لا شك أن مؤسسة الرئاسة وقعت فى العديد من الأخطاء خلال الشهور العشرة الماضية، والواضح للعامة أن مستشارى الرئيس وجماعته هم من تسببوا فى هذه الأخطاء، وعلى وجه التحديد من استعان بهم الرئيس فى الملف القانونى، كالمستشار محمود مكى الذى عُين نائبا لرئيس الجمهورية، والذى استقال بعد الدستور بحجة أنه لا ينص على تعيين نائب للرئيس، والمستشار حسام الغريانى الذى لم يعد موجودا فى المشهد السياسى منذ الانتهاء من وضع الدستور المعروف ب «دستور الإخوان»، وكذلك الدكتور محمد محسوب وزير المجالس النيابية، وعضو الجمعية التأسيسية، والمستشار أحمد مكى وزير العدل، وأخيرا المستشار محمد فؤاد جاد الله الذى أشيع عنه أنه قريب جدا من الرئيس مرسى، ومن الواضح أيضاً أنهم جميعاً قامات قانونية، تولوا مناصب قضائية مهمة . المُلاحظ أن أغلبالأزمات التى وقعت فى الشهور العشرة الماضية منذ تولى الرئيس منصبه الرئاسى هى أزمات قانونية فى المقام الأول، فضلاً عن الحرب الضروس التى شارك فيها هؤلاء ضد المؤسسة القضائية التى ينتمون إليها، بدءاً من قرار عودة مجلس الشعب المنحل بحكم المحكمة الدستورية، مرورا بالإعلان الدستورى الصادر فى 21 أغسطس، والإعلان الصادر فى 21 نوفمبر 2102 ومعركة النائب العام السابق والحالى، والدستور وغيرها من قرارات مهمة وخطيرة أدت بنا إلى ما نشهده الآن من فوضى، وغياب لدولة القانون، ولذا كانت أخطاؤهم غير مبررة، ولا ينبغى تجاهلها، أو السكوت عنها، والغريب أنهم جميعا بعد أن تقدموا باستقالاتهم، أكدوا أن السبب الرئيسى الذى دفعهم إلى الاستقالة هو تهميشهم، وعدم الأخذ بآرائهم، وصدور قرارات على غير رغبتهم، أو عدم عرض هذه القرارات عليهم، وهنا تدور عدة أسئلة، لماذا استمر هؤلاء فى مناصبهم طوال الأشهر الماضية طالما أن هناك انتهاكاً لكرامتهم بالتهميش أو عدم الأخذ بآرائهم؟، ولماذا آثروا جميعاً الصمت وقت صدور هذه القرارات الخاطئة على حد تعبير هؤلاء المستشارين المستقلين أنفسهم بعد الاستقالة لا قبلها؟، والأهم من ذلك ما دور كل منهم فى هذه القرارات الخاطئة التى صدرت؟، وأخيرا إذا كان الدستور الجديد به العديد من المواد التى تحتاج إلى تعديل دستورى قبل أن يمر على الاستفتاء على هذا الدستور أكثر من شهرين، فماذا فعل هؤلاء المستشارون أثناء فترة إعداد الدستور وقبل الاستفتاء عليه؟، ولماذا لم يعترض أى منهم على المواد التى بها عوار دستورى إذا كان كل منهم قد قرأ الدستور جيداً وقام بتحليل مواده؟.
∎سفينة غارقة
يرى الدكتور فؤاد عبدالنبى أستاذ القانون الدستورى أن أغلب الأزمات التى وقعت فى الشهور العشرة الماضية منذ تولى الرئيس منصبه الرئاسى هى أزمات قانونية، بدءا من قرار عودةمجلس الشعب المنحل بحكم المحكمة الدستورية، حيث ضرب الرئيس بهذا الحكم عرض الحائط، وأصدر قرارا بعودة البرلمان مرة أخرى، بعد أن زين له هؤلاء المستشارون صحة هذا القرار، مؤكدا أن المستشار جاد الله ومن حول الرئيس من رجال القانون والقضاء كانوا سببا رئيسيا فى إصدار المادة (11 لسنة 2012) الصادرة يوم 9 يوليو، أى بعد تولى الرئيس منصبه الرئاسى بتسعة أيام فقط، ونصت هذه المادة على إلغاء حكم المحكمة الدستورية القاضى بحل مجلس الشعب، وقامت محكمة القضاء الإدارى بإلغاء هذا القرار، واعتبرته كأن لم يكن، لأن أحكام المحكمة الدستورية ملزمة، وغير قابلة للطعن عليها، وهو الأمر الذى سبب حرجاً لمؤسسة الرئاسة أمام الرأى العام، مرورا بالإعلان الدستورى الصادر فى 12 أغسطس 2012 والإعلان الصادر فى 12 نوفمبر 2012 وغيرها من قرارات، أوضح الدكتور عبدالنبى أن المستشار فؤاد جاد الله على وجه التحديدكان المسئول المباشر أمام الرئيس عن إعداد هذه الإعلانات الدستورية، التى خرجت على الشرعية القانونية والدستورية.
واستطرد الدكتور عبدالنبى أن مستشارى رئيس الجمهورية هم السبب الرئيسى فى خروج الرئيس على الشرعية القانونية والدستورية منذ توليه المنصب الرئاسى، موضحاً أن قرار العفو الرئاسى على بعض أعضاء التنظيم الجهادى الدولى، وبعض المتهمين فى جرائم سياسية وجنائية فى شهرى يوليو وأغسطس 2012 لم يكن نابعاً من الرئيس نفسه، ولكن المستشارين هم من زينوا له هذا القرار وأقنعوه بصحته، بحجة أنه الرئيس الذى يحق له أن يفعل ما يريد دون محاسبة أو مُساءلة، فأخرج العديد من المتهمين من السجون، وهم من شاركوا فيما بعد فى أحداث سيناء التى نعانى منها حتى الآن، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد ولكنهم تجاوزوا جميع الحدود والحواجز عندما شاركوا جميعاً فى إصدار الإعلان الدستورى المكمل الصادر فى 21نوفمبر 2012، حيث يعد هذا الإعلان الدستورى وصمة عار فى جبين الرئيس ومستشاريه، حيث خرج به على جميع اللوائح القانونية والدستورية، فهذا الإعلان نص على «إعادة المحاكمات مرة أخرى، وهو الأمر الذى يعد تشويها لصورة القضاء، كما نص على تحصين الإعلانات الدستورية التى أصدرها الرئيس، وكذلك تعيين النائب العام، أما المادة الخامسة من هذا الإعلان فكانت صارخة ومشينة حيث نصت على أنه لا يجوز لأى جهة قضائية حل مجلس الشورى، أو الجمعية التأسيسية، وبذلك يحصن الهيئتين، والمستشارون بذلك صنعوا منه إلهاً جديداً، كما شاركوا فى خروجه عن الشرعية، وساهموا أيضاً فى انهيار الدولة وتفككها وحدوث انقسام بين جميع طوائف الشعب، بل تصدير صورة مشوهة عن مصر فى نظر العالم أجمع بأنها دولة لا يُحترم فيها القانون.
وعن صمتهم طوال الفترة الماضية قال أستاذ القانون الدستورى: الصمت عن الانتهاكات التى حدثت لأنهم كانوا سبباً رئيسياً فى حدوثها، كما كان لديهم الأمل فى قدرة النظام الحالى على تثبيت أقدامه، وترسيخ قواعده، والحفاظ على بقائه واستمراريته، ولكنهم وجدوا أن النظام هش، وليست له أقدام ثابتة على أرض الواقع، كما اكتشفوا أن المجتمع بأكمله يلفظ النظام الحالى، ولذا أيقن هؤلاء المستشارون أن النظام لن يستمر طويلاً، فكان قرارهم بالفرار سريعاً، وترك السفينة الغارقة، دون حتى أن يلوموا أنفسهم على ما سببوه من خروج على الشرعية وانتهاك للقانون.
أن هؤلاء المستشارين يعلمون جيداً أن الدستور الذى أنتجته تأسيسية الغريانى مشوه،وغير دستورى، بل إنه يُعد جريمة ارتكبها الغريانى وجمعيته التأسيسية، وأصبغ عليها الدكتور مرسى صبغة شرعية، مؤكدا أن هذا الدستور به أكثر من (50 مادة) غير دستورية، وبها عوار دستورى، والقاعدة تقول إن «إبطال مادة فى الدستور تعنى بطلان الدستور بكامله»، وخير دليلعلى ذلك أنهم اعترفوا بأنفسهم فيما بعد بتعديل ما يزيد على 51 مادة من المواد التى بها عوار دستورى، وهو ما يعنى أن الدستور غير دستورى.
∎المستشارون مجرد ديكور
ويتفق معه فى الرأى الدكتور أنور رسلان أستاذ القانون الدستورى مؤكدا أن دور المستشار الرئيسى هو إبداء الرأى فى كل القضايا التى تتعلق بمجال تخصصه، مضيفاً أن هذا الرأى المُقدم من الاستشارى غير ملزم، وهذا شىء ثابت فى القانون، ولكن المنطق يقول إننا دولة تخوض مرحلة جديدة فى التحول الديمقراطى، وهو ما يعنى ضرورة الاستفادة بجميع الآراء، وأغلب الكوادر، ولكن إذا كانت النتيجة هى الضرب بآراء هؤلاء المستشارين عرض الحائط، فما هو السبب لبقائهم، خاصة أن وجودهم يعنى تحميل الدولة أعباء مادية هى فى غنى عنها فى الوقت الحالى، لما تعانيه من انهيار اقتصادى، وأكد الدكتور رسلان أن المشكلة الحقيقية تتمثل فى كون هؤلاء المستشارين تمتعيينهم لاستكمال الشكل فقط، دون أى دور حقيقى يذكر لأى منهم، وأوضح أن من فى السلطة خلال العشرة شهور الماضية لا يتخذون قراراً، وكذلك المستشارون لا يطرحون آراءً، ولا يقدمون وجهات نظر، ولا يبدون رأياً، وذلك لأن الحكم لدينا مضطرب، مؤكدا أن هناك أخطاء عديدة أوقعنا فيها المستشارون، مطالباً الجهات المسئولة أن تدرس كل ما حدث خلال الشهور الماضية وكل من يثبت خطؤه فى قضية ما يحاسب عليها.
وأضاف: أن أسرار الحكم لدينا مشكلة المشاكل حيث لا شفافية ولا مصداقية، كما ثبت بالتجربة أن أصحاب القرار لديهم الرغبة القوية فى الانفراد بقراراتهم، كما أن من بيده الحكم لا يحتاج إلى معارضين له حتى لو كانوا مستشارين من اختياره، قام جميعهم بالدور المرسوم لهم بدقة، ولكن عندما شعروا بالخطر القادم تركوا السفينة الغارقة دون أن يلوموا أنفسهم أو حتى يشعروا بتأنيب ضمير.
∎استقالة جادالله مختلفة
أماالدكتور طارق خضر أستاذ القانون العام بأكاديمية الشرطة فقد أبدى استغرابه عندما سمع نبأ إقالة المستشار فؤاد جادالله وقال: استغربت استغرابا شديدا عندما سمعت أنه تقدم باستقالته، وخطاب الاستقالة فيه سبعة أسباب.
وتساءل خضر: لماذا لم يتقدم باستقالته من قبل خاصة مع ما يحدث من انتهاكات ذكرها فى استقالته، وقال خضر ألم يعترف جاد الله نفسه اعترافاً كاملاً بأنه من قام بوضع المادة الثالثة فى الإعلان الدستورى الصادر فى 12 نوفمبر، المتعلقة بشروط تعيين النائب العام الجديد، وأن من حق رئيس الجمهورية أن يقوم باختيار النائب العام مباشرة، وهو ما ترتب عليه «إصدار قرار بتعيين المستشار طلعت عبدالله نائباً عاماً» فكونه اعترف بذلك فهذا يعنى مسئوليته مسئولية شخصية ومباشرة عما حدث، ولا يكفى إلغاء الإعلان فيما بعد لأن الآثار المترتبة عليه مازالت باقية.
وقال دكتور خضر إن المستشار جادالله يختلف أمره عمن سواه من رجال القانون الموجودين حول الرئيس، فأغلبهم كانت مواقعهم تنفيذية كالمستشارين أحمد ومحمود مكى، وإن كان هذا لا يعفيهم جميعاً من المسئولية، ولكن المستشار جادالله تم تعيينه مستشارا للرئيس لماذا لم يتقدم باستقالته عندما أصبح دوره مهمشاً، ألم يشعر بالتهميش منذ الشهور الأولى فلماذا لم يتقدم بالاستقالة طالما حدثت تدخلات خارجية من مكتب الإرشاد وجماعة الإخوان المسلمين
. وأضاف خضر: أن التأسيسية وضعت مشروع الدستور، وكان ينبغى أن يكون هناك حوار مجتمعى قبل طرحه للاستفتاء، وأن يقوم رجال القانون الدستورى بشرح مواد الدستور للشارع المصرى، ولكن نظراً لكون المدة بين الانتهاء من الدستور وطرحه للاستفتاء كانت غير كافية، وهذا كان أمرا متعمدا للانتهاء سريعا من عملية طبخ الدستور، ومع ذلك لم يرفض أى من مستشارى الرئيس ما حدث، والدليل على ذلك أنه كانت هناك ثلاث مسودات خرجت أثناء إعداد الدستور، وكان على كل مستشار أن يقوم بتوضيح رأيه فى المسودة التى صدرت، حتى يتم تعديله فى المسودة النهائية، ومع ذلك لم يتقدم أى من مستشارى الرئيس بأى ملاحظات على تلك المسودات، بل من الغريب أن بعض مستشارى الرئيس كانوا أعضاء بالتأسيسية، التى نص قانون العمل بها أن يكون أعضاؤها متفرغين عن العمل التنفيذى.
∎لا دور حقيقى للمستشارين
فى حين يرى الدكتور محمود كبيش عميد كلية الحقوق، أن العديد من مستشارى الرئيس الذين تقدموا باستقالاتهم كانت لديهم الرغبة فى تأدية عمل للمصلحة العامة، ولكنهم لم يجدوا أى دور حقيقى، وعدم الأخذ بآرائهم، أو ضُرب بها عرض الحائط، وكانت النتيجة النهائية هى عدم رضائهم عن العمل بمؤسسة الرئاسة فكانت الاستقالة.. وأضاف دكتور كبيش إن هذه الاستقالات تعد مؤشرا غير جيد، لأن هذا يعنى أن الأمور تسير من سيئا إلى أسوأ، وأن مؤسسة الرئاسة والرئيس ليس لديهما النية الخالصة لإقامة دولة القانون، أو الحفاظ على بقائها، ولذا كان من الطبيعى أن يرفض الجميع هذا الأداء.
وعن القرارات التى اتخذتها مؤسسة الرئاسة بمعاونة هؤلاء المستشارين قال الدكتور كبيش هذه القرارات يسأل عنها مصدر القرار، وهو رئيس الجمهورية، موضحا أنه لا أحد يعرف دور المستشارين فيها حقيقة، وإذا كانت ناتجة عن رأيهم أم لا، وعن تصريحات المستشارين عن أنهم المسئولون عن هذه القرارات قال «أشك فى أن يكون المستشارون هم أصحاب القرارات الخاطئة التى اتخذت، وقد تكون التصريحات الصادرة عنهم فرضتها عليهم طبيعة الموقف السياسى والمكان الموجود فيه، كما حدث مع المستشار أحمد مكى الذى يعد واحدا من شيوخ القضاة فى مصر، إلا أن عمله السياسى اضطره للتصريح ببعض التصريحات غير الموفقة.
وعن دور المستشارين فى صنع الدستور وخروجه للنور بهذا الشكل المشوه قال لا أعتقد أنهؤلاء المستشارين كان لهم أى دور فى صنع الدستور، ولكن الرئاسة وجماعة الإخوان المسلمين أرادوا له أن يظهر سريعا، رغبة منهم فى إحكام سيطرتهم على مفاصل الدولة، وفى النهاية أكد الدكتور كبيش أن انسحاب هؤلاء المستشارين يحسب لهم لأن «الرجوع إلى الحق خير من الاستمرار فى الخطأ»، مؤكدا أن المصيبة الأكبر فيمن لديه الرغبة حاليا فى الاستمرار فى مناصبهم لأنهم يدافعون عن الباطل دون أى اعتبار لدولة القانون.