4 - 1 - 1894 التاريخ والسياسة الفصل مستحيل بين التاريخ والسياسة وحركة المجتمع الاقتصادية والثقافية، ذلك أن منظومة الحياة الإنسانية لا تكتمل إلا باجتماع هذه العناصر جميعا، لكن الابتعاد عن خلط الأوراق مطلب لا غني عنه عند التصدي للكتابة التاريخية، وأخطر أنواع الخلط هو ما تصنعه الأهواء والانحيازات السياسية والايديولوجية، فعند ذاك يفقد المؤرخ في حياده وموضوعية، ويتخلي عن علمه ونزاهته، ويتحول إلي داعية يشوه ويفسد. محمد شفيق غربال، المؤرخ المصري الجليل المولود في الرابع من يناير سنة 1894، واحد من رواد الكتابة التاريخية العلمية المنهجية، أولئك الذين يحتكمون إلي العقل والمنطق، ويحكمون بالوثيقة والدليل والبرهان، ولا يتورعون عن الوصول إلي ما يرونه حقا وصوابا دون النظر إلي المؤثرات الخارجية والضغوط العاطفية، سلبية كانت أم إيجابية، فلا فارق هنا بين النوايا الطيبة والسيئة، فالمسألة نسبية مراواغة زئبقية، والتاريخ لا يصنع بالنوايا ولا يكتب بها!. يكتب الرائد الجليل محمد شفيق غربال متمسكا بالمنهج العلمي الذي لا تتقدم الأمم ولا ترقي الشعوب إلا به، والمؤسف بحق أن الأغلب الأعم من دراساته العميقة وبحوثه المتميزتة قد تعرضت للتهميش والاهمال، بعد أن تغيرت الخريطة السياسية في أعقاب ثورة يوليو، وهو التغيير الذي انعكس علي التاريخ، فقد ظهرت أصوات ساذجة أو منافقة، تزعم أن ما قبل الثورة كان شرا خالصا، وأن الأسرة التي حكمت مصر قرنا ونصف القرن لم تقدم إنجازا وحيدا يستحق الإشادة والتقدير، فيا للبعث بالتاريخ وما أفدح أضراره!. تحتاج مصر إلي مدرسة تاريخية علمية غير ذات هوي، تضع السياسة في مكانها الصحيح بلا تطرق مرذول، وتقدم قراءة متزنة متوازنة لا انشغال فيها بالانتصار لتيار أو حزب أو نظرية، وينصب الاهتمام كله علي مراودة الحقيقة والبحث عن المعطيات الصائبة التي يمثل الجهل بها مدخلا أكيدا للغيوبة وضياع الوعي. محمد شفيق غربال مؤرخ محترم ملتزم، وقد يختلف بعض القراء مع إنجازه العلمي، وربما يجتهدون للوصول إلي نتائج مغايرة واستنتاجات مختلفة، لكن الاحتياج إلي مدرسته الرصينة مطلب ضروري. فالتاريخ في جوهره علم إنساني، وأمانته جديرة بالمراعاة، والمؤرخ الجيد لا يمكن أن يضع العربة أمام الحصان!.