مازال الإخوان يمارسون هوايتهم المفضلة في خلط الحق بالباطل.. وأخيراً خرج علينا عصام العريان، نائب رئيس حزب الحرية والعدالة، في حديثه لقناة «دريم» مطالباً بعودة اليهود من إسرائيل، وهاجم الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، قائلاً: «إن ما فعله بطرد اليهود من مصر ساهم في احتلال أراضي الغير».. وإذا انزلقنا معه إلي تلك الأكذوبة فهم المتورطون ليس في حرق ممتلكات اليهود ولكن في حرق مصر قبل ثورة 52 وكثيراً من الأعمال الفنية وآخرها مسلسل «الجماعة» أشارت إلي أن حريق القاهرة عمل إخواني تورط فيه الإخوان المسلمين، وخصوصاً أن جماعة الإخوان تورطت وقتها في اغتيالات سياسية ومنها اغتيال القاضي أحمد الخازندار والنقراشي. الغريب أن اليهود الذين يدافع عنهم لعبوا أدواراً قذرة ضد مصر، وسأقترب مما فعلوه في عالم الفن والسينما، وهذا ما طرحه الناقد الفني أحمد بهجت، فمن المعروف أن الانتشار اليهودي في السينما واحتضان دور العرض التي كان يمتلكها يهود مثل جوزي فيلم وإيلي لطفي وألكسندر، انحازت للأفلام المصرية التي ينتجها يهود مثل توجو مزراحي وإبراهيم وبدر لاما، في حين أنهم كانوا يضعون شروطاً قاسية للأفلام التي ينتجها مصريون غير يهود. ورغم صدور قرار حكومي رقم 138 لسنة 1947 يلزم الشركات بأن يكون 75٪ منها من حاملي الجنسية المصرية، إلا أن أغلب شركات الإنتاج السينمائي اليهودية كان جميع من يعملون فيها من اليهود حاملي الجنسيات الأجنبية، أما المصريون - حسب تأكيد أحمد بهجت - فكانوا يعملون في وظائف الخدم والسعاة.. ويتهم «بهجت» الأخوين إبراهيم وبدر لاما، والمخرج توجو مزراحي بالصهيونية، مستنداً إلي تأويل وتفسير الأفلام التي قدموها. الناقد السينمائي أحمد رأفت بهجت، يؤكد أن الأخوين لاما كان لهما مخطط في أفلامهما الأولي ومنها «قبلة الصحراء» المأخوذ عن الفيلم الأمريكي «ابن الشيخ» لرودلف فالنتينو، وهو الفيلم الذي قوبل بهجوم شديد بسبب استهتاره بعادات المصريين وتقاليدهم وتصوير الشاب المصري في صورة قبيحة، ويعود «بهجت» إلي فيلمهما «الهارب» بطولة فاطمة رشدي عام 1963 الذي يدور حول فتاة فلسطينية ترتبط بفدائي مناهض للاحتلال البريطاني، كما قدما في عامي 1941 و1943 فيلمين هما «صلاح الدين الأيوبي» و«كليوباترا» وكلها رغم تباعد المدي الزمني الذي تدور فيه الأحداث تلتقي في هدف واحد هو التحذير من «المؤامرات والدسائس» المصرية والعربية في فترة الحرب.. وقد وصفه أحمد بهجت، توجو مزراحي بأنه المبعوث اليهودي الثاني للسينما المصرية رغم أنه ولد في الإسكندرية عام 1901 وينتمي إلي أسرة يهودية إيطالية الأصل كانت مصالحها الاقتصادية والاجتماعية وكل حياتها في مصر، فقد استطاعت أسرة «مزراحي» توجيه الاقتصاد المصري في النصف الأول من القرن العشرين، والدليل الذي يستند إليه في اتهام «توجو» هو أنه تعلم في مدارس «الليسيه» الفرنسية ذات التوجه الصهيوني.. وربط بين ما كانت تطرحه الصهيونية في السينما الأمريكية والأوروبية عن خروج اليهود من مصر والبطش بهم أثناء حكم الفراعنة وبين معظم الأفلام المصرية التي قدمها اليهود، ومنهم «توجو مزراحي».. فالفيلم الأمريكي والأوروبي يتوجه إلي كل يهود العالم، بينما الثاني يوصل الإحساس بالغربة والخوف من المجتمع المصري الذي مازالت تظلله إشارات فرعونية، غالباً ما تكون خلفية لصراعات دموية بين القبائل العربية، ويبدو توجه «توجو مزراحي» الصهيوني في أفلامه مثل «الكوكايين» عام 1930، و«البحار» 1935 فهي تتناول صراعات بين مسلمين مصريين مغلفة بصدي اجتماعي عن الفقر والخيانة وتسلط الشهوة والطبقات، مستهدفاً توضيح أن الغرائز هي التي تتحكم بعلاقة المصريين بعضهم بعضا، فما بالك بعلاقتهم بالآخر. وينتقل أحمد بهجت لمناقشة الأفلام الكوميدية التي أخرجها مزراحي التي قام به الممثل اليهودي «شالوم» وحملت اسمه كانت مليئة بالتفاصيل الاجتماعية والسياسية ذات الطابع الدعائي وهدفها الخفي هو وضع اليهود في مواجهة الأغيار مصريين وأجانب، وحتي الرموز الدينية تؤجج للوجدان من خلال تكوينات وكادرات متغيرة وأسماء الشخصيات لها دلالتها ومعانيها، والمحصلة التي يريد المؤلف طرحها هي أن مزراحي ليس كما يروج عنه عشاقه. وبعد احتلال فلسطين عام 1948 وقيام كيان العدو الصهيوني، ظلت السينما المصرية حائرة في معتقداتها وسوقها بسبب سيطرة رأسمال اليهودي حتي بداية الستينيات وهي الفترة التي تقلص فيها عدد اليهود في مصر إلي 8 آلاف بعد عدوان 1956، كما أنه بعد ثورة 1952 اهتزت الأرض تحت أقدام اليهود الأثرياء.. وفي مصر الستينيات تم تقديم الشخصية اليهودية في إطار الصراع العربي - الصهيوني، وبعد 1976 تم تقديم مجموعة من الأفلام تناقش الصراع العربي - الصهيوني بحرية أكبر في السينما المصرية. ورغم أن فيلم «يهود مصر» أخرج السينمائي المصري الشاب أمير رمسيس الذي قدم مؤخراً أعد كوثيقة سينمائية لإدانة فترة حكم جمال عبدالناصر، إلا أنه قدم بعض العمليات التخريبية التي قام بها عدد من شباب اليهود في مصر وتسببت في نبذ المصريين المسلمين والمسيحيين لهم، علي اعتبار أن كل يهودي ينتمي إلي إسرائيل، وبالتالي كل يهودي وهو صهيوني، وعززت تلك الفكرة حوادث تخريب المنشآت التي يمتلكها اليهود، علي يد جماعة الإخوان المسلمين، وإشاعة فكرة سادت المجتمع هذا الوقت، وهو أن كل يهودي جاسوس إسرائيلي صهيوني يجب طرده ونزع الجنسية المصرية عنه، وتعهده بعدم العودة إلي مصر مرة أخري، وذلك من خلال شهادات عدد من المهاجرين اليهود إلي أوروبا الذين رفضوا الهجرة إلي إسرائيل واليهود القليلين الذين قاوموا الحكومة ورفضوا الخروج من مصر، وقام بعضهم بتغيير دياناته إلي الإسلام. وبالطبع هناك العديد من المسلسلات الوطنية التي قدمت الصورة الحقيقية ليهود مصر الذين تآمروا علي مصر وحاولوا بكل السبل الخروج إلي إسرائيل، وأعتقد أن سيادته لو شاهد المسلسلات المأخوذة من قصص حقيقية للمخابرات المصرية مثل «رأفت الهجان» و«دموع في عيون وقحة» و«العميل 1001» سيعرف اليهود الذي يدعوهم بالعودة لمصر.