أشعر أن تلك المقدمة ليس مكانها فى البداية ولكن مكانها الصحيح فى نهاية الموضوع لأنى استخلصت إليها بعد انتهائى من هذا التحقيق، فالمشكلة التى سأتحدث عنها هى عرض اقتراح مشروع مقدم فى مجلس الشعب من قبل النائب ناصر شاكر بخفض سن الزواج من 81 إلى 61 عاماً وكيف وأن عرفت الموضوع جاء بذهنى شكل المجتمع الذى سيتغير واحتمالية ارتفاع نسب الطلاق لعدم الوعى وإنجاب أطفال تعانى من نقص الوعى والتربية ولكن بعد التفكير وجدت أننا بالفعل نعانى من تلك المشكلات وبكثرة، فلدينا نسب طلاق عالية وخلع أيضا وتفكك أسرى ونعانى جميعا من نقص التربية ونقص الوعى ونقص التعليم برغم ارتفاع نسب خريجى الجامعة إلا أننا جهلاء، فهذا القانون وإن طبق لن يرغم الفتيات على الزواج، فنحن وبالصدفة نعيش فى مجتمع به 31 مليونا متأخرا فى الزواج، فزواج الفتيات الصغيرات يحدث من سنوات عديدة وليس فى عمر ال61 وحسب ولكن فى عمر ال21 وال41 سواء بشهادات التسنين أو بالزواج العرفى ولن يوقف تلك المشاكل اقتراح مشروع جديد فالأهم من السطور القادمة التى تتناول تحليل المشروع ومدى جدوى تنفيذه من عدمها هو الوصول إلى طرق حل المشكلة من جذورها.
يقول أ. د. محمد محرم المنسق الإعلامى لحزب النور:
إن مشروع قانون خفض سن الزواج قد أخذ الموافقة من لجنة المقترحات والشكاوى وهو الآن فى اللجنة التشريعية وإذا وافقت عليه سيتم طرحه على الأعضاء للتصويت عليه ويشرح وجهة نظر النائب ناصر شاكر فى طرح القانون بأن هذا المشروع جاء علاجا لمشكلة خطيرة تحدث فى الريف ومع الأسر البسيطة ألا وهى تزويج بناتهن اللاتى لم يصلن إلى السن القانونية بشكل غير رسمى وينتظروا عاماً أو أكثر لتوثيق الزواج عند مأذون وأحيانا تحدث أشياء مثل الإنجاب أو التطليق أو وفاة الزوج أو زواجه من أخرى قبل توثيق العقد وتحدث مشاكل عديدة للزوجة لا تستطيع الوصول فيها إلى حقوقها الشرعية ففكرنا فى هذا المشروع حتى نقلل من نسبة حدوث مثل تلك المشاكل.
ولكن ألا ترى أنه من الأفضل حل تلك المشكلة وتوعية هؤلاء الفتيات والأهالى بضرورة الانتظار حتى تصل الفتاة إلى السن القانونية؟
- قد يأخذ هذا وقتا طويلا جدا بالإضافة إلى أن تلك المجتمعات قد ترى فى الزواج حلا للخروج من دائرة الفقر أو للتخلص من عبء الفتاة ومصاريفها أو لأنهم يرون أن الزواج سترة والانتظار لحل تلك المشكلة من جذورها سوف يضيع أعواماً وأعواماً على مشاكل هؤلاء الفتيات وأولادهن فلابد من حل سريع.
تقول الدكتورة شريفة شرف استشارى أمراض النساء والعقم:
إن الفتاة كلما كانت أصغر من سن 81 عاماً فهى عرضة بقوة لمشاكل عديدة بدءا من العلاقة الحميمية حتى الحمل والإنجاب فإذا بدأنا بجسد الفتاة سنجد أن أعضاءها التناسلية لاتزال فى طور النمو، كما أن انتظام العلاقة بين المخ والمبيض يأخذ حتى ثلاث سنوات من بداية حدوث الدورة الشهرية فأحيانا تأتينى بنات تزوجن فى سن ال61 ولم يحملن حتى سن ال12 وخضعن لمختلف أنواع العلاجات والجراحات ويكون السبب أنها تزوجت قبل بدء انتظام العلاقة بين المخ والمبيض وتكون أدخلت نفسها فى دائرة يصعب الخروج منها، أما بالنسبه للعلاقة الحميمية فى سن مبكرة قد تؤدى إلى التهابات شديدة تصل إلى الرحم وتؤدى ليس فقط إلى تأخر الحمل ولكن إلى العقم، أما المرحلة الأخطر والأهم هى حدوث الحمل والتى قد تعانى فيه الفتاة لكثير من المشاكل مثل إرتفاع ضغط الحمل الذى قد يؤدى إلى تسمم الحمل ويصل إلى وفاة الجنين أو الأم أو أن تتعرض الفتاة إلى أنيميا شديدة بسبب ضعف تكوينها وتستمر معها بقية حياتها أو أن تتعرض إلى الولادة المبكرة وفى هذا يتعرض الطفل إلى عدة مخاطر أو أمراض ويظل بالحضانة إلى شهور عديدة.
يقول د إيهاب عيد استشارى الطب النفسى:
الحقيقة أنى أرى الموضوع من أكثر من زاوية وقد يغضب رأى بعض الحقوقيات فى قضايا المرأة ولكنى أرى بأن الفتاة عادة ما تنضج عقليا ونفسيا وعاطفيا قبل الرجل وبخاصة فى مجتمعنا الشرقى، حيث إنها تتحمل أعباء كثي
رة داخل المنزل مع والدتها وأحيانا تساهم فى تربية أخواتها الأصغر بالإضافة إلى أننا أصبحنا فى مجتمع مفتوح يتيح للفتاة التعرض لمختلف أنواع الخبرات وهى فى سن صغيرة فأحيانا تقابل فتاة فى عمر ال41 وتجدها ناضجة فكريا أكثر من فتاة فى عمر ال42 فتطبيق هذا القانون لا يجب الحكم على صحته أو خطئه بشكل مطلق، لأن ظروف الناس فى مجتمعاتنا متفاوتة للغاية ولكل بيئة ظروفها الخاصة فإذا وصلت الفتاة إلى سن ال61 ولم ترد إكمال تعليمها أو لم يستطع أهلها الاستمرار فى مصاريف تعليمها وجاءها زوج مناسب لن يستطيع أحد أن يقول لها لا تأخذى هذه الخطوة
ولكن فتاة فى عمر ال61 لم تكمل تعليمها هل تستطيع أن تكون وصلت لمعايير الاختيار السليم وتكون توصلت لمعرفة ماذا تريد فى شريك حياتها بالإضافة إلى قدرتها على تربية الأطفال هل تمتلك هذه القدرة فى هذا السن الصغيرة؟
- بالنسبة إلى معايير الاختيار فهى ليست لها سن محددة قد تتصور فتاة فى سن ال52 أنها تعرف ماذا تريد فى شريك حياتها وبعد الزواج تكتشف أنها غير سعيدة وقد يحدث هذا بالنسبة للزوج أيضا فالنظرة للزواج قبل الدخول فيه مختلفة كثيرا عن ممارسته أما بالنسبة إلى تربية الأطفال فتلك أيضا مشكلة لكل الأمهات لا يمكن التغلب عليها إلا بالثقافة الواسعة والاطلاع وسؤال أهل الخبرة والتخصص فالأم ذات ال52 عاما لن تكون بالضرورة أفضل من الأم ذات ال61 عاما فبالإضافة إلى قرب السن بين الأم وأبنائها سيزيد من عوامل التماسك الأسرى
إذا افترضت معك أن الفتاة تجاوزت مشاكل اختيار شريك الحياة ومشاكل تربية الأبناء ونظرنا إليها كامرأة لم تحقق أى شىء فى حياتها سوى الزواج وتربية الأبناء لأنها من المؤكد لم تدرس بالجامعة ولم تعمل ألا يمكن أن يصيبها هذا بالاكتئاب أو بالنقص لأن كلاً من زوجها وأبنائها لديهم حياتهم ومشاغلهم وهى لا؟
هذا يعيدنا إلى نقطة البداية مرة أخرى عندما قلت أنها مشكلة نسبية وبالتأكيد الفتاة التى تمتلك طموحا قويا أو امالاً بعيدة لمستقبلها لن تقدم على الزواج فى مثل هذه السن وبالتالى لن تتعرض لمثل تلك الإحباطات، ولكن أنا أتحدث عن شريحة ليست بقليلة لا تريد سوى الزواج والبيت والأبناء وهذا هو منتهى طموحها فيكون حرمانها من هذا الحق غير عادل تقول شيماء محمد إحدى المتطوعات فى إحدى الجمعيات الخيرية:
إن الموضوع ليس صعبا للغاية وأن تلك المشاكل لا تحتاج إلى مئات السنوات فى حلها فأنا من خلال عملى التطوعى والتوعية فى المناطق الفقيرة والنائية والتى تعد عالما منفصلا لم أكن أعرف عنه شيئا ولا أعتقد أن كثيرين ممن يتحدثون عنه وباسمه يعرفونه هم أيضا، فهؤلاء الناس عطشى للمعلومة فكثيرا منهم يتصرف خطأ وبحسن نية وهم لا يعرفون أنه خطأ وفور معرفتهم يعدلون فورا عن قرارهم، فمثلا آخر الحملات التى اشتركت بها كانت عن فيرس سى وكيف أنه ينتشر بطرق فى مننتهى السذاجة مثل أن يلعب الأطفال فى الشارع بالمخلفات الطبية أو أن يسيروا فى الشارع حفاة بمجرد نزولنا للأطفال فى المدارس وتوعيتهم وجدناهم يرتدون أكياساً ويزيلون المخلفات الطبية من الشوارع وبمجرد أن وزعنا أحذية عليهم انتعلوها وعرفوا الخطأ من الصواب وأصبح هؤلاء الأطفال من يقومون بتوعية أهاليهم فلك أن تتخيلى مدى صعوبة المشكلة ومدى بساطة حلها أليس هذا أفضل من عقد المؤتمرات وعمل الندوات وحلقات النقاش الإعلامى وحديث الخبراء والمتخصصين.
فى النهاية لا أرى أمامى حلا غير هذا.. رجاء هيا بنا نحيا على كوكب واحد نشعر بمشاكل بعضنا البعض ومن يستطع أن يساعد فعليه بالبدء فورا لقد سئمنا المنابر العالية واللجان والمقترحات ومشاكل وأبحاث فى أوراق لا تخرج من الأدراج.. فلا أرانا غير أننا نخبىء شقوق الجدران بورق الحائط وننتظر سقوط البناية فى هدوء وترقب.