تزاحمت الأحلام داخل مخيلتها تتنافس فى بهجة تغزل ثوبا ورديا فاقع اللون ترقص فى نشوة سكرى ما بين الحقيقة والخيال لم تعد ومضات خفيفة بل أشعت كل نورها دون حياء لم تعط انتباها بالأمس عندما أخبرها مايكل الصحفى الكاميرونى الذى يستضيفها فى أحد فنادق دوالا أكبر مدن الكاميرون لحضور أحد المؤتمرات عن حقوق المرأة أن يوسف الدبلوماسى يريد أن يتحدث معها.. لمعت فى ذهنها أسئلة خاطفة.. من يكون يوسف؟ ولماذا هى بالتحديد من سأل عنها وعندما سألت مايكل لم يستطع أن يرد عليها بالإنجليزية فهو لا يتحدث سوى الفرنسية وهى مشكلتها من يوم أن وطأت قدماها داولا وبالطبع لن تأتى بمترجم كى يترجم شيئا شخصيا لها فنست القصة ولم تعطها انتباها. وفى صباح اليوم أتاها تليفون من ريسبشن الفندق ليخبرها أن الدبلوماسى يوسف فى انتظارها ليس أمامها سوى دقائق بسيطة وتعرف من هو ولماذا يريدها؟ إن الموضوع به إصرار على المقابلة. وتذكرت فجأة ما قاله لها الفلكى زيدان الذى ذهبت له مع صديقتها التى تؤمن بهذه الخرافات الموضوع لم يكن بالنسبة لها وقتها أكثر من مزحة. كان عام 2102 يوشك على الانتهاء وقد طلبت منها صديقتها مرافقتها لعم زيدان الفلكى المعروف لإخبارهما ببركات العام الجديد. التجربة كانت مثيرة فلم تفكر ووافقت على الفور.. فى الحارة الضيقة قبل منزل زيدان بأمتار قابلت صديقتها مشيتا سويا حتى وصلتا أسفل البيت القديم الذى يقطن فيه زيدان صوت سيدة من شرفة متربة صغيرة يأتيهما مهللا قائلة. البنات الحلوة دى أكيد جاية لعم زيدان اتفضلوا اطلعوا بس خبطوا جامد ليكون نايم. ضحكاتهما كانت تسبق خطوات أقدامهما والخوف من ظلام الدرج بعثرته روح المغامرة. أول مرة لهما فى بيت فلكى وبعد أن رنت الجرس سمعت صوته من الداخل وكأنه يحدث شخصا ما ولكنها تعلم جيدا أنه يسكن بمفرده. عادى ربما يريد وضع علامات الغموض حوله أو ربما يرافق الجن. وبعد دقائق فتح الباب رجل صغير القامة كفيف استقبلهما بترحاب شديد قال لهما كلاما كثيرا عن الطالع عن الماضى والمستقبل من تاريخ مولدهما. حدد لهما أياما ستغير حياتهما قال لها اكتبى التواريخ ولكنها لم تهتم أمسك كف يديها، فابتسمت وغمزت لصديقتها أنه يقرأ الكف باللمس، كل الرجال متشابهون، كلهم يقرأون الكف باللمس أيضا. نظرت فى المرآة ويداها على خصرها تعقد حزام الفستان تفاجأت بابتسامتها تبلع المرآة لقد أخبرها زيدان عن ظهور دبلوماسى سيغير حياتها وسيدعمها. للأسف لم تكتب التاريخ الذى أخبرها به. إنه حلمها منذ البداية وقبل كلام زيدان.. حلمها منذ أن عشقت السفر من حكايات ابنة الجيران الصغيرة ذات العشرة أعوام والتى كانت تسافر مع أبيها وتأتى بالعرائس والألعاب من لندن وفرنسا ليلتف حولها الأطفال منبهرين فاغرين أفواههم محرمة أيديهم من لمس اللعب.. ابنة الجيران وحدها هى من كانت تقف فى منتصف الحجرة تلعب والجميع يلعب دور المتفرج. حلمها كان يكبر يوما عن يوم تلقيه على صدر الجدة العجوز فتدعو لها الجدة بالعريس الذى تسافر معه بلاد الدنيا. السفر عند الجدة كان مرتبطا بالعريس لا سفر من غير عريس.. وكبرت وسافرت وحدها وبدأت تكتشف أن حلمها كان أكبر من مغامرات السفر وأن الزواج من دبلوماسى هو الحلم الأكبر. فملامحها الهادئة وخطواتها الرزينة كانت تعطيها هالة من الوقار منذ أن كانت صغيرة.. أصدقاؤها فى المدرسة كانوا يطلقون عليها اسم هانم. ولكن زمن الهوانم قد انتهى وصارعت كى تحافظ على اللقب فكانت دائما ترتدى زيا كلاسيكيا لا تترك شعرها بحريته مكتبتها الصغيرة قد امتلأت بكتب فن اتيكيت الطعام والهدايا. لم تحلم بحفلة الزفاف بقدر ما حلمت بحفلات الكوكتيل والريسبشنات وهى تصاحب زوجها الدبلوماسى. ولمعت عيناها عندما تذكرت الكتاب الذى قرأته مؤخرا وكان عبارة عن سلسلة حوارات مع زوجات الدبلوماسيين وابتعدت عن المرآة وألقت بنفسها على الفراش بجانب أشعة الشمس التى تنشر ضوءها على الأغطية احتضنتها للحظات ثم.. اعتدلت فى جلستها سريعا ووضعت ساقا على الأخرى وكأنها تعطى الخيال البرتوكول اللائق. حتى ما قالته الزوجات عن سلبيات الحياة مع دبلوماسى كان مثيرا بالنسبة لها وبحركة لا إرادية رفعت أصابعها بعلامة النصر وقد ارتفعت ضحكتها لابد أن يكون فى ثلاجة زوجة الدبلوماسى طعام يكفى 03 شخصا استعدادا لأى عزومة مفاجئة وأن تكون الورود دائما فى البيت.. كل نوع من الورد يبعث رسالة.. وزمت شفتيها عندما تذكرت موضع تغيير اللغة من بلد لآخر أنها لاتمتلك تلك المهارة إنها لا تجيد سوى الإنجليزية لا يهم.. ستتعلم، ستعامل أطفالها بطريقة مختلفة فأبناء الدبلوماسى لا يتمكنون من إنشاء الصداقات الأبدية نظرا لظروف عمل والدهم ستكون هى صديقتهم. لابد أن تقرأ كثيرا عن الآثار والحضارة الفرعونية.. لابد أن تكون مستعدة إذا ما التف حولها زوجات السفراء يسألنها عن مصر. لن تسكن فى منزل واحد ستتنقل بين البلدان كفراشة رقيقة مبهجة من كل بلد ستحمل ذكرى.. حكاية.. أكلة.. سيكون لديها أصدقاء بوذيون وهندوس وملحدون ستختلط بالجميع. وسرحت فى يوسف الدبلوماسى الذى ينتظرها منذ ربع ساعة فى ريسبشن الفندق لابد أنه وسيم أنيق يعرف كيف يتعامل مع شابة جميلة مثلها. زيدان أخبرها بقدومه ولكن لم يخبرها كيف سيقع فى حبها؟ ترى ما جنسيته؟ هل يعيش فى الكاميرون؟ ولكن غريزتها الأنثوية طرحت من جديد نفس السؤال.. كيف سيقع فى حبى؟ اقتربت من المرآة وامتدت أصابعها لعلبة الإكسسوارات الخاصة بها لقد أخبرها زيدان أن حجرها هو الفضة وأن ارتداءها للفضة يقع فى قلب الرجال كالسحر يمكنها أن تطلب ما تشاء طالما ترتدى الفضة. وتزينت بقطع عديدة من الفضة وكأن قطعة واحدة لن تكفى لسحر الدبلوماسى. وألقت نظرة نهائية على فستانها وتسريحة شعرها. فستانها يشبه أحلامها وردى فاقع حرير يداعب جسدها. . وحذاؤها 5 سم لا إنه لا يليق بحلمها بدلت الحذاء بآخر 9 سم طالما عشقت الأحذية ذات الكعوب المرتفعة دائما ما سرحت أمام فاترينات المحلات وكلما طال الكعب كلما لامست الحلم. خرجت من الحجرة قلبها يخفق بشدة لم تنتظر المصعد من شدة توترها نزلت درج السلم خمسة أدوار.. تتراقص طربا على أطراف أصابعها خيالاتها تحيطها تحميها من التعثر. وعند طاولة الريسبشن سألت موظفة الاستقبال بلهجة فرنسية رديئة عن الدبلوماسى يوسف الذى ينتظرها. أشارت لها الموظفة على مكانه والتفتت ببطء لكى تراه ابتسمت ابتسامة هادئة عندما رأته. وخطت ببطء ناحيته مدت يديها إليه وعرفته بنفسها. ابتسم الرجل ابتسامة كبيرة ظهرت خلالها أسنانه البيضاء لقد كان أسود البشرة كبير الملامح عمره يزيد على 55 عاما عرفت أنه قنصل الكاميرون فى تونس وأنه يتحدث العربية جيدا وقد علم بالمؤتمر وعرف أنها العربية الوحيدة وسط الضيوف فقرر أن يأتى إليها ليرحب بها فى دوالا كان مهذبا ودودا. تبادلا الحديث لما يقرب من ساعة.. بعقل مفقود منها يعيد تخيلات اللحظات السابقة ينتشى ويبتسم ويتخيل نهاية أخرى. شاردة صافحته.. قال عدينى أن نلتقى بالقاهرة أو تونس.. أومأت برأسها بإشارة لا تحمل معنى محددا.. وانصرفت. أمام المرآة تفك حزام الفستان تفاجأت بأن ابتسامتها لا تزال تبتلع المرآة فالفستان لايزال ورديا فاقع اللون والحذاء 9 سنتمتر وقدماها لاتؤلمها.