«عن يهود مصر» هذا هو عنوان أحدث أعمال المخرج أمير رمسيس الذى عاد به الزمن إلى الوراء ما يقرب من السبعين عاما عندما كانت مصر تنعم بالوحدة الوطنية الحقيقية لا الشكلية، بين المسلم والمسيحى واليهودى، عندما كانوا جميعا يعيشون على أرض هذا الوطن لا فرق بينهم فهم جميعا مصريون، أيضا عندما كانت السينما مرآة عاكسة لواقع لا لخيال مؤلف أراد فرضه رغما عن الواقع إلا أن حلمه لم يتحقق.
∎ عن يهود مصر
عن يهود مصر للمخرج أمير رمسيس ومن إنتاج هيثم الخميسى اللذين اجتهدا معا على مدار ثلاثة أعوام مضت حتى جاء اليوم الذى استطاع نتاج مجهودهما أن يرى النور فى محاولة صادقة منهما فى تصحيح معلومة أو ربما فكرا أو ربما ادعاء، من أبرز الرسائل التى تضمنها الفيلم هى ذكريات اليهود المصريين عن مصر فى فترة الأربعينيات والخمسينيات قبل رحيلهم عنها وعلاقتهم بهويتهم المصرية الآن. كما تعرض الفيلم لقضية مهمة جدا ألا وهى تقديم شهادات اثنتى عشرة شخصية من اليهود المصريين ممن دُفعت أسرهم أو أجبرت مباشرة على مغادرة مصر فى النصف الثانى من الخمسينيات ويعيش معظمهم حاليا فى فرنسا وحصلوا على جنسيتها وبالحديث مع مخرج العمل أمير رمسيس قال: «تجربتى مع هذا الفيلم تجربة خاصة جدا من نوعها نابعة من اعتقاد خاص بى ورؤية فنية وشخصية اجتهدت كثيرا حتى تصل واضحة من خلال «عن يهود مصر» ومن خلال هذه التجربة كنت أسعى من أجل تفادى الخلط أو للبس الذى نشأ وسيطر وبقوة على عقول الجميع بين ثلاثة مصطلحات ألا وهى يهودى. صهيونى. إسرائيلى، وعلى الرغم من اختلاف المصطلحات الثلاثة إلا أنها ظلت بالنسبة لأغلبية المصريين كالمصطلح الواحد، فشتان الأمر بين الثلاثة مصطلحات وهنا جاء دور دولة بأكملها كانت تهدف دائما إلى الوصول إلى هذا التحول بأن يصبح هذا العنصر البشرى ما هو إلا عدو لابد من هزيمته كل هذا بمساندة ودعم الإعلام المصرى الذى ساهم وبقوة فى رسم تلك الصورة عن يهود مصر.
∎ رحلوا رغما عنهم
هذا كان أحد محاور الفيلم الوثائقى عن يهود مصر الذي دفع أمير إلى الدخول إلى حياتهم والتعرف على شخصهم مما اضطره للسفر إلى فرنسا لمقابلة البعض منهم، وهنا صادف أمير بعض الحقائق التى قال عنها: «لم أفاجأ كثيرا بتلك الحقائق التى توصلت إليها عبر رحلتى مع يهود مصر ولكن من أجمل اللحظات عندما كنت أجالس أحدهما ليتحدث إلى بحنين طاغ عن مصر الحبيبة وطنى ووطنه ووطن الجميع فبعد عقود من خروجهم من مصر مازالوا يشعرون بالشوق نحو وطنهم مصر، لازلوا يتحدثون بحنين وحب عن الرئيس جمال عبدالناصر، فعلى الرغم من موقفه تجاههم إلا أنهم مازالوا يتذكرونه ويتذكرون أجمل الذكريات فى عهده، وهنا أدركت أن ما قام به النظام وقتها ما هو إلا خطوة ستظل شاهدة على ظلم هؤلاء البشر».
∎ بشر بلا تصنيف
هذا ويقول المخرج عمرو سمير عاطف: «معظم أعمالنا السينمائية بها نمطية خاصة فى تقديم شخصية مثل شخصية اليهودى عدا أعمال قليلة جدا مثل «الصعود إلى الهاوية».. «وإعدام ميت».. هذا من وجهة نظرى وأيضا أعمال النجمة نادية الجندى التى تعتمد على الفكرة الجيدة إلا أن التعبير يخونها فى كل مرة أثناء التعرض لتلك الشخصية فنجدها شخصية شريرة، غبية، عدو لابد من الانتصار عليه ولكن لعل السبب فى ذلك بديهى للجميع وهو اعتبار الجميع لهذه الفئة عدوة، فإلى الآن وبعد وصول أمريكا إلى قمة التألق السينمائى هل صادفنا فيها عملا سينمائيا محايدا عن الهنود الحمر، عن النازى الألمانى، وبالتالى وكما هو الحال بالنسبة لنا تجاه أمريكا فعملية الخلط بين إسرائيل واليهود جعلت منهم جميعا أعداء ليس إلا خاصة بعد حربى 8491 و6591 وتغير صورة اليهود ومحاولة الإعلام التى مازالت إلى الآن تقوم على مبدأ التعميم ولأن الفن جزء لا يتجزأ من المجتمع فقد انتقلت هذه الرؤية ببساطة إلى فكر وإبداع جميع صانعى السينما فى مصر ليصبح اليوم هذا هو رصيد السينما فى مثل هذه النوعية من الأعمال ينقصنا عمل اجتماعى لأحد المصريين الذى اضطر للسفر إلى إسرائيل للعمل بعيدا عن جو المخابرات والتجسس.
من جهة أخرى يرى مخرج «عن يهود مصر» «أمير رمسيس» أن لديه أيضا وجهة نظر ربما طغت بعض الشىء على تناوله لشخصية اليهود من خلال فيلمه: «تحت شعار بشر بلا تصنيف» شرعت فى تنفيذ فيلمى فأقل من نصف مجموع اليهود الذين أجبروا على الرحيل من مصر لم يقصدوا إسرائيل كموطن آخر لهم، وهذا يعنى أننا لابد أن نتوخى الحذر أثناء التعامل مع الآخر. فقبل عام 1956 لم يكن هناك فارق بين مسلم ومسيحى ويهودى وبالتالى لم يكن هناك ذلك السؤال الذى أدهشنا كثيرا والذى تم طرحه فى الكثير من أعمالنا الفنية: ماذا يمثل هذا العنصر البشرى بالنسبة لنا، هل هو عدو، من الأعمال ما اتخذ موقفا محايدا ودعا إلى الوحدة الوطنية دون أن يمنح لنفسه وللمشاهدين الفرصة بإلقاء الضوء على حقيقة هذا العنصر البشرى، ووسط هذا التخبط قد تصادف أعمالاً مثل إسكندرية ليه ليوسف شاهين، فى السينما وفى الدراما تجد زيزينيا الذى تطرق لليهود فى زمن الأربعينيات أيضا، ولكن بشكل عام دائما ما كان يراودنى الشعور تجاه جميع الأعمال التى تناولت بشكل أو بآخر اليهود فى مصر بأن هناك نمطية تسود أغلبيتها فقد كنا ولانزال نميل من خلال أعمالنا إلى السخرية من هذه الطائفة اليهودية، فدائما ما كان يخرج علينا ذلك اليهودى البخيل أو الغبى أو الاثنان معا، فدائما ما كانت السلبية تسيطر على مضمون تلك الشخصية وهذا للأسف لتمركز فكرة واحدة داخل عقولنا أن كل يهودى هو إسرائيلى والعكس وانتقال هذا الفكر إلى الفن أسفر عن عدد كبير من الأعمال السينمائية التى من وجهة نظرى لم تحمل من الواقع شيئا ولم تسمح لنفسها بالتعمق فى حياة هذه الفئة والبحث عن الأفضل لديها وأقصد هنا اليهودية لا الإسرائيلية فهناك أعمال نجحت فى عرض واقع هذه الفئة مثل فيلم «لا أحد ينام فى الإسكندرية» وغيرها من الأعمال وقد حرصت من خلال فيلمى «عن يهود مصر» على نقل حالة واقعية لحياة هذا المجتمع بعيدا عن النمطية السائدة فى كل الأعمال».
∎ نحوالسطح
ولكن مع عرض فيلم عن يهود مصر وبعد تصريحات العريان الأخيرة يرى بعض مبدعينا أنه ربما تعود هذه القضية إلى السطح من جديد مما قد يتسبب فى إفراز روح إيجابية قد تهيمن على إبداعات السينما المصرية خلال الفترة القادمة، وهنا يشير المخرج أحمد عبدالله الى نقطة مهمة جداً: «سعيت من خلال فيلمى «هليوبوليس» إلى نقل صورة مصر قديما وكيف كان المصريون فى وقت من الأوقات يعيشون مسلما ومسيحيا ويهوديا جنبا إلى جنب فى محاولة منى لإعادة تلك الروح التى ربما من شأنها إيقاظ ذكريات ماض كانت الحياة من خلاله أكثر بساطة فدائما ما يتم الربط بين اليهودى والإسرائيلى وإن كنت أرى فى ذلك ظلما شديدا لهذه الفئة أو هذا المجتمع الصغير، فكما هو الحال بالنسبة للمسيحيين هناك العديد من الطوائف، هناك أيضا العديد من الطوائف المختلفة بالنسبة لليهود ولا يجوز التعميم ولا يجوز أن نلحق كل يهودى بسياسة إسرائيل المرفوضة من العالم أجمع، فكما هو الحال بالنسبة للربط الدائم الذى اختلقه الجميع بأن الأقباط فى مصر لديهم انتماء إلى أمريكا وهذا الأمر غير صحيح، أيضا دائما ما يكون الحال بالنسبة لليهود فى مختلف بلدان العالم بانتسابهم بشكل قطعى إلى دولة إسرائيل والنظر إليهم كأعداء لنا فقد أتاح لى فيلمى معاشرة البعض من اليهود المصريين وتقابلت معهم بمصر وبالخارج وكل ما أستطيع إيضاحه من خلال حديثى أن ما مروا به سياسيا ما هو إلا تضليل للحقيقة وسوف نظل دائما لدينا الأمل أن نحيا من جديد الماضى فى المستقبل حيث مسلم ومسيحى ويهودى لا إسرائيلى فى سلام دائما، خاصة بعد إعادة طرح تلك القضية على الساحة والتى من وجهة نظرى ستكون بمثابة الفيضان أو البركان لمجموعة مهمة من الأعمال فى محاولة لتصحيح خطأ وايقاظ عقول كانت غافلة عن حقيقة تم تجاهلها عن قصد خلال الأعوام الماضية».
∎ من الآخر
وأخيرا يقول أمير: «كل ما أتمناه أن يحوز فيلمى رضا الجميع وتصل رسالتى إلى كل من يشاهد الفيلم فإلى الآن الآراء إيجابية ولكن الصعوبة الأكبر عندما يعرض «عن يهود مصر» على الجمهور العادى البسيط وهنا التحدى الذى إذا تجاوزته شعرت بنجاحى وزادت ثقتى بنفسى وبعملى، الذى أتمنى أن يكون البداية لسيل من الأعمال التى تتناول جميع بنى آدم من الداخل وليس من الخارج كما فعلنا بأنفسنا على مدار عقود مضت».