(لبلد عريق، ناصيتان على البحر الأحمر والمتوسط.. واجهة على النيل.. بها3 أهرامات وميدان يتسع ل 5 ملايين معارض.. تشطيب 58 مليون مصرى.. استعمال طيار). هذا هو الإعلان عن وظيفة رئيس والذى تقدم له 13 مرشحا منهم فلول ومتطرفون ومعتقلون سابقون وعملاء للنظام السابق وآخرون مجهولو الهوية لمعظم الشعب، وليس من بينهم شخص واضح ولا شفاف بنسبة 100 ٪، فكيف نفاضل بينهم؟
لم نجد سوى حل واحد وهو وضعهم على شيزلونج الطبيب النفسى وتحليلهم نفسيا ولكن هل هذا يكفى؟ وهل الجميع لائقون للجلوس على عرش مصر؟!
أساتذة الاجتماع وعلم النفس يحاولون معنا جاهدين للوصول لإجابة مقنعة.........
توجهنا إلى د. هانى السبكى استشارى الطب النفسى للحديث معه حول طبيعة شخصية كل مرشح ومدى تأثير ما حدث معهم فى حياتهم السياسية على شخصيتهم وما مدى تواصلهم مع المواطنين.
وأوضح د. السبكى أن الضغوط السياسية التى مر بها د. عبدالمنعم أبو الفتوح انعكست على شخصيته ، وهذا يمكن أن ترصده من خلال أفعاله وتصرفاته وطريقة حواره ، حيث تستشعر بأنه واثق فى نفسه وحاضر الذهن.
وأضاف د. السبكى أن تجربة السجن التى مر بها أبو الفتوح لفترات طويلة وخروجه من جماعة الإخوان المسلمين اثرت فى شخصيته ، حيث جعلته أكثر نضجا ، فهو لا يرغب فى القصاص أو الانتقام، لا يحمل كراهية شخصية لأحد ، بل نجده يتحدث دائما عن تسامحه مع من أخطأ فى حقه ، وأوضح د. السبكى أنه على الرغم من تعرض أبو الفتوح لأزمات كثيرة وشديدة فى حياته فإنه لا يحمل ضغينة لأى شخص ، ولا يجامل أحداً على حساب آخر. وهذا ما تلاحظه فى طريقة حديث أبو الفتوح ، فلقد ذكر أبو الفتوح فى أحد البرامج أنه دائما يتذكر نصيحة أمه « بأن يسامح من يسىء له».
وقال د. السبكى أن أبو الفتوح يحاول توظيف انفعالاته بطريقة جيدة وتتسم بالذكاء فى تحقيق أهدافه وطموحاته ، ولعل ذلك نتيجة نشاطه فى جماعة الإخوان الذى تعلم منها الالتزام أو الانضباط ، وإذا نظرنا إلى طريقة حديث أبو الفتوح فإنها تتسم بالأدب والاحترام والثقة بالذات والثبات الفعلى.
واستعرضنا مع د. السبكى مرشح آخر وهو أيضا ممن ذاق عذاب السجون والمعتقلات فى عهد النظام السابق وتأثير ذلك على بنيته النفسية عند تولى عرش مصر وهو حمدين صباحى ، والذى بدأ مسيرته السياسية مع التحاقه بكلية الإعلام جامعة القاهرة وشارك فى المظاهرات الطلابية المطالبة ببدء الحرب على إسرائيل.
وأيضا تم انتخابه نائبا لرئيس الاتحاد العام لطلاب مصر «1965-1977»، ودخل فى مواجهة شهيرة مع الرئيس السادات عام 1977 عقب الانتفاضة الشعبية ضد غلاء الأسعار وإلغاء الدعم، انتقد فيها سياسات السادات الاقتصادية والفساد الحكومى.
وتم اعتقاله فى انتفاضة 18 19 يناير 1977، وأعيد اعتقاله فى 1981 ضمن اعتقالات سبتمبر الشهيرة، وكان حينها أصغر المعتقلين سنا، كما تم اعتقاله على خلفية انتمائه لتنظيم ثورة مصر الذى أسسه ضابط الجيش السابق محمود نور الدين بهدف ملاحقة الصهاينة على أرض مصر نهاية الثمانينيات.
فى عام 1993 وعقب إلقائه خطبة سياسية داخل جامعة القاهرة انطلقت مظاهرات طلابية حاشدة فجرى تدبير محاولة أمنية غادرة لاغتياله فى مطاردة بالسيارات لكنه نجا، فلفقت له السلطة تهمة مقاومة السلطات والشروع فى قتل ضابط.
واستطرد السبكى حديثه وهذا المرة عن المرشح صباحى قائلا إن حمدين يحاول دائما التواصل مع البسطاء والفلاحين من خلال لغة بسيطة وقريبة من طبيعة هذه الفئات وأيضا من خلال أفكاره القريبة من الاشتراكية والناصرية والاستفادة من تلك الخبرة فى التحركات والأفعال والأقوال.أ.د.مديحة الصفتى أستاذ علم الاجتماع بالجامعة الأمريكية تقول:
التحليل النفسى للمرشحين مهم جدا ومن الضرورى خضوع المرشحين له وكتابة تقرير مفصل يعرض على الناخبين لكن لا يستطيع فعل ذلك سوى ممارس محترف للطب النفسى، وأيضا ليس كل المرشحين للرئاسة يصلحون لهذا الدور فمنهم من يوجد حولة علامات استفهام كثيرة وهذا ما يحتاج منا جهد أكبر وتركيز فى الاختيار، فمن ناحية الإنجازات فهى عامل مساعد ولكنها ليست كل شىء، لأن مبارك كان عنده إنجازات ومع ذلك ضيع البلد.
وكذلك المعارضون للنظام السابق الذين تم الزج بهم فى السجون فليس جميعا يصلحون لهذا المنصب لأن هذه التجربة تؤثر فى كل منا بشكل مختلف فمنهم من أثقلته التجربة وجعلته أكثر خبرة وإدراكا لحاجات المواطن البسيط.
ومنهم من زادته التجربة رغبة فى السيطرة والانتقام، وهى أمور دفينة فى أعماق كل منهم وليس من السهل اكتشافها.
ولذلك يجب تحليل شخصية كل منهم نفسيا لنستطيع الحكم عليهم بدقة وموضوعية أيهم يصلح وأيهم لا يصلح، وهذا أمر ليس باليسير لأننا ليس لدينا مثل هذه الاختبارات فى مصر، وإن وجدت فلن يقبل أحد المرشحين من الخضوع لها.
لكن مما لا شك فيه أن اختيار الفلول مرفوض تماما فيكفينا ما رأيناه منهم فى العهد السابق، وكذلك المرشحون الذين لهم خلفية سياسية فهم لا يصلحون لهذا الدور.
ولو لكن لو استبعدنا هؤلاء سيتقلص العدد كثيرا، وسنجد أن الاختيار صار أسهل، بعدها يأتى دور السيرة العطرة ونظافة اليد والماضى المشرف وحسن التعامل مع القضايا الوطنية.
∎ مطلوب سوبر مان
أ.د.عادل البنا أستاذ علم النفس وعميد كلية التربية بدمنهور يقول:
التحليل النفسى للمرشحين الرئاسة لتحديد من الأصلح للجلوس على عرش مصر أصبح ضرورة ملحة مثل التقارير الصحية، وأصبح الكثيرون منا عاجزين عن اختيار وتحديد المرشح الأصلح، بسبب حالة الغموض والفوضى التى نعيشها والاتهامات المتبادلة وكثرة الشائعات التى شوهت الجميع وصعبت مهمة الناخبين الذين لم يصلوا بعد لحالة النضج السياسى التى تمكنهم من الاختيار لأن التجربة برمتها جديدة على الشعب، وخلفت حالة من الضبابية فى اختيار القرار، وبوجه عام ليس المرشحين كلهم يصلحون لهذا المنصب، وحتى من يصلح ليس سوبر مان ولا يمتلك عصا سحرية.
ولكن ينبغى أن يقوم المواطن بتحليل المرشحين نفسيا، ليستطيع اختيار النموذج القريب من فكرة الكمال المنشود.
ومنهم من عمل مع النظام السابق سواء فى السر والعلانية، من تعرض لتجربة السجن والاعتقال، وتلك التجارب أثرت ولا شك فى صاحبها سواء بالسلب أو بالإيجاب، وتركت رواسب فى شخصيتة، وخلفت استجابات عكسية، فمنهم من اذداد إحساسا بمعاناة المواطنين ومنهم من خرج لينتقم.
ولذلك من الضرورى أن يلتفت الناخب إلى نقطة ضرورية وهى ألا يرفع مستوى طموحاتة كى لا يصطدم بالواقع، لأنه لازال كثير من الناس - ماسكة الهواء بيديها - بينما الواقع معطياته أقل من ذلك بكثير وعندما يخيب ظنها فى المرشح تنقلب من التاييد للمعارضة، كما حدث عند اختيار أعضاء مجلس الشعب الحالى، لأن سقف طموحاتنا كان أعلى من الامكانيات المتاحة، فيجب أن ندرك أنه لا يوجد من بين المرشحين من هو أكبر من التحديات التى تواجهنا فى الفترة القادمة، ولكن هناك من لدية فرصة أكبر من غيره على تحقيق التنمية والنهوض بالبلد من كبوتها.
∎ استطلاعات مغرضة
أ.د.محمد خليل أستاذ علم النفس الاجتماعى وعميد السابق لكلية آداب عين شمس يقول: لا ننكر أن الناخبين لديهم مشكلة كبيرة فى اختيار الرئيس، وذلك لأننا نعيش التجربة الديمقراطية لأول مرة، ولكثرة عدد المرشحين من ناحية أخرى حتى إنه هناك اسماء نسمع عنها للمرة الأولى، ولا نعرف تاريخها أو خلفيتها السياسية، وزاد من حجم المشكلة إننا ليس عندنا مؤسسات أو أحزاب قوية تقوم بعمل دعاية لمرشحها لتعريف الناخبين به قبل الانتخابات بفترة كافية كما يحدث فى أمريكا وأوروبا، بل إن المرشحين أنفسهم ليس لديهم مهارة تقديم أنفسهم لجميع أطياف الشعب المصرى، بل هى رسالة واحدة يغلب عليها الحماس والوعود البراقة يجتهد كل مرشح فى عرضها على الجميع، فنجد أنفسنا مضطرين للجوء للاجتهاد الشخصى لاختيار أحد المرشحين ويا صابت يا خابت!!
وبالطبع ليس كل المرشحين يصلحون لمنصب الرئيس، حتى لو أظهرت النتائج الأولية لاستطلاعات الرأى عكس ذلك، فهذه الاستطلاعات منها الكاذب والمغرض وأصحاب المصالح الخفية.
لأن هناك من المرشحين من كانوا جزءاً من النظام السابق، وآخرين بلا تاريخ ولا هوية سياسية وإنما تدعمهم أحزاب لها مصالح سياسية تسعى إليها وبعضهم كان من المعتقلين السياسيين، علما بأن تجربة السجن فى حد ذاتها ليست فيها ما يشين لأنهم تم الزج بهم فى السجن لأسباب سياسية ولكن المشكلة فى الآثار والخبرات التى تخلفها التجربة نفسها فى صاحبها، وتلك تجارب وخبرات تؤثر فى شخصيات أصحابها كثيرا وقد تترك بصمات قوية على شخصيته تؤثر على عملية اتخاذ القرار فى المستقبل، فقد تحول صاحبها إلى رجل حكيم يجيد الحكم على الأمور وقد يكون العكس تماما وفى هذه الحالة لو تمكن من الوصول للحكم تكون النتائج كارثة مؤكدة.
وبالطبع فإن خضوع المرشحين للتحليل النفسى أمر غاية فى الأهمية ويكشف كثيرا من الأسرار ويساعدنا على الاختيار السليم وهناك فرع من فروع علم النفس يسمى (تحليل العمل) وهو مجموعة من الاختبارات تكشف مدى استعداد صاحبها وقدرته على النجاح فى وظيفة ما.
لكن للأسف هذه الاختبارات ليست موجودة عندنا وإن وجدت فلا مجال لتطبيقها لأن المرشحين سيرفضون الخضوع لها بكل تأكيد بل إن معظمهم سوف يقول (هو أنا مجنون علشان تفحصونى)؟ كما أن الإنجازات فى مجال العمل ليست أساسا قويا للمفاضلة بين المرشحين، لأن النجاح فى إدارة مؤسسة ليس دليلا على النجاح فى إدارة بلد بكاملة.
ومع تشابه البرامج الانتخابية لكل المرشحين فلا يوجد أمامنا إلا أن نفاضل بين المرشحين على أساس الكاريزما الشخصية والتاريخ السياسى، فضلا عن سمعتة وأخلاقه وحياته الخاصة، فالفنان من حقه أن يطلب من الناس الابتعاد عن حياتة الخاصة ولكن هذا لا ينطبق على السياسى لأنه إذا فشل فى إدارة حياتة الخاصة فكيف سوف يدير بلدا بكل ما فيه؟ ونضع أمامنا بعض المعايير التى قد تساعدنا على الاختيار السليم، مثل سرعة البديهة، القدرة على العمل الجماعى، والتعامل بإيجابية مع الاختلاف، والقدرة على تقبل الآخر.