غالباً لا يحاور الإعلام رسامى الكاريكاتير ولا الصحفيين، لأنهم ببساطة «أهل الصنعة»، لكن الأمر مختلف مع صباح الخير وروزاليوسف، «بيت الكاريكاتير».. ذهبت صباح الخير لتحاور أحد أبنائها عمرو سليم، ابن مدرسة روزاليوسف، الذى أسس مدرسته فى صحف جديدة، لنعرف منه كيف يصور الكاريكاتير الشخصية المصرية فى البداية تحدث عمرو سليم قائلاً؟: [-]
الشخصية المصرية فى الكاريكاتير كما هى فى الواقع شخصية متناقضة متغيرة، فرحة وفخورة أحيانا، بل ومتشفية كما كنا أيام الثورة، ومنكسرة أحيانا أخرى، «المصرى جبان أحيانا وناصح ومتمرد أحيانا أخرى.. وده سر عبقريته»، لكن تظل السمة الأساسية عند المصرى هى روح الفكاهة التى لم تفارقه أبدا.
ويتابع: قبل ثورة يناير كان الكاريكاتير المصرى يركز على فضح ممارسات النظام السابق، كتزوير الانتخابات، وبيع القطاع العام، ومحاولات توريث الحكم. لكن البعض كان يرى فى ذلك مجرد تهدئة نفسية حتى لايصل الناس إلى مرحلة الانفجار ممايحدث؟
- نفس هذه الرؤية طرحتها على صحفية فرنسية قبل ثورة يناير بأسابيع، وقالت لى «نعرف أن الدول العربية ليس فيها ديمقراطية، لكن الحكام يستغلون ماتقومون به فى وسائل الاعلام، ليدللوا على وجود ديمقراطية»، فقلت لها نحن ندرك هذا، لكننا أيضا نستغلهم، فى استثمار تلك المساحة فى طرح آرائنا، ونراهن على تراكمها على المدى الطويل. الحنين إلى الديكتاتورية
وما الذى حدث بعد الثورة؟
- بعد الثورة اعتقدت أن دورى قد انتهى، وأن دورى لن يخرج عن إعادة السلوكيات الجميلة على طريقة «لاتقطف الزهور»، وبقيت هكذا لمدة عشرة أيام بعد تنحى مبارك، أشعر بفراغ، وفعلا رسمت نفسى وأنا أفكر وحيران ماذا أرسم. لقد ذهب مبارك وعز وغيرهما ممن كنت أنتقدهم؟ حتى جاءنى صحفى أجنبى، وقال لى «إن فنانى الكاريكاتير فى أمريكا اللاتينية الذين سقطت لديهم الديكتاتورية، يتذكرون أعمالهم التى أنجزوها أيام الديكتاتورية بكل حنين».
فقلت له سيكون دورنا فى مرحلة مابعد الثورة أقوى، سنساعد فى بناء الدولة، وبدأت الأحداث بعدها تشير إلى وجود ذيول للحزب الوطنى مازالت تلعب، وشيئا فشيئا وجدت أن دورى أن اكون مع الشارع وليس مع أى سلطة، وقلت للفنانين الموجودين معى بالقسم لقد كنا أحد الأسباب التى دفعت هؤلاء الشباب الذين ماتوا فى التحرير للنزول فى الميدان، وعلينا أن نسعى لنحقق لهم ماكانوا يحلمون به.
ويبدو أن كل المكاسب التى أخذناها بعد الثورة لم تأت إلا بإسالة الدماء وسحل الفتيات، فبعد أن كان المجلس العسكرى يعلن أنه سيغادر السلطة فى 2102 أعلن أنه سيتركها فى يونيو2012 وبعد مقتل 44 شخصا فى بورسعيد تم توزيع المسجونين من المسئولين السابقين على عدة سجون، وهو المطلب الذى طالما طالبنا به.
يتوقف عمرو قليلا ثم يكمل: دور رسام الكاريكاتير ليس دور الصحفى، وإنما هو دور من يضغط على السلطة كل يوم ليعيد الحق لكل مصرى، ولهذا لاينبغى أن يكون رسام الكاريكاتير منفذا لأفكار غيره كما فعل مصطفى حسين، الذى أعاد فى رأيى المهنة خمسين عاما للوراء.
ويتابع عمرو، فنانو الكاريكاتير المتميزون المنتشرون فى الصحف الخاصة الآن هم الذين تربوا على كاريكاتير روزاليوسف وصباح الخير، ومع عودة الدستور 2005 أسست قسما للكاريكاتير ضخ عشرة رسامين، انتشروا فيما بعد فى جريدتى المصرى اليوم والشروق، وأعادوا روح الشخصية المصرية، فى الوقت الذى كان فيه فنانو الكاريكاتير فى الصحف القومية «الأهرام والأخبار والجمهورية» أداة تجلس فى حجر السلطة.[-] كيف يصور الكاريكاتير الشخصية المصرية بعد ثورة يناير؟
- الكاريكاتير يرصد تلك الشخصية التى صنعت الثورة، جيل مختلف، «صحيح بيلبس بنطلونات واقعة، وبتاع فيس بوك وبلاى استيشن، لكنه تعلم منها أن الحياة زى البلاى استيشن، لو خسر جولة يضغط على الزر ويلعب تانى، ولو كسب يطلع لمستوى أعلى، عشان كده بيفكر يكسب إيه من الثورة».
ويكمل، ما يبرزه الكاريكاتير بعد ثورة يناير فى الشخصية المصرية هو ذلك المعدن الأصيل للمصرى، الذى يشعر بهزيمة سياسية، لكن ليست هزيمة شعبية، لذا هو يظهر غضبه بعد أن كسر حاجز الخوف، فهو لا يرضى عن الطريقة التى تحكم بها مصر الآن، ولن يسمح بحكم ديكتاتورى مرة أخرى. [-]
ألا يمكن للكاريكاتير أن يظهر الشخصية المصرية فى حجمها الطبيعى طوال الوقت، بدلا من أن يعظمها تارة، ويحرقها تارة أخرى؟
- لن يستطيع الكاريكاتير أن يفعل ذلك، لأنه فن تقدمى محرض، مهمته السخرية من الأوضاع «النص نص»، فن الحقيقة الصادمة، التى يكشف عنها بمشرط الجراح، لأنه يسعى للأفضل، والسخرية هى وسيلته حتى لو رآها البعض جلدا للذات. ليس برلمانا للثورة
كيف ترى قضايا المرأة فى كاريكاتير مابعد الثورة، خاصة أننا كنا نلاحظ تناقضا بين ماكان يطرح من قضايا لصالح المرأة قبل الثورة والكاريكاتير الذى يناقض هذا تماما خاصة فى الصحف القومية؟
- قضية المرأة بعد الثورة هى قضية المجتمع كله، لأن المجتمع لابد أن يمثل بجميع فئاته، ويتحرر كل أفراده، لن نسمح لأحد أن يحولنا إلى أفغانستان أو باكستان، كل النساء يجب أن يحصلن على حقوقهن، وكاريكاتير مابعد الثورة يركز على هذا، وكان البعض يرفعون كاريكاتير للرسام قنديل خلال المسيرة الاحتجاجية التى خرجت احتجاجا على سحل الفتيات.
ويتابع عمرو: الكاريكاتير الآن قضيته قضية تحرير كامل، لايسمح بعودة المرأة للبيت تحت دعاوى توفير فرص العمل للرجال، وإذا صدرت مثل هذه الدعاوى عن البرلمان سنظهر أنه ليس برلمانا للثورة.