بين الماضى القريب والماضى البعيد يعود بنا الفنان الكبير على الحجار إلى الوراء ما يقرب من الثلاثين عاما، تاريخ فنى راسخ حتى برحيل أصحابه، تاريخ شاهد على أهم ما أبدع الموسيقار الكبير «عمار الشريعى» من ألحان بأداء غنائى رائع للفنان على الحجار ومجموعة من أروع ما قدمت الدراما المصرية، ورحلة عمل وصداقة جمعت بين عمار الأب وعلى الابن الذى لم يفكر يوما فى الخروج من جلباب والده بل ظل متمسكا به، سيظل حتى برحيل الأب الذى رحل بجسده وإن كان باقيا بفنه والكثير من الذكريات التى ستظل تروى وتتناقلها الأجيال. ومن خلال الغوص فى أعماق الابن الأكبر لموسيقارنا الكبير عمار الشريعى استطعنا التعرف على بعض هذه الذكريات التى عاشا من خلالها الأب وابنه مشاعر الفرح والحزن والألم والإبداع معا، ولتكن البداية مع اللقاء الأول عندما فتح الابن عينيه عام 1979على «الأيام» ونقطة التحول فى حياته الفنية.
الأيام
بالعودة إلى الخلف لأكثر من ربع قرن وذكرى اللقاء الأول الذى جمع بين الثنائى الفنى المميز الفنان على الحجار والموسيقار عمار الشريعى اللذين أبدعا أهم ما أنجبته ساحة الغناء العربى كله، فمن منا لا يتذكر رائعة «الأيام» عن قصة عميد الأدب العربى الدكتور طه حسين ومحطة التعارف بين هذا الثنائى الفنى والتى انطلقا بعدها إلى قمة الإبداع وعن أهم ما يميز تلك المرحلة قال الفنان على الحجار: «عمار الشريعى هو أكثر الملحنين الذين عملت معهم فى مجال الدراما التلفزيونية بداية من مسلسل «الأيام» عن قصة حياة عميد الأدب العربى د.طه حسين، وكان ذلك فى عام 1979 وكان قد لحن لى عمار فى هذا المسلسل حوالى أربعين أغنية وكان له فضل كبير فى وضع نقطة تحول مهمة غيرت طريقتى فى الأداء، فقد كنت قبل مسلسل «الأيام» أحاول أن أستخدم كل الإمكانيات والحليات والزخارف الصوتية التى تعلمتها من والدى أثناء غنائى لأى أغنية، وعندما بدأت غناء أول أغنية فى المسلسل بنفس الطريقة التى كنت قد تعودت عليها من قبل أوقفنى عمار طالبًا منى ألا أستخدم هذه الطريقة فى غنائى للأغنيات الدرامية، وأن الأهم هو التشخيص أو تمثيل معانى الكلمات، وألا أنتبه لحلاوة الصوت أو استخدام الإمكانيات الصوتية والحليات الزخرفية، وكان هذا العمل هو نقطة تحول كبيرة أفادتنى كثيرًا فيما بعد سواء فى الأعمال الدرامية أو المسرحية. رصيد ضخم هذا هو رصيد أعمال الفنان على الحجار والموسيقار عمار الشريعى معا، حيث توالت الأعمال عقب مسلسل «الأيام» والتى كان من أهمها مسلسل «الشهد والدموع» أحدى روائعه، وغيرها من أهم ما قدمت الدراما المصرية، وهنا يتذكر على الحجار شريط حياته العملية الذى جمع بينه وبين الموسيقار الكبير عمار الشريعى قائلا: «أعمال كثيرة لا حصر لها جمعت بينى وبين عمار الشريعى وإن كنت أتذكر منها الآن الشهد والدموع - وقال البحر - عبد الله النديم - أبو العلا البشرى - السيرة الهلالية جزءين - ومسلسل عمر بن عبد العزيز - حدائق الشيطان - أكتوبر الآخر - عدا النهار - المصراوية - كناريا - الرحايا - شيخ العرب همام - وادى الملوك - سنوات الحب والملح - وآخرها فى كان فى شهر رمضان الماضى 2012 مسلسل ابن ليل، وكانت هذه الأعمال تحتوى على عدد من الأغنيات الداخلية للتعليق على الأحداث تتراوح مابين العشرين والخمسين أغنية داخل كل عمل درامى، حتى أصبح رصيد أعمالى مع عمار الشريعى فقط يقرب من ألف أغنية.
بوابة الحلوانى هذا المسلسل الذى جمع فى طياته بين اثنين من عمالقة الإبداع الموسيقى الدرامى فى مصر والعالم كله، الموسيقار الراحل بجسده وإنما خالد بأعماله «بليغ حمدى»، والموسيقار الكبير «عمار الشريعى» الذى قام بتلحين أغانى المسلسل وتتر النهاية دون تتر البداية الذى أبدعه الموسيقار بليغ حمدى، وقد شارك بالغناء الفنان على الحجار الذى أضاف قائلا: «كان لى الحظ بالمشاركة فى هذا العمل الدرامى المهم، والذى أبدع موسيقاه اسمان من أهم الأسماء فى الموسيقى الدرامية، فقد شاءت الأقدار أن أكون عنصرًا من عناصر هذا العمل على مدار الثلاثة أجزاء الخاصة به بالتعاون مع أبى عمار الشريعى الذى قام بتلحين أغانى العمل عدا المقدمة التى كان قد لحنها الفنان العظيم بليغ حمدى، وقد رفض عمار الشريعى بعد وفاة بليغ حمدى أن يقوم بتلحين مقدمة جديدة للمسلسل عندما طلب منه ذلك لأن عمار الشريعى فنان أصيل يقدر قيمة الكبار الذين سبقوه.
عبد الوهاب من التشبيهات التى أعجبتنى أثناء حديث الفنان الكبير على الحجار عن عمار الشريعى عندما قال: «أعتبر عمار الشريعى بمثابة عبد الوهاب عصره، لأنه منذ أن بدأ عمله بالتلحين فى منتصف السبعينيات وحتى الآن أنجبت مصر والعالم العربى الكثير من الملحنين الموهوبين جدًا والموهوبين فقط والذين استطاع الكثير منهم تحقيق شهرة واسعة، واشتهرت أسماؤهم فى سماء الفن واستطاعوا أن يصنعوا الكثير من الأعمال التى انتشرت بشكل كبير فى وقتها حتى إننا مرت علينا فترات كنا نعيش عصر فلان من الملحنين ثم تتوارى أعماله حتى تختفى ويأتى عصر فلان آخر ليتكرر نفس الشىء معهم حتى هذه اللحظة «للحقيقة.. ماعدا بعض الملحنين الذين لايتعدى عددهم عدد أصابع اليد الواحدة»، وليبقى اسم عمار الشريعى وتعيش أعماله التى استمع الناس إليها وتعيش نغماتها معهم حتى الآن، من منا لايطرب حين يستمع إلى موسيقى مسلسل «دموع فى عيون وقحة» أو «رأفت الهجان» وقبلهما «زينب والعرش» وغيرها من أهم ما أبدعت الدراما المصرية على مدار تاريخها كله.
اكتشافات ومن أهم ما تميز به الموسيقار الكبير عمار الشريعى منذ البداية قدرته على انتقاء أهم المواهب وتقديمها من خلال مجموعة من الألحان المميزة بعيدا عن سلبيات العالم المحيط بنا والتخريب الدائم فى عالم الفن والموسيقى حتى أصبح من الصعب أن تصادف صوتا حقيقيا، وهنا يؤكد على الحجار: كانت البداية مع الفنانة هدى عمار التى اكتشفها عمار الشريعى وأعطاها اسمه كلقب فنى اشتهرت به وكانت آخر أعماله التى جمعت بين هدى وعمار والعبد لله هى مسرحية يمامة بيضا، كما كان له الفضل فى اكتشاف الفنانة منى عبد الغنى وعلاء عبد الخالق وحنان فلا ننسى أغنياته الرائعة لفريق الأصدقاء فى ثلاثة ألبومات تضمنت أكثر من ثلاثين أغنية أفكارها كانت ولا تزال مختلفة ومتطورة عن تجارب خاضتها كثير من الفرق الغنائية الأخرى التى اختفت أعمالها بالتدريج أو بسرعة الصاروخ، وقد اكتشف المطرب الرائع حسن فؤاد، وكانت آخر اكتشافاته المطربة العظيمة آمال ماهر. تليفون من عمار ومن الذكريات التى لم يستطع الفنان الكبير على الحجار نسيانها هو اتصال عمار الشريعى الذى كان يأتى فى وقته، وكأنه كالأب الذى يشعر بابنه عندما تتحكم فيه حالة من اليأس وخيبة الأمل: «فى خلال الخمسة وعشرين سنة الماضية كنت كثيرًا ما أصاب بالإحباط وخيبة الأمل فيما حدث من تخريب متعمد لفن الموسيقى والغناء فى مصر حتى يأتى تليفون من عمار الشريعى ليخبرنى بأن لديه مسلسلاً يريدنى أن أغنيه، وحينما أذهب إلى عالم موسيقى عمار أجد نفسى قد انتقلت إلى مصر أخرى مازالت تحمل جمالها بداخلها فيدخلنى إلى عالم ملىء بالطمأنينة وراحة البال، عمار الشريعى الإنسان يمتلك فى قلبه المريض حنية الأمهات وقوة الشكيمة عند الرجل الصعيدى.. الحمول الصبور جدًا على المحن وتحمل الألم. ولايظهر ضعفه أبدًا أمام الغريب وأحيانا القريب، وهو لايترك ثأره أبدا، هذا إلى جانب روحه المبهجة المتفائلة دائما والتى كانت تبعث التفاؤل فى قلب كل المقربين منها». الحب وأخيرا يسرد لنا الفنان على الحجار قصة حب فى حياة الموسيقار الراحل عمار الشريعى ومدى الخصوصية التى تمتعت بها تلك القصة فيقول: «الأجهزة الكهربائية والإلكترونية والكمبيوتر، وقصة عشق لهذه الأجهزة واقتنائها بل وإصلاحها إذا لزم الأمر، فقد كان قادرا على إصلاح الأورج الخاص به عندما يصيبه أى عطل دون أن يستعين بخبراء إصلاح تلك الأجهزة المعقدة فى صناعتها، والبحث عن مصدر العطل وإصلاحه فقد كان يتمتع بذكاء حاد ولا يمكن أن ننسى المرأة فى حياة عمار فلم تستطع امرأة عرفته أن تنساه نظرًا لمواهبه المتعددة فى طريقة تعامله مع النساء.. هذا هو عمار الفنان والإنسان رحمة الله عليه».