عرفت المهندس أسامة الشيخ منذ عشرين سنة. كنت فى زيارة للمملكة العربية السعودية بدعوة من الفنان المخرج السعودى عبدالله المحيسن للتشاور فى إصدار مجلة أسبوعية تعنى ببرامج القنوات الفضائية وتكنولوجيا البث الفضائى. وهناك فى مدينة الرياض تعرفت على المهندس أسامة الشيخ. ومنذ ذلك التاريخ توطدت معرفتنا، وصرنا نلتقى خلال زياراتى المتكررة للرياض أو عندما يجىء إلى القاهرة فى الإجازات.
فى عام 1998 اتصل بى المهندس أسامة الشيخ وكان يعمل مديرا عاما لشركة راديو وتليفزيون العرب (A.R.T) وطلب منى العمل معه لإنشاء ورشة إعداد تليفزيونى. قلت له: يا باشمهندس أنا معرفش هذه المهنة! قال لى: لأ.. أنت الوحيد اللى تعرف أنا مش عايز منك غير توجيه الشباب الذى سيعمل معك وكلهم من الصحفيين ليعدوا برامج ويكتبوا سيناريوهات سهرات نبثها فى راديو وتليفزيون العرب تمامًا مثل موضوعات مجلة «صباح الخير» وهذه البرامج سوف تكون الصلة بيننا وبين المشاهدين فى جميع أنحاء العالم. والمطلوب منك هو توجيه وإدارة هذه الورشة تمامًا كما كنت تفعل فى إدارة مجلة «صباح الخير». وهكذا عينت مستشاراً إعلاميًا لراديو وتليفزيون العرب، كما عين أيضا المخرج الكبير على بدرخان مستشارًا دراميًا. وتعاونت مع الأستاذ على بدرخان ومع الزملاء الأعزاء: بلال فضل وهشام يحيى والأستاذ إبراهيم الموجى والمخرج المعروف عادل عوض وآخرين على إنتاج برامج جعلت شركة راديو وتليفزيون العرب تفوز سنويا بالجوائز فى مهرجان التليفزيون المصرى ومهرجانات عربية أخرى. ولقد تلقيت مؤخرا مجموعة رسائل كتبها المهندس أسامة الشيخ إلى أبنائه وأصدقائه ومحبيه تضمنت الكثير من أسرار ماسبيرو قبل وخلال ثورة 52 يناير 2011. كتب المهندس أسامة الشيخ فيما أطلق عليه «من أوراق السجن» يقول: انطلقت الدعوة منذ أول أيام التحرير إلى ما سمى بتطهير الإعلام الرسمى، وعلى رأسه التليفزيون المصرى والصحافة القومية.
فالأداء الإعلامى للتليفزيون المصرى وقت الثورة أغفل حقيقة ما كان يحدث بمصر وانحاز ضد مطالب الجماهير فخلق علاقة ملتبسة يشوبها العداء وانعدام الثقة بين جماهير الثورة وتليفزيون الدولة، الذى حاز لقب تليفزيون الفلول بدلاً من أن يكون تليفزيون الشعب المصرى، إلا أن الواجب المهنى والإنصاف التاريخى يقضى بأن نشهد بأن ظلمًا صارخًا أصاب السواد الأعظم من أبناء ماسبيرو الذين لم يكن لهم ناقة ولا جمل فى تحديد المحتوى الإعلامى الصادر من التليفزيون المصرى الرسمى أيام الثورة، إذ أن جميع قنواته كان قد تم إيقاف بث برامجها وضمها فى إرسال موحد تلبية لطلب رئيس قطاع الأخبار بغرض إحكام السيطرة على الخطاب الإعلامى ليتوافق مع رؤى السلطة الحاكمة وتوجيهات أجهزة أمنية أو سيادية، ومنذ البداية فقد تم اختطاف دور رئيس اتحاد الإذاعة والتليفزيون وكذلك مجلس أمنائه، إذ كان رئيس الاتحاد أسامة الشيخ فى إجازة قبل بداية الثورة خارج الوطن عاد منها للبلاد يوم 28 يناير، وأحجم عن إعلان استقالته التى كتبها فى الثانى من فبراير بعد حادثة الجمل استجابة لطلب بتأجيل إعلانها طبقًا لأسباب وجيهة أقنعته بها إحدى الجهات السيادية المحترمة، ولم يكن قراره بالاستقالة موقفًا ثوريًا بقدر ما كان موقفا مهنيًا رأى بوضوح أن ما حدث يستوجب أن يكون هناك إعلام جديد وإعلاميون جدد طبقًا لما جاء فى خطاب استقالته.
إن رئيس قطاع الأخبار وقت الثورة كان هو المدير الفعلى والمسئول الوحيد عما بثه التليفزيون خلال أيام الثورة وهو صديق عزيز إلا أن اختلاف المواقف لا يفسد للود قضية. إن التسرع والتعميم ظلم لأبناء التليفزيون المصرى، فلو كان البث لجميع قنواته متاحا بالحرية الحقيقية لكل أبنائه الذين تواجد معظمهم فى ميدان التحرير لكانت الصورة مختلفة، فلم يتم السماح لأكثر من واحد فى المائة من أبنائه بالتواجد فى مبنى ماسبيرو لأسباب بعضها معقول وبعضها مجهول.
ورغم كل محاولات الحصار والتدجين وخلط المفاهيم بين تليفزيون الدولة الذى يجب أن يعبر عن الشعب بكل أطيافه، وتليفزيون الحكومة المعبر عن الحزب الحاكم وكوادره فإن جانباً مهمًا من محتوى قنوات التليفزيون المصرى قبل الثورة كان منحازا للشعب المصرى ومعبرا عن قضاياه الحيوية والحقيقية ومستشرفا لإرهاصات التغيير القادم متخذاً نفس المواقف التى عبرت عنها موجة مختلفة وشجاعة من إبداعات الكتاب والمدونين والسينمائيين الجدد وحركات المسرح المستقل إما بالصراحة أو بالالتفاف حول ما يواجههم من قيود وعوائق.
ويؤكد المهندس أسامة الشيخ فى رسالته الأولى أنه قد آن الأوان أن تقوم جهات متخصصة من مراكز الأبحاث الإعلامية المستقلة والأكاديمية بجهد علمى محايد ومستفيض لتحليل مضمون ما كانت تقدمه وسائل الإعلام المقروءة والمرئية قبل الثورة بكل الحياد والتحليل بما يتعدى المحاسبة والتقييم إلى استشراف رؤية واعية لمستقبل الإعلام الوطنى الذى ينبغى أن يعبر عن أمة وليس عن سلطة.
وإذا عدنا إلى تحليل ما أذاعه التليفزيون المصرى من البرامج والمسلسلات الخاصة بشهر رمضان عام 2010 نجد أنها كانت تعبر عن أنين الشعب المصرى وغضب شبابه الذى لا يجد فرصة للتعبير عن نفسه.
فمثلاً مسلسل «أهل كايرو» الذى كتبه بلال فضل وقام ببطولته خالد الصاوى كشف الفساد الناتج عن زواج السلطة والثروة فى أعلى طبقات المجتمع.
ومسلسل «عابد كرمان» الذى كتبه بشير الديك وأخرجه نادر جلال يحكى فصلاً عن بطولات المخابرات المصرية ضد العدو الصهيونى، وقد تم عرض هذا المسلسل عام 2011. ومسلسل «مش ألف ليلة وليلة» الذى قام ببطولته أشرف عبدالباقى كان يحكى قصة ثورة قام بها الشعب ضد حاكم أفسده التجار والحاشية.
ومسلسل «قصة حب» بطولة جمال سليمان وبسمة، كتبه الدكتور محمد العدل وأخرجته شيرين عادل، ويحكى قصة حب ناظر المدرسة وامرأة منقبة ذات شخصية رائعة، ويكون الإرهاب المقنع بالدين هو محور المسلسل الذى لم يغفل الإشارة لممارسات جهات أمن الدولة.
ومسلسل «سقوط الخلافة» للكاتب يسرى الجندى الذى حلل فيه أسباب سقوط الأنظمة الحاكمة.
ومسلسل «الجماعة» الذى كتبه وحيد حامد وقام ببطولته إياد نصار وأثار غضب السلطة بقدر ما أثار غضب الإخوان المسلمين رغم أنه أزاح الستار عن جزء مهم من تاريخ مصر وعن شخصية مصرية لها كل الاحترام ربت جيلا وليس فصيًلا سياسيًا ما كان ينبغى تجاهله بقدر ما ينبغى دراسته وفتح المجال لكل الآراء من كل الاتجاهات والتخصصات لمعرفة التاريخ الحقيقى للوطن وليس تجاهله.
ومسلسل «السائرون نياما» لسعد مكاوى وإخراج محمد فاضل وبطولة فردوس عبدالحميد وعلى الحجار الذى ظل حبيس الأدراج سنوات عديدة لأنه يروى فصلاً من فصول نضال الجماهير الشعبية المصرية لتحقيق الاستقلال الوطنى.
ومسلسل «ماما فى القسم» للكاتب يوسف معاطى وبطولة سميرة أحمد ومحمود ياسين الذى يتناول دور الحكومة وتزوير الانتخابات البرلمانية لصالح قاض يتغاضى عن كل القيم الأخلاقية والمهنية فيصبح وزيرا.
والكاتب المبدع عمر طاهر ظهر فى برنامج «مصرى أصلى» لمدة ثلاثين حلقة رغم اعتراض الأجهزة الأمنية على مجرد ظهوره على شاشة التليفزيون.
والمسلسل الكارتونى «بسنت ودياسطى» بطولة صلاح عبدالله وحنان ترك وفيه يتحدث عن دياسطى الفلاح المصرى الفصيح عضو البرلمان الذى ينتقد أداء البرلمان المصرى.
والبرنامج الساخر «حكومة شو» الذى قدمه الفنان محمود عزب وقدم فيه شخصيات رؤساء مجلس الوزراء والمجلسين النيابيين وكبار الوزراء والمسئولين ويسخر من أدائهم إلى الحد الذى تقرر معه عدم بث البرنامج ولم تتم إذاعته إلا بعد الثورة.
وبمناسبة مرور خمسين سنة على مولد التليفزيون المصرى أطلق أسامة الشيخ رئيس الاتحاد محطة فضائية جديدة لم تستمر سوى عشرين يوما أطلق عليها اسم التليفزيون العربى فتحت نافذة على تاريخ مصر الوطنى والفنى والإعلامى منذ عام 1960وقامت ببث ما كان ممنوعا من خطب جمال عبدالناصر والسادات وما يضمه أرشيف التليفزيون المصرى من برامج وأحداث وأغان وطنية وأحاديث للعمالقة والرموز الفكرية والإعلامية، وسرعان ما تم إيقاف هذه المحطة لأسباب يسهل للقارئ أو المشاهد الواعى معرفة أسباب إيقافها.
وهكذا يروى لنا المهندس أسامة الشيخ من سجنه أسرار ماسبيرو قبل وخلال الثورة.
و«صباح الخير» عندما تقوم بنشر ما ورد فى رسائل المهندس أسامة الشيخ لا تحاول الانحياز لموقف ما أو الاعتراض على حكم صدر، ولكن تبغى نشر الوقائع التى تجعلنا ندرك بعض الممارسات غير المعلنة للتليفزيون المصرى الذى جعل الناس فى الميدان تلتف حول تليفزيون الجزيرة بدلاً من معرفة الحقيقة من تليفزيون الشعب المصرى وحتى يكون التقييم مبنيًا على الوقائع، وليس جانبًا واحدًا من الصورة إن الأصوات التى ارتفعت تطالب بتطهير التليفزيون، وتطهير الصحافة القومية لا تقصد تبديل أشخاص بأشخاص أو تغيير قيادات بقيادات جديدة، إنما تبقى هذه الأصوات وتريد القول أن ثورة 52 يناير لا يعبر عنها غير أبنائها المؤمنين بها.
وأبناء ثورة 52 يناير موجودون وبكثرة فى جميع المواقع فقط المطلوب البحث عنهم واكتشافهم وإسناد المسئولية إليهم.
هذا ما حدث معى شخصيًا منذ ستين عاما عندما سأل إحسان عبدالقدوس أحمد بهاء الدين رئيس تحرير مجلة «صباح الخير»، وكان مدعواً لزيارة الاتحاد السوفييتى لمدة شهر، والمجلة يا بهاء سنتركها لمن؟