مع حلول عام 2011 قد يكون من المفيد تقييم الأوضاع المتصلة بالقضية الفلسطينية ليس فقط لقياس مدي التقدم الذي تم تحقيقه علي مدار عام مضي، وإنما لتوفير قاعدة تسمح بتقييم التحركات المستقبلية، وفي هذا الخصوص يلزم إبراز مجموعة من الأحداث التي تندرج في ملفات تُشكل في مجملها مؤشرات يلزم تتبعها في بداية العقد الحالي، وأبرز هذه المؤشرات ما يلي: أبرزت آخر الصور التي التقطت في العام المنصرف رئيس السلطة الفلسطينية يضع حجر الأساس للسفارة الفلسطينية في البرازيل، وهي تعد أول سفارة فلسطينية في الأمريكتين، وعلي الرغم من أن هذا الإجراء يعتبر من وجهة نظر القانون الدولي سابقاً لأوانه لعدم تجسيد الدولة علي أرض الواقع، فإنه يرسم ملامح صورة فريدة تتجسد فيها ملامح السيادة قبل ميلاد الدولة وذلك بإنشاء السفارات وإضفاء مفهوم جديد علي الاعتراف باعتباره يتصل بشرعية قضية وليس بكيان قائم بالفعل في مواجهة تعسر عملية ميلادها من خلال المفاوضات. تضمنت آخر التصريحات الصادرة في2010/12/31 الحديث عن رؤية جديدة للسلام عبر "التقدم بخطة تستند إلي القرارات الدولية بدلا من الاستمرار في عملية سلام تدير الصراع ولا تحله". ومن اللافت أن هذا الطرح الجديد جاء علي لسان الرئيس الفلسطيني الذي ما فتئ التأكيد أن المفاوضات هي الخيار الوحيد أمام شعبه لتحقيق ثوابته الوطنية. وبعبارة أخري فإن قراءة هذا التصريح من قبل الرئيس محمود عباس سواء من حيث التوقيت (وضع حجر الأساس لسفارة بلاده في البرازيل) أو السياق العام (انهيار خيار المفاوضات وجلاء قصور عملية التفاوض ومحدودية نفوذ راعيها) تشير إلي أن الخيار الفلسطيني يسير في اتجاه الحلول "المفروضة من الخارج" علي أساس معايير الشرعية الدولية، واستناداً إلي العزلة المتزايدة لإسرائيل علي الساحة الدولية نتيجة لموقفها المتمسك بسياسة الأمر الواقع من خلال الاستيطان والتهويد. أكدت المواقف الأمريكية في نهاية العام تلاشي الآمال التي علقها البعض علي سياسة "التغيير" التي بشر بها باراك أوباما المرشح للرئاسة الأمريكية، والعودة إلي التحليلات العقلانية والتي أشارت منذ البداية إلي أن السياسة الأمريكية تسير في خطوط ثابتة وواضحة يلتزم بها الرؤساء المتعاقبون علي البيت الأبيض وإن اختلفت وسائل تعبيرهم عنها. ولعل هذه الحقيقة تصعب من التوجه الفلسطيني الجديد والذي يعول علي "الخارج" لتحريك قضيته من خلال ضغوط متتالية ومتتابعة من مجلس الأمن الدولي لتحديد ملامح التسوية، فإذا كانت إسرائيل قد استخدمت "حق الفيتو" علي المستوي الإقليمي، فإن الولاياتالمتحدة تلوح باستخدامه علي المستوي الدولي لوأد الانحراف عن مسار المفاوضات، وفي الوقت الذي تعجز فيه عن تحريكه. أسُدل الستار علي عام 2010 والخلاف بين المكونات الرئيسية للحركة الوطنية الفلسطينية، خاصة حركتي فتح وحماس، مستمر بل ومستعر؛ حيث تعثرت جهود المصالحة والتي عادت مجددا لتصطدم بملفات عالقة تتصل بالأسري الفلسطينيين، ليس لدي الاحتلال، في سجون كل من السلطة في رام الله، والحكومة المقالة في غزة. وبعبارة أخري، استمرار النزيف الداخلي الفلسطيني وانشقاق الصف، الأمر الذي يؤكد الصورة التي تشكلت خلال الأعوام الماضية عن الطرف الفلسطيني وهي صورة التشرذم والانقسام علي خلفية من الاتهامات المتبادلة بالعمل لحساب قوي إقليمية، تحتل مصالحها موقع الصدارة علي تلك الخاصة بالشعب الفلسطيني. مع نهاية العام تبلورت معالم التصدع الداخلي لحركة فتح علي النحو الذي دار الحديث عنه منذ فترة وتم الكشف عن بعض ملامحه مؤخراً مع صدور قرار تجميد عضوية أحد أعضاء لجنتها المركزية والمطالبة لمثوله لتحقيق داخلي يتصل بمساع لزعزعة السلطة من الداخل، ودون الدخول في تفاصيل هذا الملف الشائك، فإن خطورته تكمن في تداعياته المحتملة ليس فقط من خلال الكشف عن مراكز للقوي داخلها، بما يتطلبه ذلك من تصحيح، ولكن أيضا والأهم من التسريبات المتصلة بقضايا فساد تتصل بعناصر أخري قد تؤدي إلي تأكيد ما يسوقه خصومها منذ فترة من الزمن. انتهي العام دون أن يتم الكشف عن عناصر التحرك العربي المستقبلي في مواجه "الفراغ" الحالي في مساعي التسوية، في وقت تدور فيه نقاشات حول انعقاد القمة العربية المقبلة وما يحيط به من غموض سواء من حيث مكان الانعقاد المقرر له (بغداد) وما يعنيه ذلك من مستوي التمثيل والمشاركة وحسم القرارات ومصيرية التوجهات.