الطب الشرعى هو ركن أساسى من أركان العدالة، فمن خلاله يتم حل ألغاز القضايا وإصدار الأحكام، وهو المحطة الأخيرة التى يتشبث بها المتوفى قتيلاً كان أم شهيداً لينال الجانى جزاءه، وبما أن ظروف العمل داخل مصلحة الطب الشرعى غاية فى الصعوبة سواء بسبب ضعف الإمكانيات أو التبعية المباشرة لوزارة العدل مما ينتقص قدراً كبيراً من حيادية التقارير ونزاهتها فقد أصبح الضمير وحده هو الضمانة الحقيقية فى العمل داخل المصلحة. لم يقتصر الغضب من الطب الشرعى على الرأى العام فقط، فقد هدد الأطباء الشرعيون بمصلحة الطب الشرعى بمشرحة زينهم بالإضراب الجماعى ووقف العمل بالمصلحة، وذلك لعدم تحقيق مطالبهم والتى أبرزها إنشاء مجلس أعلى للطب الشرعى يضم كبير الأطباء الشرعيين وكل مساعديه، واستقلال المصلحة عن وزارة العدل، ويبدو أن كل هذا الضغط كان كفيلا بأن تصدر وزارة العدل قرارها بإنهاء ندب الدكتور إحسان كميل جورجى، رئيس مصلحة الطب الشرعى وكبير الأطباء الشرعيين، وندب الدكتورة ماجدة هلال القرضاوى بدلا منه كرئيس لمصلحة الطب الشرعى وكبير الأطباء الشرعيين.
∎خطوة على طريق التطهير
«ياإحسان ياإحسان ضيع حقى كمان وكمان» «زور زور فى التقرير بكره نشيلك بكره تطير»، دوت هذه الهتافات القوية فى أرجاء مصلحة الطب الشرعى يوم الثلاثاء الماضى، حيث نظمت حملة «وطن بلا تعذيب» وقفة احتجاجية هناك، للتنديد بما وصفوه ب «تدليس الطب الشرعى للتقارير الطبية لضحايا التعذيب داخل السجون»، بدءًا من «عصام عطا» مروراً ب «الحسينى أبو ضيف» و«محمد الجندى» وصولاً إلى محمد الشافعى، ومن الجميل أن تأتى تلك الجهود بثمارها، بإنهاء انتداب د. إحسان كميل جورجى فى اليوم التالى للوقفة مباشرة، وعن ذلك تقول هند نافع عضو مؤسس بحملة وطن بلا تعذيب، سعادتنا لا توصف ونحن نرى أهداف الحملة تتحقق أمام أعيننا، فلقد نظمنا الوقفة لنطالب بإعادة هيكلة واستقلال المصلحة، بجعلها غير تابعة لوزارة العدل، وإقالة «إحسان كميل جورجى» ومحاكمته، وسرعة إصدار كل تقارير الطب الشرعى، المتعمد إخفاؤها فى المصلحة، وتشكيل لجنة مستقلة للتفتيش على مشرحة زينهم بشكل دورى، حيث تكررت حوادث إخفاء أدلة تعذيب الشهداء، وتزوير تقارير الوفاة الخاصة بهم، وها هو قد تحقق هدف آخر من أهدافنا، بإن جاء تقريراللجنة الثلاثية المشكلة من كبار أطباء مصلحة الطب الشرعى بقرار من نيابة قصر النيل، لفحص التقرير النهائى الصادر من مصلحة الطب الشرعى الخاص بالشهيد محمد الجندى بأن وفاته ليست ناتجة عن حادث تصادم سيارة بعكس ما خرج به التقرير الأول للمصلحة، وأن وفاته جاءت نتيجة التعذيب عكس ماكان يؤكد د. إحسان فى جميع تصريحاته، وباستقالة إحسان وظهور التقرير المنصف للجندى نكون قد حققنا مطلبين من مطالبنا، وأخذنا خطوات جادة لتطهير المصلحة، وبسؤالها عن ما إذا كانت متفائلة بانتداب د. ماجدة القرضاوى خاصة وهى أحد الأصوات المطالبة باستقلال المصلحة عن وزارة العدل وهو المطلب الذى تتبناه الحملة وتسعى إلى تحقيقه، تقول: لن نحكم على أحد من مواقفه السابقة بل من خلال عمله، فلو سارت على نهج إحسان كميل ومن قبله السباعى فى التزوير والتشهير بالشهداء عبر الصحف والفضائيات سوف نتصدى لها أما إذا سارت على طريق الحق فسوف ندعمها ونقف بجوارها.
∎مستعد أن أحاسب
كنا قد توجهنا لدكتور إحسان كميل جورجى رئيس مصلحة الطب الشرعى قبيل ساعات من إعلان إنهاء انتدابه، ورغم حالة الغضب التى أصابته هما أسماه حالة العدائية من وزارة العدل تجاهه، بعد رفضها طلبه بالحصول على أجازة للعلاج خارج مصر، ورفضها علاجه على نفقة الدولة، إلا أنه أجاب عن جميع التساؤلات المثارة، حيث يقول من أتى بى إلى منصب رئيس مصلحة الطب الشرعى هو ثورة 52 يناير، فقد تعرضت لظلم فى العصر السابق، وتخطونى فى الترقية وجاءت الثورة لتصحح ذلك الوضع الخاطئ، ولامانع عندى من أن أحاسب إذا ثبت أننى ارتكبت خطأ ما، فأنا أحاول بشتى الطرق تدارك الأخطاء، فمثلا فى قضية محمد الشافعى كان موضوع فى غرفة تسمى «ثلاجة المجاهيل»، وحينما علمت أن أهله قد سألوا عنه بداخل المشرحة أكثر من مرة قبل إيجاده طلبت من والدته أن تشير لى على الموظف الذى تعنت معها ورفض أن يدلها لمجازاته، كما عقدت اجتماعاً مع قيادات المصلحة واتفقنا على وضع أرقام كودية على الجثث المجهولة، وتصويرهم، ووضع تلك الصور على الكمبيوتر ليسهل على الأهالى إيجاد ذويهم كبديل للبحث بين الجثث، أما بخصوص من يتحدثون عن تأخر تقارير بعض الحالات فأقول لهم إن التأخير يكون بسبب وجود عناصر فنية غير مكتملة، مشيراً إلى أن دقة الإنجاز هى أهم عنده من السرعة فى الأداء، وبسؤاله عن قضية عصام عطا يقول: مشكلة محمد عطا أخو عصام أنه يظن أن بينى وبينه خصومة شخصية، على الرغم من أن أننى أمد يدى له ويسعدنى إعادة فحص القضية فليس من مصلحتى أبدا أن أتحمل ذنب دم أريق، أما بخصوص قضية محمد الجندى فهى القضية الأبرز من بين تلك القضايا فأنا لم أجزم فى تقريرى بأن وفاته جاءت نتيجة حادث سيارة، ويبدو أن سر هجوم والدته على يرجع إلى أنها لم تقرأ التقرير جيداً، فمحمد مصاب بعشرة إصابات اثنتان منها من الممكن أن تنتج عن حادث سيارة، بينما الثمانية الباقية لا أستطيع أن أجزم كيف حدثوا، مع العلم أنه من الممكن أن يكون ضربه بالسيارة أمر مقصود، وقد ذكرت ذلك فى التقرير حيث أشرت إلى أن حوادث السيارات إما أن تكون عرضية أو عمدية.
وفى النهاية لابد أن نشير إلى أن د. ماجدة هلال القرضاوى والتى جاءت كرئيسة لمصلحة الطب الشرعى بديلاً عن د. إحسان كانت عضوا فى اللجنة الثلاثية التى أثبتت تعرض الجندى للتعذيب، وأحد الأطباء الذين طالما طالبوا باستقلال المصلحة عن وزارة العدل، فهل يتم تطهير المصلحة على يديها ويأخذ كل ذى حق حقه؟ هذا ماستكشفه الأيام.