان فى الموسم الشتوى.
أما القمح فمشكلته أن المنافس الأول له هو محصول البرسيم الأعلى ربحية والذى يفضله الفلاح من أجل مواشيه وبسبب أيضا أن تجار اللحوم والمواشى يدفعون للفلاح مقدمات نقدية للزراعة قبل زراعته ويوفرون سيولة مالية للفلاح فى بداية الموسم، بالإضافة إلى تقلب أسعار القمح كل عام بسبب أسعاره فى البورصات العالمية، حاليا نحن نزرع نحو 5,2 مليون فدان بالقمح مقابل 5,3 مليون فدان بالبرسيم والمطلوب العكس أن يكون القمح بمساحة، وأن يصاحب ذلك تخفيض زراعات الخصروات والفاكهة الشتوية (مثل الموالح) التى تدهورت أسعارها لإحلال جزء منها بالقمح مع التوسع فى زراعاته، أيضا فى شرق العوينات وباقى مشروع ترعة السلام داخل أراضى سيناء والتى تبلغ 400 ألف فدان يمكن زراعة نصفها بالقمح. هذه الأمور تصل باكتفائنا الذاتىمن القمح إلى 80٪، وهناك أيضا مقترحات بحتمية الزراعة فى السودان ودول حوض النيل لمساحة تصل إلى 2 مليون فدان لتحقيق مستقبل الأمن الغذائى.
∎بالحديث عن الطاقة طرحت فكرة ستحل لنا مشكلة الوقود بأسلوب أوفر وأسهل كلمنا عنها؟
- خلال السنوات الثلاث الماضية زاد استهلاك مصر من الوقود بدرجة كبيرة وبدأ يظهر نقص وأزمات متكررة فى السولار والبوتاجاز والبنزين بشكل كبير فى الشارع المصرى حتى تحولت مصر فعليا وبقرار منشور فى الجريدة الرسمية للدولة من دولة مصدرة للغاز خلال الثلاثين عاما الماضية إلى دولة مستوردة له. ظهر ذلك فى الانقطاع المستمر للتيار الكهربى بسبب نقص إمدادات محطات توليد الكهرباء بالغاز الطبيعى والسولار والمازوت بسبب استيرادهم من الخارج والعجز فى العملات الأجنبية والاحتياطى الاستراتيجى النقدى من الدولار فى البنك المركزى ويتبقى لمصر أمل فى دخول هذا المعترك خاصة فى إنتاج الديزل الحيوى (السولار) بشكل أساسى وذلك من خلال أكثر من طريقة، فمثلا بدأت بريطانيا تجربة رائدة فى السنوات العشر الأخيرة وهى تصنيع الديزل الحيوى من مخلفات زيوت القلية المستخدمة فى المنازل والمطاعم والفنادق وما أكثرها للاستفادة بها اقتصاديا.
كذلك يمكن الاستفادة من مخلفات الدهون الحيوانية والبحرية الناتجة من تصنيع منتجاتها بالمجازر والسلخانات، كذلك يمكن الحصول على الديزل من نبات يسمى الجاتروفا وهى أشجار صحراوية تستطيع النمو فى جميع أنواع الترب الصحراوية وتتحمل تركيزات مرتفعة من ملوحة التربة ولا تحتاج إلى خبرات زراعية كبيرة أو تقنيات عالية فى معاملاتها الزراعية، وتنتج ثمارا تحتوى على زيت قابل للتحول إلى ديزل حيوى ويمكن زراعتها فى محافظة الوادى الجديد وواحة سيوة بأراضيهما المغمورة أو المالحة، ثم يتبقى جزء كبير للتصدير من هذا المنتج الحيوى الذى يعتبر أعلى سعرمن البنزين فى جميع دول العالم، كذلك يمكن استخدام نبات اللفت وبذوره أيضا لإنتاج الديزل ولكن من عيوبه فقط احتياجاته المائية العالية لذلك يفضل زراعته فى المناطق الشمالية غزيرة الأمطار.
∎كيف ترى أهمية تنمية سيناء ومساهمة ذلك فى تحقيق الاكتفاء الغذائى فى مصر؟ ولماذا هاجمت مشروع توشكى؟
- مشروع ترعة السلام هو المشروع الوحيد فى العالم الذى استغرق الانتهاء منه أكثر من 32عاما حتى تم وضع حجر أساسه والتخطيط له فى عهد الرئيس السادات، ونستطيع أن نقول إنه انتهى العمل من إنشاء الترعة والبنية الأساسية لاستصلاح أراضى المشروع داخل سيناء بنسبة 80٪ حيث وصلت الترعة إلى منطقة «السر والقوارير» قرب سهل ووادى العريش وهى منطقة كثبان رملية متحركة ينبغى أن تعبرها الترعة عبر مواسير ثم تستكمل ترعتها المفتوحة حتى وادى العريش. تعمد النظام السابق سحب الاعتمادات المخصصة لمشروع ترعة السلام دوريا وتخصيصها لمشروع توشكى الذى كان يظن أنه سيخلد اسمه حتى أنفق على توشكى نحو 12 مليار جنيه مصرى دون عائد لاستصلاح 540 ألف فدان فقط، فى حين تركنا620 ألف فدان فى سيناء تحتاج إلى أقل من مليار جنيه فقط للانتهاء منها تماما، بالإضافة إلى المناخ البارد والممطر فى شمال سيناء الذى لا يستهلك الكثير من المياه بعكس مناخ توشكى الشديد الحرارة الذى يستهلك ضعف كميات المياه التى يستهلكها نفس المحصول عند زراعته فى شمال سيناء مع صلاحية سيناء لزراعة جميع الحاصلات الاستراتيجية مقابل توشكى الذى يتطلب زراعة الحاصلات المتحملة للحرارة والجفاف فقط.
لا يمكن لمصر أن تترك سيناء التى تبلغ مساحتها ثلاثة أضعاف مساحة إسرائيل دون استغلال، وبالتالى تكون نهبا وطمعا للآخرين وكذلك مجالا خصبا للإرهاب لانعدام الأمن والحراسة، هناك أيضا نحو 200 ألف فدان قابلة للزراعة فى جنوب ووسط سيناء ومواد خام لتصنيع الأسمدة والأسمنت والحديد والسجاد والسياحة وغيرها الكثير يمكن أن تستوعب 2 مليون مصرى إضافيين للإقامة فى وسط وجنوبسيناء.