الشاب أحمد الشحات الموصوف , عن جدارة وإستحقاق, بأنه "سبايدر مان" المصرى , الذى تسلق العمارة المكونة من 22طابقاً الكائن بها مقر سفارة الكيان الصهيونى , مغامراً بحياته إن زلت أقدامه أو إنزلقت , ومضَحياً بمُستقبِله إن حُوكم عسكرياً, على قيامه بإنزال العلم الإسرائيلى , وإحراقه , بدعم وتشجيع الألاف المعتصمين أمام السفارة , منذ مساء الخميس الماضى ,والذين حملوه على الاعناق , وشكًلوا سياجاً بشرياً للحيلولة دون القبض عليه أو الوقوع فى يد القوة العسكرية الضخمة القائمة بتأمين السفارة ,ومفجراً شلالاً من الفرح الهستيري والعفوي التى إنتابت الشعب المصرى كله , بما فى ذلك الجنود حُراس السفارة , هذا ال"سبايدر مان" الذى تتجسد فيه عبقرية المصريين وحضارتهم وتاريخهم , وإعتزازهم بكرامتهم التى ثاروا من أجلها , فى 25 يناير , أنجز شيئاً عظيماً , لا أُبالغ إذا قلت أنه بعث بأقوى تحذير إلى هؤلاء الأوغاد الصهاينة أولاد القردة والخنازير. إن أحمدالشحات بعث برسالة رمزية تحمل الكثير من الدلالات والمعانى البليغة , وهى أقوى من كل ردود الأفعال , وأكثر وضوحاً وقوة وفصاحة من كل بيانات الشجب والأستنكار التى صدرت أو يمكن أن تصدر إستهجانا للسلوك الأسرائيلى البربرى والهمجى , بقتل ضباطنا وجنودنا البواسل ,غيلة وغدرا. إذا حاولنا قراءة الرسالة نتبين و من حيث الشكل أن القائم بهذا العمل الجليل هو مصرى ينتمى إلى شباب الثورة الأطهار و الأنقياء الذين يرفضون التبعية والذل والمهانة والإستكانة , وكل الأساليب المقيتة والمرذولة ,التى طالما كان يجسدها المخلوع مبارك الموصوف من هؤلاء الأراذل بأنه "الكنز الإستراتيجى" لإسرائيل , فإذا أخذنا فى الأعتبار الفرح الشعبى العارم بإنزال العلم الإسرائيلى,و تلاحم المعتصمين مع "أحمد الشحات",فإن الرسالة تكون بمثابة "إنذار شديد اللهجة" للصهاينة,وتذكير لهم من شعب "مصر" الجديدة الثائرة على الظلم والطغيان , بأن كنزكم الإستراتيجى ,قد راح وتبخر .. أما من حيث موضوع الرسالة فهى تدل بوضوح ,بل وتنطق سطورها وتصرخ بأن أساليب المخلوع وردود أفعاله المهينة على جرائمكم, قد سقطت معه,بل أن هذه الأساليب هى ذاتها كانت مما ساهم فى ذهابه إلى سلة مهملات التاريخ , وأنه إذا كانت لدينا حكومة تَربى بعض أفرادها فى ظل نظام الخنوع والخضوع البائد,وأن هذه الحكومة نتيجة سوء إختياراتها وإفتقادها للبوصلة الثورية ,إلى درجة أنها تراجعت عن سحب السفير المصرى من إسرائيل, فإن عليكم أن تفهموا أيها المجرمين , من الآن فصاعداً , أن أى جريمة ترتكب بحق أى مصرى, لن تمر هكذا بدون عقاب, فقد إنتهى ذلك الزمن الذى هبطت فيه قيمة المواطن المصرى الى الحضيض,ما جعل أمثالكم يستمرؤن التمتع بقتل جنودنا على مدار سنوات حُكم المخلوع , بل أن عليكم أن تتحسسوا مواضع كلماتكم قبل أن تنطقوا بها أو تخرج من أفواهكم , فلم يعد مقبولاً منكم تلك العنتريات الكلامية التى تحلوا لكم وأنتم مطمئنين, على شاكلة أنكم تفكرون فى إعادة إحتلال سيناء ومالى ذلك من أكاذيب تضحكون بها على أنفسكم , وشجعكم عليها "خائن" خلعناه ,كان يدعو خنازير منكم لتناول الأفطار معه فى شرم الشيخ ,فى كل مرة تتطاولون فيها على مصر الأبية , بل ويفرج لكم عن الجواسيس الذين لا تكفوا عن تجنيدهم علينا . إن رسالة شعب مصر قد وصلت وفهمها الصهاينة جيدا , فقد أصابتهم بالرعب , إذ أنهم وللإنصاف لا يؤمنون إلا بالأفعال , ولا يخشون سوى "الشعوب العربية", لأنهم يدركون جيدا كم أن هذه الشعوب تمقتهم وتلعنهم فى كل كتاب, وكم كسبوا هم من خروج مصر وشعبها عن الصف العربى قبل أكثر من ثلاثة عقود مع توقيع معاهدة كامب ديفيد اللعينة, وهذا يفسر لنا علاقاتهم الحميمة بالمستبد المخلوع الذى كان عميلاً نادراً لهم ,ويعطيهم من كرامتنا وثرواتنا بأكثر مما كانوا يحلمون .. إن الرسالة المصرية التى أبتكرها هذا الشاب العبقرى بمصريته الأصيلة , قد أتت مفعولها ,فهاهم الصهاينة يتراجعون عن تصريحاتهم العنترية , ويغيرون من لهجتهم المتغطرسة , ويتنازلون ب"الأسف" الذى لم يكونوا يعرفونه من قبل , وها هم يبعثون الوسطاء ويجرون الإتصالات من أجل تجاوز الأزمة ,والخروج من هذه الورطة التى حشروا أنفسهم فيها , والأهم إدراكهم أنهم الآن فى مواجهة شعب , وليس هناك من يجرؤ على تجاوزه ,أو إهانة مشاعره على نحو ماكان يفعل المخلوع, الذى أختزل مصر كلها فى شخصه. للأسف فإن إسرائيل إعتادت فى عصر المخلوع على أن تقوم مصر بدور الخفير المستخدم عندها , فقد كان واجباً علينا حصار الأشقاء فى غزة , وتأمين الحدود لهذا الكيان المُحتل , ثم علينا أن نتلقى الإهانات صاغرين كلما عنَ لهم ذلك , وكلما تعرضوا لعملية فدائية , فقد كان من طبائع الأمور فى مثل هذه الحالات , أن تمتد غاراتهم على الفلسطنيين إلى رفح المصرية , ولا يعنيهم إن تعرضت منازل المصريين هناك للقصف وقُتل منهم من يُقتل, ولا يشغلهم أن يتعرض حراس الحدود من جنودنا للقتل بصواريخهم ومن جراء غاراتهم , ناهيك عن إختراق أجوائنا , وهو الأمر المُحًرم والمُجًرم دوليا من الناحية القانونية .. وقد كانت هذه السلوكيات هى خطط جاهزة لدى العسكريين الصهاينة , وهذا ما حدث هذه المرة كما هو معتاد , إذ فات على السياسيين الصهاينة أن يراجعوا هذه الخطط التى لم تعد تصلح للتعامل مع مصر الثورة , فهم وإن كانوا قد أدركوا منذ بدايات الثورة أهم قد خسروا كثيرا بسقوط عميلهم أو حليفهم المخلوع , فقد فاتهم تعديل أساليبهم المتغطرسة, ولم يحسبوا أن هذا البركان من الغضب سوف ينفجر ضدهم ,بعد أن صارت مثل هذه الجرائم مرفوضة تماما من المصريين المتحررين لتوهم من استبداد مبارك , إذ أن وجود ال"كرامة" كأحد مكونات شعار الثورة الأساسى(عيش – حرية – كرامة), إنما يعنى أنها ثورة على كل ماهو مهين من التعامل بإنهزامية وإستسلام مع إسرائيل , وتسمية الأشياء بغير مسمياتها , مثل مصطلح "ضبط النفس" ,الذى كان يعنى أن يتصرف الصهاينة بكل غطرسة وعجرفة وبلطجة تجاهنا , وبعدها ينتهى الأمر بمكالمة تليفونية مع المخلوع , وليذهب الشعب المُهان إلى الجحيم .. وبعد ..الآن نقول بإطمئنان إن الثورة ماضية فى طريقها الصحيح . (كاتب صحفى) [email protected]