تصوروا فريقنا القومى انهزم فى أول مباراة له فى التصفيات المؤهلة لنهائيات أفريقيا التى ستقام فى يناير القادم فى جنوب أفريقيا! ولم تثر هذه الهزيمة أى رد فعل فى نفوس المشاهدين ومشجعى كرة القدم، تماما كما لم يثرهم فوز نفس الفريق فى تصفيات كأس العالم لعام 4102 فى مباراتين متتاليتين! كلنا أصبحنا مسيسين، كلنا نتابع بشغف ما يحدث فى مجتمعنا هنا وهناك، نتابع الانتخابات الرئاسية ومهازلها، نتابع ما يحدث فى التحرير كل لحظة، نتابع الحالة الصحية للرئيس المخلوع، نتابع ولا نمل من المتابعة رغم أننا كلنا نعلن كل لحظة أننا مللنا وزهقنا من كل ما يحدث حولنا، فليس أمامنا أى خيار آخر، غير المتابعة المتأنية لكل ما يجرى لأنه فى النهاية يمسنا ويمس حاضرنا ومستقبلنا، لأننا بكل صراحة نحاول أن ننسى ماضينا الذى هو السبب فى كل ما وصلنا إليه الآن.. فلو فكر هذا الماضى فى شعبه قليلا، لو فكر أن يهتم بتعليمهم بدلاً من أن يفكر فقط فى تأمين نفسه وتأمين حاشيته، لما وصل حال شعبنا إلى هذا الحد من التردى والتدنى التعليمى الذى لم يعد يستطيع من خلاله أن يقبل الآخر أو يقبل المعارضة، أو يتعلم حتى أدنى مبادئ الديمقراطية!
فى ظل هذا الزخم الحادث الآن، تجرى أحداث رياضية كبيرة، وينهزم فريقنا فى تصفيات أفريقيا، ولا أحد يهتم، واعتقد أن اللاعبين أنفسهم كانوا غير مهتمين بهذه الهزيمة وسط مدرجات خاوية لأن الجمهور مشغول فى التحرير وعلى الفيس بوك وأمام شاشات التليفزيون يتابع أشياء أخرى أهم وهى أشياء تتعلق بمستقبله ومستقبل مصر!
فقدنا الشهية الكروية كما فقدنا أشياء أخرى كثيرة من كثرة ما نشاهد حولنا من مهازل.. ضاعت أحلى أيام ثورة يناير وسط صراعات شخصية، والبحث عن أمجاد وزعامات واهية، لماذا نعيب إذن على الأنظمة السابقة، إذا كان الكل يبحث عن نفس الكراسى ليس من أجل مصر كما يدعون ولكن من أجل أمجاد شخصية لا أكثر ولا أقل.. ولو كان الأمر فعلا متعلقا بمصر لما أصر كل طرف على موقفه بهذا الشكل الحاد المريب.
انهزمت مصر أفريقياً، وكأن هذه الهزيمة تعبير عن هزيمة داخلية فى نفس كل مصرى ثار على وضعه فى يناير، ويشاهد ما يحدث الآن فى الشارع من ضياع أحلى وأجمل ما حدث فى هذه الأيام لصالح أسوأ أيام فى تاريخ مصر، والتى على أساسها سيتحدد شكل المستقبل الذى مازال غامضاً!