كتب "نيتشه": "انها لحماقة جميلة لعبة الكلام هذه، بواسطتها يمكن للإنسان أن يرقص فوق الأشياء".. ويبدو أن هذه العبارة هي التي أوحت لكلا من فيلسوفي اللغة الإنجليزيين: "أوستين" في بحثه الشهير "كيف تفعل الأشياء بالكلمات" و "سيرل" في كتابه عن الأفعال الكلامية (أو أفعال القول)، ببناء نظرية متكاملة ومبتكرة.في فلسفة اللغة. وحسب " فتجنشتين " في كتابه " بحوث فلسفية ": فإن قول العبارات أو التلفظ بها هو في الحقيقة تحقيق لأفعال معينة، مثل أفعال الأمر والاستفهام أو التأكيد، بهدف إحداث تأثير ما علي الطرف الآخر في الحديث أو الحوار، من مفاجأة أو إبهاج أو إزعاج أو تعكير.....إلخ. لكن الكلمة ليست لعبة وإنما هي "فعل" جاد، وربما، خطير. ومجمل فلسفتنا - كما قال نيتشه - هي تعديل استعمالنا للغة. . وحسب الفيلسوف " جون سيرل " فإننا عن طريق الاتفاق الانساني: نخلع منزلة جديدة علي ظاهرة ما. ان تنظيم الواقع في عالم من المفاهيم هو مركز الفلسفة علي النطاق العالمي، ومن هنا قال " فتجنشتين " أيضا إن الوعي بالعالم لا بد من أن يقع خارجه. ففي العالم كل شيء علي ما هو عليه، ويحدث بالصورة التي يحدث بها. ولا توجد قيمة فيه واذا وجدت فستكون بلا قيمة. واذا كانت هناك أشياء لها قيمة فلا بد ان تكمن خارج كل ما يحدث. وأكبر التحديات التي واجهت العقل علي مر العصور، فهم أو الوصول الي الأشياء التي نعرف أنها موجودة ولا نستطيع ان نراها. إذ ليس كل ما هو حقيقي ومفيد، يلمس ويري. فالزمن مثلاً، حقيقي ولكن لا يمكن إدارته بصورة كفء إلا عند تمثله الساعة والتقويم الزمني. واخترع الانسان، علي مر العصور، أنظمة وصفية تمثيلية مثل: الكتابة، النوتة الموسيقية، الرموز، الرياضيات وغيرها، ليدرك بالعقل ما لا يمكن لمسه أبداً. كما ان للحياة درجات مختلفة من الواقع كثير منها غير مرئي ولا نستطيع الوصول إليها إلا من طريق التوصل لأدوات التمثيل المناسبة. وأشهر قياس للتمثيل هو ما أورده أفلاطون في كتابه " الجمهورية " حيث تم تشبيهنا بالسجناء المقيدين بالسلاسل في كهف وظهورنا للداخل بحيث ان كل ما نعرفه عن العالم هو الظلال الساقطة علي الحائط الذي أمامنا. وما يدل عليه هذا التصوير هو ان أشياء كثيرة مما نسترشد بها لتحديد مصيرنا ليست واضحة بذاتها، وهذا هو السبب في ان الانسان عمل بجد لاقامة نظم التمثيل اللازمة للوصول الي وإدراك الجانب الافتراضي في واقعنا وتمثيله بمقاييس يمكننا فهمها، وهو ما سماه الفيلسوف " دانيال دينيت " بالتمديد الاصطناعي للعقل. ومن خلال التمثيل فإننا نجسد جوانب أساسية للعالم حتي نغير من الطريقة التي نفكر بها فيه. الأفكار في مجال الفلسفة ليست (آراء)، أو قل لا توجد آراء في الفلسفة.. لأن الفلسفة - إذا جاز التعبير - هي العلم الموضوعي بالحقيقة، إنها معرفة ضرورية، فهي معرفة وليست رأيا أو سردا لآراء. وحسب هيجل: ''ليس الإنسان هو الذي يصنع الفلسفة، بل إن الفلسفة من خلال الإنسان تصنع ذاتها''. وقد شكك الفيلسوف الاستثنائي نيتشه ، في أشهر مقولة فلسفية في تاريخ الفلسفة كله ، وهي عبارة أبو الفلسفة الحديثة " رينيه ديكارت " (أنا أفكر إذا أنا موجود) ، وكما لاحظ العبقري ميلان كونديرا: '' فإن الفكرة تأتي عندما (تريد هي) لا عندما (أريد أنا) ؛ لذلك فإنها حقيقة مزورة تلك التي تدعي أن الفاعل ''أنا'' ضروري للفعل ''أفكر''.