«الشعب المصرى نتوهم أنه استسلم، بينما هو يستعد للانقضاض على الظالمين» نتصوره يُسبّح بحمد الطغاة وهو يلعنهم ويلعن الطغيان.
يستمر ساكتا، وفجأة، يزأر، فتهتز الدنيا لهذا الزئير.
يسكن مدة طويلة فتعتقد أنه مات، وفجأة، يتحرك ويثب وينطلق ويحقق المعجزات.
تظنه نائما، وهو يحلم بالخلاص.
لا يجب أن يقيس أحد الشعب المصرى بمقاييس الدول العادية. فحضارة سبعة آلاف سنة جعلت الشعب المصرى أقدر على الصمود، وعلى الصبر من أى شعب آخر.
عظمة هذا الشعب تجىء فى لحظة صدق. قد يختزن آلامه وأحزانه ومتاعبه وعواطفه سنوات طويلة، ثم ينطلق فى لحظة لا يتوقعها أذكى الخبراء بنفسية الشعوب.
ولا يمكن الحكم على هذا الشعب من الظاهر.
مظاهره خداعة: يضحك وقلبه يبكى.
ينكت وروحه تنزف دما.
يحنى رأسه وهو يكز على أسنانه.
يعود إلى الخلف وهو يستعد للانطلاق إلى الأمام.
هذا الشعب لا يفهمه الأجنبى لأنه يقيسه بمقاييس الدول العادية. فى حين أن حضارة سبعة آلاف سنة جعلت الشعب المصرى أقدر على الصمود.
العاصفة لاتقتلعه من الأرض، بل تزيده ثباتا.
الفقر والحرمان والجوع لا تضعف مقاومته بل تضاعف إصراره.
والضربة القاضية لا تسحقه، بل تقوى جذوره.
توقفت طويلا أمام هذا الوصف الرائع للشعب المصرى بقلم الكاتب الكبير مصطفى أمين الذى كنت أتصفح مجموعة من أعماله لتجهيز مقال بمناسبة الذكرى ال 51 لرحيله التى حان موعدها وسط أجواء خماسينية مصحوبة برياح سياسية عاصفة، فإذا بكلماته عن الشعب المصرى ترفع من روحى المعنوية وتعيد إلى وجدانى مشاهد من مواقف شعبنا العظيم الذى سيحسم بإذن الله الأمور لصالح الحاكم الذى يستحقه هذا الشعب الذى صبر طويلا والذى تحمل طويلا، والذى كان وقودا للثورة ومضحيا ليس فقط من أجل الخبز والحرية، وإنما أيضا من أجل الكرامة الإنسانية، مما يجعلنى أثق فى أن الشعب لن يقبل بإعادة استنساخ النظام الذى أهدر كرامته والذى عانى من فساده واستبداده.
الشعب لن تنطلى عليه محاولات تجميل القبيح، ولن يغض الطرف عن أية محاولات لتزوير أصواته أو إجهاض الثورة التى قام بها.
حس الشعب المصرى عادة ما يتجاوز التنظير ويفاجئ الجالسين فى أبراجهم، بما يدعو إلى ضرورة عدم إغفال الطاقة الكامنة فى هذا الشعب العريق الذى يجعل أحدا لا يستطيع بالضبط أن يرصد إلى أى مدى سيأخذنا وعلى أية خطى سوف يسير الشعب هو القائد والمعلم. وعقارب الساعة لا تعود إلى الوراء.