قابلت السيد فاروق حسنى مرتين الأولى منذ سنوات طويلة فى نادى الصحفيين النهرى الذى أنشأه بمجهود ذاتى الولد الشقى السعدنى الكبير طيب الله ثراه، وكان اللقاء بين السعدنى والوزير فاروق حسنى عجبا بالنسبة للذين حضروه، فقد كان معنا فى ذلك اليوم الدكتور إيهاب عفيفى والزميل حمدى حمادة وشخصى الضعيف.
وقد اخترنا أن نجلس بعيدا عن الوزير والسعدنى، لكننا اكتشفنا أن السعدنى الملك المتوج على عرش الكلام تخلى عن عرشه وهبط من برج الكلام والحكى العالى ليقبل بدور المستمع والمتلقى، بل المدهوش المبهوت بما لدى فاروق حسنى من معلومات وأخبار وحكايات عن ذلك العصر الذى لو خير السعدنى بين العصور كلها لما اختار غيره ليعيش أيامه وتفاصيله ومؤامراته وبطولاته ونكباته وفحشه وثراءه، إنه العصر المملوكى الذى أفاض فى الحديث عنه الوزير العالم المثقف القارئ فاروق حسنى، ومنذ ذلك اليوم وبفضل أسلوب فاروق حسنى فى الحكى وامتلاكه لعناصر التشويق وفن الرواية ولكونه صاحب مجال مغناطيسى جاذب للبشر فقد اعتمده السعدنى وزيرا للثقافة وصديقا فوق العادة ولأن السعدنى يرتبط بالأمكنة ويعشقها قدر عشقه للبشر فقد شعر فاروق حسنى أن المكان الذى أنشأه السعدنى وهو نادى الصحفيين النهرى عزيز غال ويحتل مكانا فى نفس السعدنى وقلبه، فقرر الوزير أن يحول اللوحة الجدارية التى طالما حلم السعدنى بتخليد العباقرة والنابهين عليها وفوق ذلك فقد منح الوزير الفنان للنادى النهرى هدية فائقة الثمن عظيمة الجدوى عبارة عن منظومة سينمائية متكاملة لاتزال باقية حتى يومنا هذا، وإن كانت أحوال النادى لم تعد كما كان الحال أيام السعدنى بفضل شخص أصلع الرأس والعقل معا!
ما علينا نعود إلى الوزير الفنان الذى كتب لى أن ألتقيه بعد ذلك بحوالى عشرين عاما وبالتحديد يوم افتتاح مقر الجامعة الأمريكية، وكنت أحد الذين تمت دعوتهم فذهبت مع العم الغالى صلاح السعدنى واكتشفت أن ضيف الشرف هو الشيخ سلطان القاسمى حاكم الشارقة الذى تربطنا به صداقة تمتد فى بطن الزمان إلى أكثر من خمسة عقود عندما كان طالبا فى جامعة القاهرة بكلية الزراعة زميلا لجيل النبهاء والعباقرة فى كل مجال ومنهم فى مجال الفنون زعيم دولة الفنون الأعظم فى كل العصور عادل إمام والواعى المثقف المهموم بقضايا الوطن ومصر والعرب العم صلاح السعدنى، ولا أخفى على حضراتكم أننى اتجهت إلى حيث يجلس الشيخ سلطان بصحبة العم صلاح للسلام على حاكم الشارقة الذى تشعر معه أنه ولد على هذه الأرض وعاش فوقها وعشقها إلى حد العبادة وارتبط بالمكان والإنسان بفضل الذكريات الأجمل فى حياته وهى ذكريات الدراسة، وكان السيد فاروق حسنى هو المسئول الأول عن مرافقة ضيف مصر وابنها البار سلطان القاسمى. أقول كانت هاتان المناسبتان فقط هما اللتان التقيت فيهما بالرجل الفاضل فاروق حسنى، أما على الورق فحدث ولا حرج فقد نال الرجل ما نال من قلمى هذا أيام عزه وقوته وسطوته، وهو يتولى منصب الوزارة، وعلى صفحات مجلة «صباح الخير» هاجمت الوزير بفضل بعض مواقفه وأشهد أن قلمى كان جادا وكلماتى كانت جارحة وربما خارجة وكان رئيس تحرير «صباح الخير» فى هذه الأيام هو الزميل العزيز الكبير رشاد كامل الذى لم يقرأ مقالى إلا بعد النشر لم يعترض ولم يناقش ولم يبد أى تعليق، لكن على صفحات الدستور أيام الموهوب حتى تراب حذائه إبراهيم عيسى هاجمت فاروق حسنى الفنان وشملت عنايتى لوحاته ورسوماته وقلت كلاما لا ينبغى أن أقوله فى حق فنان، وحدث شطط لا مثيل له وكان أن هاتفنى العزيز رشاد كامل وأبلغنى أن ما كتبت قد أثار حفيظته وغضبه ذلك لأن فاروق حسنى الوزير صحيح أمضى وقتا أطول من اللازم فى الوزارة ولكن المنصب زائل، أما فاروق حسنى الفنان فإنه باق ما بقيت دولة الفنون وأن قامة فاروق حسنى الفنان ارتفعت ليس فى بر مصر،
لكن خارج حدود الوطن يومها أحسست بمدى الجرم الذي ارتكبته وشكرت رشاد كامل وبحثت وفتشت كثيرا عن تليفونات فاروق حسنى واتصلت به وتصورت أن الرجل سينكر نفسه ويتهرب من شخصى باعتبارى أهنته وجرحته فى أغلى ما يملك الفنان، لكن الرجل جاء صوته هادئا ودودا مرحبا، وكأننا شيئان جمع الله بينهما، بعد أن ظنا كل الظن أن لا تلاقيا، الحق أقول إننى ازددت خجلا وشعرت أننى قزم أقف أمام كيان عملاق بأخلاقه وتواضعه وترفعه عن الصغائر، وفوق ذلك شكرنى الوزير المثقف المهذب وبالمناسبة أنا لم أكن فى يوم من الأيام من دراويشه ولا أصدقائه ولا ضيوفه الدائمين فى منزله الريفى بمنيل شيحة، ولم أسافر يوما ما على حساب وزارة الثقافة ولم أكتب فى مطبوعة تابعة لها، لكن أشهد للرجل شهادة حق وقد علمنى السعدنى الكبير أن أحارب المسئول أى مسئول بكل ما أوتيت من قوة مادام هذا المسئول فى موقع قوة وسلطة، أما إذا نزل الفارس من على صهوة جواده فلا طعن، ولا نزال، ولا خلاف، ولا مواجهة، إنها أخلاق الفرسان التى تحلى بها السعدنى والجيل الأعظم الذى أنتمى إليه من فطاحل أصحاب الرأى والقلم، واليوم يا عمنا الكبير فاروق حسنى لا أخفيك أننى أشعر بغصة فى النفس وحسرة وضيق من الأحوال التى تشقلبت والأمور التى تدهورت فنحن نعلم جميعا أنك لم تكن فى يوم من الأيام أحد السائرين فى ركاب التوريث والمسوقين لجمال أفندى مبارك الذى تصور هو والسيئة الأولى أن حكم مصر دان لهما وأجزم أن بعض كبار دعاة التوريث يختفى مثل الجرذان ويخشى مواجهة الناس، ويحمد الله على كل يوم يمر دون أن يشرف السجن ونعيمه، أما أنت يا سيدى فأستطيع أن أجزم أنك لم تسع يوما إلى الكسب الحرام ولم تتكسب من وراء منصبك وحتى منصب اليونسكو الذى كنت مرشحا له كان النظام هو من سعى لنيل هذا المنصب مهما كلف الأمر من مبالغ!
ويا عم فاروق حسنى منذ عدة أيام قرأت مقالا فى جريدة الأخبار للزميلة العزيزة انتصار دردير وقد تناولت مفارقة شديدة العجب، ففى يوم الأربعاء المقبل هناك مناسبتان متناقضتان الأولى هى مناسبة تكريمك واختيارك شخصية العام الثقافية فى إمارة الشارقة، التى يحكمها الرجل المصرى الهوى الشيخ الصالح الفاضل سلطان القاسمى وفى اليوم نفسه فإنك تواجه فى مسقط الرأس بلدك الأعز على نفسك والذى هو قطعة من روحك، تواجه تهما بالفساد، ولكن ولأن فى مصر قضاء، فإننى على ثقة من أن المولى عز وجل سوف يظهر الحقيقة وسوف تثبت لنا الأيام أنه بالفعل «لا كرامة لنبى فى وطنه».
إن كل مثقفى مصر وكتابها وفنانيها وشعرائها وأدبائها ودعاة التنوير بقلوبهم وعقولهم يقفون إلى جانبك يوم الأربعاء المقبل لتنال أعظم تكريم وأشرف تكريم وهو تكريم قضاء مصر العظيم الذى ننحنى له تقديرا واحتراما فهو الحصن الأخير الذى يحتمى به أصحاب كل إبداع أمام هذه الهجمة البربرية التى تريد أن تجرجر مصر قرونا إلى الوراء! نسأل الله لمصر السلامة!