كل يوم أتأكد أن النبوغ المصرى معين لا ينضب، ومهما ساءت الأحوال تظل طاقات الشباب المصرى كالجواهر المدفونة تنتظر الفرصة لتنفض ما عليها من غبار الظروف الصعبة لتعلن عن نفسها وتتألق، وخير شاهد على ذلك مجموعة من الشباب بكلية الحقوق بجامعة عين شمس شعبة اللغة الإنجليزية، حصلوا على المركز الأول على الشرق الأوسط فى المسابقة الدولية للمحكمة الصورية والتى عقدت باللغة الإنجليزية الشهر الماضى بمركز الجزيرة العالمى للتدريب والتطوير بدولة قطر، والغريب أن القضية التى يترافعون فيها والموضوعات المرتبطة بها كانت حول حرية الإعلام وحول حقوق الإنسان، وهو ما نحتاجه الآن لبناء البلد والقضاء على الصراع السياسى والاجتماعى الذى نعيشه وهنا يظهر التناقض ويظهر أيضا الأمل فى جيل جديد مثقف وواعٍ بحقوقه القانونية يستطيع إرساء دعائم دولة القانون. تألف فريق جامعة عين شمس من ستة طلاب هم: رامى حتاتة، أبانوب إدوارد لبيب، ممدوح أحمد، أحمد عنبر، ميريهان هشام، نيرة عبدالتواب، وأمينة أشرف . وذلك تحت إشراف وتدريب كل من الدكتور ياسين محمد الشاذلى، مدرس القانون التجارى، جامعة عين شمس والدكتور أحمد فتحى خليفة، مدرس القانون الجنائى جامعة عين شمس.
وبهذا النجاح تأهلوا للانتقال للمرحلة النهائية للمنافسة على مستوى العالم فى جامعة أكسفورد البريطانية فى أبريل القادم، وذلك كأول جامعة مصرية تحقق مثل هذا الإنجاز، كما حصلت الطالبة نيرة عبد التواب إبراهيم على جائزة أفضل مرافعة فى المباراة النهائية.
ومن المشرف أنه قد شارك فى تحكيم هذه المسابقة قُضاة وخبراء قانون دوليون، برئاسة اللورد فيلبس القاضى السابق بالمحكمة البريطانية العليا وتنافس العديد من الطلبة العرب مثل كلية القانون من قطر، جامعة عين شمس وجامعة المنصورة من مصر، جامعة بغداد من العراق، جامعة الإمارات والجامعة الأردنية وأقيمت هذه المسابقة بتنظيم وإشراف من جامعة أوكسفورد البريطانية، جامعة بنسلفانيا الأمريكية بالتعاون مع جامعة قطر.
∎ الإعلام وحرية الرأى وحقوق الإنسان
رامى حتاتة من هؤلاء الشباب المتفوق يحكى عن تجربته قائلا: الرائع فى هذه المسابقة أنها محاكمة صورية تمثيلية تحاكى الواقع وتدور حول قضية واحدة تتناول موضوعات تخص قانون الإعلام وحرية الرأى والتعبير وحقوق الإنسان والرقابة الحكومية وحماية الخصوصية، وعندما سافرت كان لدى شعوران متناقضان، أولهما الحسرة على البلد وحالها وانهيار دولة القانون، الآن بعد أن رأيت كيف أن الناس تنظر لنا كمصريين أننا نحن من علمهم القانون فأساتذة القانون المصريون فى كل الجامعات العربية فى قطر والأردن والإمارات والعراق فى كل جامعة عربية، ومن أسس جامعة قطر هو دكتور مصرى. وهنا سألته عن رأيه كشاب دارس للقانون ويمثلنا وسط دول أخرى فى انهيار دولة القانون حاليا فى مصر وتناقض ما يترافع عنه من حرية إعلام مع ما هو حادث بالفعل فأجاب: بعين قانونية نحن نرى انهيار دولة القانون ومؤسسات الدولة وهو ما يفزعنا جميعا وما درسناه وقرأنا عنه خلال الفترة الماضية عن حرية إعلام وحقوق الإنسان نحن بعيدون بالفعل عنه، ولكن الأمل أن الناس الآن أصبحت تعرف حقوقها وكأنها بالفطرة وتكنولوجيا العصر ساعدت على ذلك كثيرا وهو ما يجعلنا كشباب متفائلين وقادرين على الكفاح، أما الإحساس الثانى -فيضيف رامى- كان التفاؤل الكبير يملؤنا خاصة بعد أن مررنا بأربع جولات تمهيدية وكنا متقدمين 9٪، مما أعطانا ثقة كبيرة جدا، أما عن الصعوبات التى واجهتهم فيقول رامى: صعوبات معنوية فقد استمررنا ثلاثة شهور نذاكر بمخزن للكتب فى الجامعة على الأرض والتراب دون أى إمكانيات فقد اعتمدنا على جهودنا وتعب معنا دكتور ياسين الشاذلى والدكتور أحمد خليفة فكانا يقدمان لنا المساعدة فى البحث وإحضار المراجع وإجراء ورش عمل وتفرغا لنا وللأسف تم خصم جزئى من راتبيهما الأسبوع الذى سافروا معنا فيه لقطر للمسابقة وقد سافرا على حسابهما الشخصى كما فعلنا نحن، وقد قاموا خلال فترة إعدادنا للمسابقة بتمريننا على المرافعات الحية، لأنه للأسف الدراسة والمناهج فى كلية الحقوق نظرية وهو ما لم يعد معمولا به فى أى جامعة حتى عربية، ففى جامعة قطر بكلية القانون مادة تسمى «المحاكمة الصورية» يتدرب فيها الطالب على المحاكمات والمرافعات على مدار الأربع سنوات وليست دراسة نظرية كما هو الحال فى مصر للأسف، وقام مدربون أمريكان بتمرينهم على المرافعات ولكنا سخرنا روح التحدى والإرادة وبتشجيع أساتذتنا كان ذلك حافزا لنثبت أنفسنا وهذا حال المصريين دائما متفوقين فقد حصلنا على نقاط لأحسن مذكرة قانونية مكتوبة والخطوة القادمة هى السفر 8 أبريل للمسابقة على مستوى العالم فى مواجهة 73 جامعة وأتمنى المساندة المعنوية والمادية من جامعتنا وسنبذل أقصى ما لدينا لنرفع اسم مصر.
∎ الأولى فى المرافعة
أما نيرة عبد التواب فهى بنت مصرية كانت ضمن الفريق المصرى لجامعة عين شمس وحصلت أيضا على المركز الأول فى المرافعة سألتها عن شعورها وعن تجربتها فقالت: كنا مسافرين نجرب حظنا ولكننا تدربنا جيدا على يدى الدكتور ياسين والدكتور أحمد والدكتورة دعاء أبوطالب التى عرفتنا بالمسابقة فى الأساس، ولم تكن توقعاتنا عالية ولكن رأينا أوراقنا التى قدمناها وأوراق الفرق الأخرى اكتشفنا أننا كاتبين أحسن مذكرة وأخذت أحسن مترافعة فى قضية حق الصحفى وتعارضها مع حرية الآخرين وحق الإنسان فى الخصوصية والجميل، إننا ترافعنا فى قضايا تمسنا جدا هذه الأيام كمصريين وعرب فقد تعرضنا لقضية قطع الاتصالات وبالمناسبة اكتشفنا أننا فى مصر وسوريا فقط من تعرضنا لذلك وترافعنا أمام الفريق القطرى كنت خائفة من النتيجة هذه المرة ولم نخبر أحدا ليشاهدنا على قناة الجزيرة أثناء المسابقة من شدة قلقنا، ولكن الحمد لله فزنا وحصلت على مركز أحسن مترافعة، وعن خططها للمستقبل تقول نيرة: كنت دائما أفكر أن شغلة المحاماة فى مصر مرادف للمرمطة والذل وبعد أن عشت قضايا التحكيم الدولى سأعمل فى هذا الشق ، كما أن هذه التجربة بددت عندى الإحباط الذى كان يتملكنى بعد رؤيتنا للصراع السياسى الآن لكن اكتشفت الآن أن الأمل فينا كأجيال جديدة فاهمة حقوقها لن يسهل خداعها بسكر أو زيت ودورنا الوصول للبسطاء وتوعيتهم.
∎ الشباب يحتاج تشجيعا
أبانوب إدوارد أيضا ضمن الفريق الفائز ويتحدث فيقول: لم نكن نروح بيوتنا قبل الثانيةئعشرة ليلا وأحيانا الخامسة صباحا واكتشفت أننا لم نكن على ثقافة كافية حول حقوق الإنسان وقضايا الإعلام وحقوق النشر وما يحدث فى الخارج فعليا، وفى رأيى فإن الخروج من الأزمات التى نعيشها فى البلد يحتاج للشباب، فالسلطة وجبهة الإنقاذ الوطنى وكل الأماكن يغيب عنها الشباب ويتعمد غياب الحوار معهم وهذه أكبر مشكلة والتشجيع الذى وجدناه من الأساتذة الذين تعبوا معنا هو ما دفعنا لتحقيق الفوز، فعندما سافرنا وجدنا فى قطر سائق تاكسى حاصلا على ليسانس الحقوق بدرجة جيد جدا وما فرقنا عنه أننا وجدنا من وقف بجانبنا وشجعنا كدكتور ياسين الشاذلى ودكتور أحمد خليفة.
∎ المايسترو
لاشك أن هذه السيمفونية من التناغم بين الفريق لها مايسترو يتمثل فى الأستاذين اللذين لم يبخلا بمجهودهما أو مالهما لتشجيع الشباب وتحفيزه وتدريبه الدكتور أحمد خليفة والدكتور ياسين الشاذلى تكلمنا مع الدكتور ياسين لنفهم سبب تحمسه للشباب فأجاب: أولا دورى كأستاذ تدعيم العلاقة بينى وبين الطالب، وثانيا حاولت تعويض طلبتى عن غياب الجانب العملى فى دراستهم بإجراء ورش العمل فأحضرنا لهم المراجع وهناك كتب كنت أحضرها من العتبة، ثالثا كان لديهم من الحماس والإرادة فى التعلم الذاتى ما أهلهم للنجاح فى المسابقة والوصول للمركز الأول لأن المسابقة اعتمدت على المهارات فى الكتابة للمرافعات وما تعلمته فى الخارج فى فرنسا رجعت لأرده لأولادى فى الجامعة، وعن رؤيته للوضع فى مصر وأمله فى هذا الجيل يقول: نحن فى مصر نحتاج لثورة تشريعية لتلقيح القوانين ليجد الجيل الصغير الفرصة للتغيير والشباب يملكون الخيال. وهو ما يفتقده جيلى والأجيال الأكبر وهو ما نحتاجه، فالثورة كانت خيالا وحققوه والمسابقة أيضا خيال وحققوه ووضعوا أنفسهم فى التحدى فإذا أعطيناهم الفرصة سيحققون الإنجازات.