وكان الله فى عون شعبه الذى يتلاعب به الجميع، ويتحدث باسمه كل من هب ودب على صفحات الجرائد والمجلات أو برامج الفضائيات التى تحولت إلى شوادر للكلام!
الكل فرض نفسه على هذا الشعب، وذهب إلى مكاتب الشهر العقارى ليستخرج توكيلا عنه وباسمه يتحدث به وعنه!!
من فضلك تابع من يكتبون أو يتحدثون باسمى واسمك طوال ساعات الليل والنهار، وتأمل ولاحظ ما يقولون ويكتبون عنى وعنك وعن هذا الشعب!! إذا كتبوا وتحدثوا عنا بصفتنا أعظم وأرقى وأذكى وأنضج شعب على وجه الأرض فذلك سببه ببساطة إننا - نحن الشعب - جئنا بهم إلى مقاعد الحكم والبرلمان والشورى!!
أما إذا قال أحدهم أننا «شعب أهبل» فلأننا نقول ونرى ما لا يقولون ويرون!!
ما أكثر ما قالوا وكتبوا آلاف المرات طوال عشرات السنوات أن الشعب هو المعلم، والشعب هو القائد، والشعب هو السيد وكلهم خادم لهذا الشعب!!
كلام وشعارات لا معنى لها إلا أن تكون وسيلة لغاية ما، مهما كان شكل ونوع هذه الغاية!! إن نفاق وموالة «الشعوب» أخطر مليون مرة من نفاق وموالاسة الحاكم والسلطان والملك والرئيس!!
لقد توقفت طويلا أمام شخصية «إسماعيل صدقى باشا» رئيس الوزراء الذى ألغى دستور 1932 ووضع بدلا منه دستور 1930 والذى كانت النخبة تطلق عليه - على صدقى - عدو الشعب وعدو الأمة!
لقد كان «صدقى باشا» يقول دائما: من السهل جدا إرضاء الرأى العام، ولكن واجب السياسى أن يقول ما يرضى ضميره، لا ما يرضى الجماهير!!
الكاتب الكبير الأستاذ «مصطفى أمين» مؤسس «أخبار اليوم» - والذى لا تنطبق عليه معايير اختيار رئيس التحرير كما وضعها مجلس الشورى الآن - يروى هذه الواقعة فيقول: أذكر ذات مرة أن أدلى «صدقى باشا» بحديث لأخبار اليوم عارض فيه دخول مصر الحرب فى فلسطين، واتصلت بدولته وقلت له:
أننى مستعد لنشر الحديث وإنما واجبى أن ألفت نظره إلى أن هذا الحديث سيثير الشعب وبخاصة أنه سينشر يوم دخول الجيش فلسطين (15 مايو 1948).
فقال: أنا لا أخاف الشعب، أن واجبى هو تبصير بلادى بعواقب وخيمة ومتوقعة وإذا لم أفعل أكون مجرما!!
قلت له: إن الشعور العام ملتهب، وأخشى أن تكون عواقب النشر سيئة!!
فضحك وقال: يعنى سيقتلوننى؟! خير لى أن أتركهم يقتلوننى من أن أترك هذا الشعب يقتل، فانشر الحديث وليكن ما يكون!
ألا تعرف أن الرجل الذى اقترح إدخال التليفون فى الأزهر اتهم بأنه «كافر» إننى يا سيدى أحاول أن أدخل التليفون فى السياسة المصرية!!
انتهى ما كتبه أستاذنا «مصطفى أمين» - الذى لا يصلح رئيسا للتحرير بمعايير «الشورى» هذه الأيام!
وإذا كان الكل الآن - أهل الحكم وأهل المعارضة - يتغنون بإرادة الشعب ورأى الشعب وسيادة الشعب، فلماذا لا تأخذ رأى الشعب فى اختيار رؤساء تحريره بما أن هذه المؤسسات الصحفية القومية يملكها الشعب؟! وإذا كان المرشح لرئاسة الجمهورية كان لابد أن يحصل على توكيلات من ثلاثين ألف مواطن لصحة ترشحه فلماذا لا يحصل المرشح لرئاسة تحرير المطبوعة اليومية على عشرين ألف توكيل ورئيس تحرير المطبوعة الأسبوعية يحصل على خمسة عشر ألف توكيل!!
هكذا يصبح للشعب دور حقيقى وفاعل فى اختيار رئيس تحريره كما اختار بكل الحرية والشفافية رئيس جمهوريته!
وأظن - وليس كل الظن إثم - إن الشعب الذى عرفته الدنيا وأبهرها خلال 18 يوما حتى سقط نظام مبارك ليس هو بالقطع شعب هذه الأيام!!