تظل صفحات الماضى فى المجتمعات الشرقية أشبه ب «الصندوق الأسود» الذى يحمل الكثير من الخفايا والأسرار التى ربما يؤدى الكشف عنها إلى سعادة بعض المتزوجين أو يجعل التعاسة تطل برأسها لدى آخرين، وعلى كل حال تبدو الصفحات البيضاء هى المفضلة رغم ندرتها. هناك العديد من الأسئلة المحيرة التى تطل برأسها عند الحديث عن هذا الموضوع الشائك، منها هل ماضى الزوجة «العاطفى» ملك لها وحدها ولا يحق للزوج الشرقى أن يبحث وراءه ومحاسبتها عليه؟.. أم كل فتاة مقبلة على الزواج عليها أن تكشف أسرار ماضيها لمن يرغب فى الزواج منها؟ .. وهل ماضى الزوجة يظل عقدة الزوج الشرقى؟ .. أم يغفر الزوج ماضى زوجته إذا صارحته به؟ .. وهل من حق الزوجة أن تكذب على زوجها «كذبة بيضاء» إذا ما أصر على معرفة ماضيها؟.. أم ماضى الزوجة يظل يحمل لها مستقبلا فاشلا ويهدد حياتها مهما فعلت؟ أرى أن هناك ازدواجية فى المعايير الاجتماعية فى مجتمعاتنا الشرقية خاصة المجتمع المصرى، هكذا بدأ خالد جمال - محامٍ حديثه.. موضحا: هذه الازدواجية جعلت البعض يظن أن ماضى الزوج مجرد «طيش شباب» بينما ماضى الزوجة «عار» عليها أى حلال عليه وحرام عليها، وأعتقد أن السبب وراء ذلك يرجع إلى أن مجتمعنا يحاسب الفتاة على كل صغيرة وكبيرة بينما يترك الشاب دون محاسبة.
والتقط أطراف الحديث حسان أحمد - موظف بالقطاع الخاص: لا أستبعد أن يكون لدى شاب أو فتاة تجربة فاشلة فى الماضى، لكن مادام الزوج قبل واقتنع بزوجته فلا يحق له البحث فى ماضيها، وفى المقابل لا يحق للزوجة أن تسأل زوجها عن ماضيه وعلاقاته السابقة، ما دامت قد انقطعت ولم تعد موجودة. ∎ تجربة مريرة وحكى السيد محمود أحمد - صاحب مقهى - قصته قائلا: ذات يوم تعلق قلبى بفتاة كانت تتمتع باحترام كبير وسط الزملاء فى العمل، قررت أن أطلبها للزواج، لكننى فوجئت بتهرب أهلها من الإجابة على طلبى، فأصررت على سؤال الفتاة التى صارحتنى بعد ذلك بأنها مرت بتجربة سابقة مريرة، ولا أخفى عليك سرا أننى أعجبت بصراحتها وزاد احترامى لها وطلبت يدها رسميا للزواج.
فى المقابل أشار رأفت حسين عبد العال - مدرس: للأسف الشديد، فى المجتمعات الشرقية نجد العديد من الأزواج يعانون من الوسواس والغيرة الزائدة عن الحد، فإذا عرف الرجل ماضى زوجته صار ذلك الماضى شوكة فى حياتهما حتى أنه يظل يتربص بها مع أى مكالمة تليفونية أو عند الخروج من المنزل، لذلك أرى أنه لا داعى لهذه المصارحة التى قد تكون سببا فى انهيار العلاقة بين الزوجين.
ودلل «رأفت» على وجهة نظره بحكاية واقعية قصها لنا قائلا: «بعض الرجال يطالبون زوجاتهم بالاعتراف بماضيهن، لكنهم لا يغفرون لهن هذا الماضى كما فعل ابن عمى «محمود» مع زوجته التى قررت أن تصارحه بأنها كانت تحب ابن الجيران فى فترة الطفولة، لكن هذه العلاقة انتهت، فأصبح «محمود» يشك فى تصرفات زوجته ويراقب كل تحركاتها. ∎ اعترافات ومبررات حكاية أخرى قصها لنا «م. عبدالله» قائلا: تقدمت للزواج من فتاة وقررت قبيل عقد القران أن أصارحها بترددى على أحد مستشفيات علاج الإدمان وظللت أتلقى العلاج لمدة عام كامل إلى أن تعافيت تماما، لكنها غضبت بشدة لعدم اعترافى بهذا الأمر أثناء فترة الخطوبة وقررت الانفصال مبررة موقفها بخشيتها أن أعود للإدمان مرة أخرى.
على الجانب الآخر قالت «س. عبد الهادى» - موظفة: يجب على الزوجة ألا تفشى أسرارها بتاتا وألا تندفع فى كلام عن تلك الأسرار، وإذا استحلفها الزوج تكذب عليه «كذبة بيضاء» لأنه يجوز الكذب فى هذه الحالة لبقاء عش الزوجية واستقرار حياتهما الأسرية، وعلى الزوج ألا يطلب منها كشف أسرارها لأن الماضى راح ولن يعود ومن حقه محاسبتها على الحاضر فقط مادام قد ارتضاها زوجة له.
وفى المقابل رأت «ل. مرسى» - ربة منزل: من الضرورى أن يتصارح الشاب والفتاة بماضيهما لأن هذا الاعتراف سيشعرهما بالارتياح، حتى لو جاء الاعتراف بآثار عكسية، فقد كنت مخطوبة مرتين، فشلت الخطوبة الأولى لأن الخطيب كان بخيلا، ويرفض عملى، وفشلت الخطوبة الثانية لأن الخطيب علم أننى كنت مخطوبة من قبل ولم يصدق أننى رفضت الخطيب السابق لبخله، ورغم ما حدث فإننى غير نادمة على صراحتى وسأستمر فى أسلوب المصارحة حتى لو كلفنى ذلك العيش بدون زواج. ∎ إسدال ستار الماضى وعلقت الدكتورة نادية رضوان - أستاذ علم الاجتماع بجامعة قناة السويس - قائلة: لا يوجد إنسان على وجه الأرض من دون ماض أو تجارب أو مغامرات، حيث إن فترة المراهقة فترة اضطرابات عاطفية ولابد أن يحدث بها انجذاب للطرف الآخر، لكن فى المجتمعات الغربية المتقدمة فكريا وحضاريا تجد أن المصارحة والمكاشفة هى السبيل الوحيد لحياة هادئة وسعيدة بين الزوجين اللذين يكونان كتابا مفتوحا أمام بعضهما البعض ويسدلان الستار على ماضيها.
وأضافت: أما فى المجتمعات الشرقية ذات الثقافة الذكورية فتجد أن القانون لا يعاقب على نظرات الإعجاب أو الحب بين الشاب والفتاة، لكن العادات والتقاليد هى التى تصدر الحكم وتقرر العقاب ويبدأ الكيل بمكيالين، فهو يحكم على ماضى الشاب بأنه «تجربة وعدت» ويغفر له، فيما يحكم على الفتاة بأنها منفلتة ومخطئة ولا يجب أن تفلت من العقاب.
وأعربت عن أسفها قائلة: كل المؤشرات الحالية تؤكد أنه لو زاد المد الإسلامى فى مصر سنعود إلى عصر الجوارى لتظل المرأة أسيرة وموصومة بماضيها باعتباره «عار» لا يمحى ويظل هذا الماضى سيفا مسلطا على رقبتها بينما لا يبالى الرجل «دنجوان عصره وأوانه» بماضيه باعتبار أنه مجرد «طيش شباب» ولا يجب الالتفات نحوه.
وحكت الدكتورة رضوان عن تجربة شخصية قائلة: عندما أخبرنى ابنى بأنه يريد الزواج من فتاة أجنبية رفضت فى البداية لأن الفتيات العفيفات فى المجتمعات الغربية قليلات، لكنه أقنعنى بأن هناك بعض الفتيات فى المجتمعات الشرقية يدّعين العفة وهن أبعد ما يكن عنها، لكن فى المجتمعات الغربية العلاقة الحقيقية بين الشاب والفتاة تبدأ منذ الليلة الأولى للزواج.
ونصحت فى ختام حديثها قائلة: لابد أن تصرح الزوجة الشابة بعلاقاتها الرسمية كالخطبات التى فسخت، أما الزوجان فعليهما الاعتراف لبعضهما البعض بعيوبهما الجسدية مثلا أو الوراثية مادامت لا تشكل عائقا شرعيا لحياة زوجية طبيعية وأن يتجنب الزوج النبش فى القضايا والأمور والخبايا التى قد تهدم سعادته الزوجية لأن الماضى ملك لكل شخص والبحث فيه قد يزرع الشكوك والخلافات التى يصعب علاجها.