بعض الناس يحلو لهم ذبح الآخرين، إن لم يكن بالساطور، ،فبمجرد كلمة غبية: نميمة، شائعة،تطفل،.... إلخ أشياء كثيرة قد تكون صغيرة وتافهة، ولكن لها فعل الخنجر أوالسم القاتل. والناس لاتمل ولاتكل، ولاتسكت عن الكلام: المفيد والتافه، والذى له لسع البعوض وكأننا اخترعنا الكلام واللغات لبث الحقد والحسد: فالحقد دائما مايصدر عن ضعاف النفوس، أما الحسد فمصدره العجزة والفاشلون..
الحاقد لايستريح إلا إذا أفرغ حمولته فى وجه غيره، والحاسد لايمكنه النوم إلا إذا سدد عينه ليهدم أى بناء فى المجتمع.. إنه لايتوقف عن الحركة وهو مسمم بقدر هائل من الأحقاد وكأنه لايسير بدون هذا النشاط غير الإنسانى: كلمة طائشة قد تذبح حالة حب نقية، شائعة مغرضة قد تنهى علاقة صداقة جميلة، ملاحظة سامة عابرة قد تفسد علاقة زوجية ناجحة، تطاول هامس بالكلمات قد يعكر صفو علاقة أخ بأخيه. ولكن.. كيف نحمى أنفسنا من أنياب بعض الناس؟ وهل يمكن أن نفر إلى جزيرة بعيدة خاصة؟ هل ننطوى على أنفسنا؟ هل ننكفئ على ذواتنا؟ هل نغلق أبوابنا فى وجوه الناس؟ هل نهرب إلى البحر؟ وهل نرد بنفس الكلام السام؟ هل نعيش فى حالة حذر دائم؟ هل نحيا فى حالة استعداد دائم لمثل هذه الحرب الباردة المزعجة والمثيرة للأعصاب؟
بالطبع.. هذا غير ممكن أو منطقى، فليس بإمكاننا أن نفر إلى جزر خاصة أو نهرب إلى البحر، أو ننطوى على أنفسنا، أو نغلق أبوابنا فى وجوه الناس ولا بمقدورنا أن نستخدم نفس السلاح الكيميائى السام.. وإلا أصبحنا مثلهم ويكونون قد نجحوا فى التأثير علينا.
∎ إذن ماهو الحل لنقلل من أذى الناس لنا؟ الحل أن نسافر فى الزمان والمكان.. الحل أن نريح عقولنا قليلاً بأقل صحبة صادقة ممكنة فقد ثبت أن الجلسات الكبيرة العدد تولد فيها بذور غير حميدة على السطح وقد ينهون عن شىء ويأتون بمثله، وقد ينهشون سير البعض من الجالسين، وهم أولى بالنقد وقد يرمون الآخرين بالطوب رغم أن بيوتهم هم من الزجاج الهش وحكماؤنا قالوها: من نظر فى عيوب الناس فأنكرها، ثم رضيها لنفسه فذلك الحمق بعينه وقالوا أيضاً: من هزّ بيت جاره سقط بيته.
∎ إنه مرض اجتماعى خطير يسرى فى المجتمع، إذ أصبح الالتصاق الشديد بالآخرين ضارا جداً خاصة إذا كانت تحكمه المصالح، فما تكاد هذه المصالح تنتهى حتى تبدأ الحرب الكيماوية السامة: تشويه الآخرين وإيذائهم.
∎ فلماذا إذن يلذ للبعض من المشوهين اجتماعياً أن يتساوى معهم كل الناس فى الفشل؟ هل لأن البعض من فاقدى الكينونة والسمعة الحسنة يتمنون لو كان الكل بلا كينونة وفاقدى السمعة؟ وهل هذه المساواة ترضيهم وتريح نفوسهم وتهدئ ثورتهم وتحقق أمانيهم الموتورة هل وهل.
∎ ربما.. كل هذا معاً.. المهم أنه مرض خطير بجد يستحق أن ننتبه له ونتكاتف جميعاً لنجد له علاجاً ناجحاً.
∎ أولى خطوات هذا العلاج أن ننظر إلى أحقادنا وأوهامنا التى تخلَّلت بين خلجات قلوبنا، فتلك الأحقاد كالأورام التى اندسَّت بين طيّات نفوسنا، فنداويها، ونبريها مما فيها ولا نغفل عن علل القلوب وأمراض النفوس بقدر خوفنا من علل الأجسام والأبدان.
∎ ما أحوجنا إلى غسل قلوبنا السقيمة من أحقادنا القديمة كما نغسل أطباق طعامنا، فلن ينجو فى يوم القيامة إلا أصحاب القلوب السليمة والنفوس المستقيمة.. وليبدأ كل منا بنفسه فتعود الحياة أكثر هدوءاً وسعادة.
من أجمل ماكتب الشاعر الكبير محمد إبراهيم أبو سنة:
البحر موعدنا وشاطئنا العواصف
جازف
فقد بعد القريب ومات من ترجوه واشتد المخالف لن يرحم الموج الجبان ولن ينال الأمن خائف القلب تسكنه المواويل الحزينة والمدائن للصيارف خلت الأماكن للقطيعة من تعادى أو تخالف
جازف
ولا تأمن لهذا الليل أن يمضى ولا أن يصلح الأشياء تالف هذا طريق البحر... لا يفضى لغير البحر والمجهول قد يخفى لعارف
جازف
فإن سدت جميع طرائق الدنيا أمامك فاقتحمها ولا تقف كى لا تموت وأنت.. واقف.