دعوات لتطهير القضاء أطلقتها جماعة الإخوان المسلمين فى شكل تظاهرة يوم الجمعة الماضى أمام مقر دار القضاء العالى، أفضت إلى مشهد عبثى فى شكل اشتباكات بين مؤيدين يرون أن دعواتهم وراءها مطلب شعبى، وبين معارضين يرون أن هذه الدعوات مقدمة لمذبحة القضاء. توجهنا إلى من يهمهم الأمر، لنسألهم عن حقيقة أخونة القضاء، وازدواجية الإخوان فى التعامل مع القضاة، وتزامن مشروع قانون السلطة القضائية المقدم من حزب الوسط إلى مجلس الشورى مع تصريحات المرشد السابق لجماعة الإخوان بالإطاحة بأكثر من ثلاثة آلاف قاض، وتوقعاتهم بإمكانية تمرير هذا القانون وردود فعل القضاة فى حال إقراره. فى البداية استغرب رئيس محكمة الاستئناف المستشار أمير رمزى من ممارسات جماعة الإخوان المسلمين الذين يطالبون بتطهير القضاء رغم المساندة التى يلقونها من وزير العدل من ناحية، والنائب العام من ناحية أخرى.. وشدد رمزى على أن مسألة تطهير القضاء لا يمكن أن تتم بهذه الصورة العبثية التى وقعت أمام دار القضاء العالى بدعوات إخوانية، مؤكدا أن تطهير القضاء يتم بالفعل من داخل مؤسسة القضاء دون الحاجة إلى أى تدخل خارجى من أى جهة، بمعنى أنه فى حال حدوث أى معوقات أو مشكلات، فلدينا رجال التفتيش القضائى وتفتيش النيابات القادرين على التصدى لها والعمل على حلها..ورأى أن جماعة الإخوان المسلمين يرغبون فى إرهاب القضاة بعد الأحكام التى صدرت مؤخرا لصالح رموز النظام السابق، حتى بلغ الأمر إلى اتخاذهم قرارًا بالإجهاز على القضاء ورموزه لفشلهم فى السيطرة عليه تغيير قياداته .
وعن توقيت خروج التظاهرات الإخوانية التى تنادى بتطهير القضاء، اعتبر رئيس محكمة الاستئناف أن هذه التظاهرات تؤكد فشل جماعة الإخوان المسلمين فشلا ذريعا، وما يحدث فى الشارع المصرى أكبر دليل على ذلك، الإخوان يريدون معاقبة السلطة القضائية التى لم تتفق أحكامها الأخيرة مع هواهم الشخصى.. وعن ازدواجية الإخوان فى التعامل مع القضاء، أن الإخوان يسيرون فى الاتجاه الذى يخدم فكرهم ومصالحهم الشخصية وليس مصلحة الشعب، أى أن الإخوان اعتبروا القضاء الذى أشرف على الانتخابات الرئاسية نزيهاً بعد فوز الرئيس مرسى بمنصب رئيس الجمهورية، مؤكدين احترامهم لأحكام القضاء، وفى المقابل وقف الإخوان بالمرصاد لنفس القضاء عندما تعلق الأمر بحل الجمعية التأسيسية للدستور، ويفعلون الآن نفس الأمر بعد الحكم بإخلاء سبيل الرئيس السابق مبارك فى قضية قتل المتظاهرين أو محاكمة الفريق أحمد شفيق أو ما شابه ذلك، وبالتالى هم يدّعون احترامهم لأحكام القضاء، والحقيقة أنهم لا يحترمون أحدًا، سواء كان القضاء أو غيره.. وعن حقيقة أخونة القضاء، رأى رمزى أن الإخوان لديهم ألوان مختلفة من الضغط لتحقيق ذلك، سواء عن طريقالرئاسة أو جماعة الإخوان نفسها أو الرئاسة أو حزب الوسط أو الضغط الشعبى وغيرها من الوسائل التى تكشف الغرض الحقيقى منها، وعلى كل حال الإخوان سقطوا فعليا أمام الجميع والآن هم فى مرحلة حلاوة الروح.
∎تمرير قانون السلطة القضائية
وحول إمكانية تنفيذ مشروع الأخونة مع السعى لإقرار مشروع السلطة القضائية، قال: ''لا نستطيع أن ننكر أن هناك نحو ألف قاض ووكيل نيابة يتبعون جماعة الإخوان المسلمين، والواضح أن لديهم رغبة شديدة فى إقصاء الرئاسات المدنية المعتدلة فى القضاء للدفع بمجموعة قضاة من الإخوان لاعتلاء المناصب العليا فى القضاء- مثل رئيس مجلس القضاء الأعلى والنائب العام ورئيس محكمة استئناف القاهرة، بهدف السيطرة الكاملة على مفاصل السلطة القضائية، ولكنهم لن يستطيعوا الوصول إلى ذلك أبدا لأن القضاء والنيابة العامة قد تفهموا كيف تسير الأمور فى مصر.. وبيّن أن هناك نية مبيتة لدى الإخوان للإجهاز على القضاء، ويكفى تزامن تصريحات المرشد السابق لجماعة الإخوان مهدى عاكف بإقصاء ثلاثة آلاف وخمسمائة قاض، مع مشروع قانون السلطة القضائية الذى تقدم به حزب الوسط فى مجلس الشورى، وعلى كل حال كل هذه الأمور مكشوفة لدى الجميع.
وعن توقعاته بتمرير مشروع قانون السلطة القضائية فى مجلس الشورى، ورد فعل القضاء فى حال تمريره، خلص إلى القول بأن القضاة لن يسمحوا أبدا بتمرير هذا القانون، ولن يسمحوا بأن يشرع مجلس الشورى قوانين خطيرة تخص القضاة بهذه الصورة، إضافة إلى أن هذا المجلس باطل، ولم ينتخب لتشريع قوانين، وبالتالى كل القرارات والتشريعات التى ستصدر عنه باطلة، لذلك من المتوقع أن يتم إيقاف هذا المشروع- قانون السلطة القضائية- فى المحكمة الدستورية، كما أن القضاة لن يسمحوا بإقرار هذا القانون من مجلس الشورى أبدا.
∎ أخونة القضاء
من جانبه، رفض نائب رئيس محكمة النقض المستشار محمد عيد سالم مسألة إلقاء التهم بالباطل على كل القضاة بزعم تطهير القضاء، من يمتلك أى مستندات ضد أى قاض عليه التقدم بها إلى جهات التحقيق، لافتا إلى الانتباه إلى أن حجج الإخوان لتطهير القضاء واهية.. وردا على سؤال بأن هناك سعيًا إخوانيًا حثيثًا لأخونة القضاء، أفاد سالم بأن الكلام كثير فى هذا الأمر لكننى كقاض ليس لدىَّ دليل لكن الواضح أن الصورة تشير إلى هذا الاتجاه، مطالبا جماعة الإخوان المسلمين بتنحية مصالحهم العقائدية عن مصالح مصر وأن يتقوا الله فى شعبها. . وفيما يخص التطوير المطلوب لتفويت الفرصة على الداعين للتدخل فى شئون القضاء، اختتم نائب رئيس محكمة النقض حديثه بالمطالبة بضرورة النظر فى تطوير مبانى المحاكم على مستوى الجمهورية، والاهتمام بتدريب القضاة بشكل جيد فى مركز الدراسات القضائية، والعمل على تنفيذ مشروع قانون باسم الأكاديمية القضائية، داعيا إلى توحد جميع الفصائل السياسية وجميع فئات المجتمع لمواجهة خطر التقسيم الذى يجرى حولنا فى كثير من الدول المجاورة، لأنه لا يوجد قاض بلا وطن، ولا يوجد رئيس بلا وطن، وإذا ضاع الوطن، ضاع الجميع.
∎ التطهير المرفوض
من جهته، أكد المتحدث الرسمى باسم وزارة العدل المستشار أحمد رشدى سلام أنه لا يجوز التظاهر أمام أى محكمة، ولا يجوز لأى فصيل سياسى القيام بهذا الفعل غير المقبول، لما فيه من إخلال بسير العدالة ومساس بالسلطة القضائية، كما أنه من الخطأ أن تتظاهر جماعة الإخوان المسلمين أو غيرها من الفصائل الأخرى أمام المحاكم، لأنه لا يصح حدوث ذلك فى أى دولة فى العالم تحترم القضاء.
وحول السعى لأخونة القضاء، أوضح سلام أن الجهة المختصة بتعيين القضاة هى المجلس الأعلى للقضاء الذى يقوم على اختيار القضاة الأصلح والأكفأ دون أى تمييز ودون النظر فى الديانة أو الجنس، وبالتالى طالما أن آلية التعيين فى يد المجلس، فلا أعرف شيئًا اسمه أخونة أو أنقذة القضاء.
وعن حاجة القضاء إلى تطهير مثلما يزعم بعض التيارات السياسية، شدد المتحدث الرسمى على أن التلويح الدائم بفكرة تطهير القضاء، أمر مرفوض ولا يمكن قبوله، لكن يمكن قبول فكرة تطوير أداء القضاة وإصلاح عمل القضاء مثل أى جهاز فى العالم، وبشرط أن يتم ذلك من خلال القضاة أنفسهم وليس من خارجهم باعتبارهم الأكثر دراية بالأساليب الفنية لإصلاح مكانهم وتطوير عملهم، كما أن المؤسسات الدستورية عموما والقضاء خصوصا لا يمكن المطالبة بإصلاحه من خارجه.. وأكد سلام على موقف وزارة العدل الثابت والسابق إعلانه مراراً من أن تحديد سن التقاعد شأن من شئون القضاة، ولا يجوز بحال استخدامه لأغراض سياسية.
وبشأن احتمالات تمرير قانون السلطة القضائية، خلص إلى القول إن الدستور يوجب أخذ رأى مجلس القضاء الأعلى قبل إقرار هذا القانون طبقا للمادة (169)، وذلك لسببين الأول هو أن هناك مسائل فنية القضاة هم الأعلم بها وحدهم، والثانى هو أن أخذ الرأى يعد أحد معايير استقلال القضاة، أما فى حال عدم أخذ الرأى فهذا القانون يصبح غير دستورى.