قضيت يوما كاملا هو أمس الأول الاثنين مع الرواية بوصفها حرية بديلة. في الصباح من الساعة الحادية عشرة إلي الساعة الثانية ظهرا كانت المائدة المستديرة التي كنت أديرها في مؤتمر الرواية الخامس بالمجلس الاعلي للثقافة.. وفي المساء من السادسة إلي التاسعة كانت الجلسة الثانية.. وأول ما لاحظته هو اضطرار المجلس الأعلي للثقافة إلي أن يجعل الجلسة علي مرتين بسبب الإقبال الشديد من الكتاب للمساهمة في الموضوع.. أكثر من خمسة عشر متحدثا رئيسيا حول المائدة في كل جلسة وضيوف يصعب حصرهم واهتمام كبير من القنوات الفضائية المصرية وغير المصرية.. كان كل المشاركين كتابا لهم شأنهم في الرواية المصرية والعربية ومن مختلف الأجيال. ومن الاسماء التي شاركت مثلا في الحوار سلوي النعيمي وليانة بدر وليلي الأطرش وعلوية صبح وسميحة خريس ونادية الكوكباني وهالة البدري والدكتورة فاطمة المحسن وفوزي شويش السالم وراضية أحمد وسهير المصادفة وإيمان حميدان ورزان مغربي وهويدا صالح وصفاء عبدالمنعم وأماني خليل وأحمد أبوخنيجر وحمدي الجزار وطارق الطيب وعادل عصمت ويوسف المحميد والسفير عز الدين شكري ومحمود الورداني ومحمد صلاح العزب وفخري صالح وعصام راسم فهمي ومدحت الجيار وعبد الحميد البرنس وسعيد نوح وأسامة حبشي والسفير فؤاد شكري وخبيل النعيمي وغيرهم من المشاركين من غير المتحدثين الرسميين ومن أكون نسيت اسمه أو سقط مني سهوا.. وهؤلاء كما تري قسمة واضحة بين كثير من البلاد العربية والأوروبية أيضا. وكانت الملحوظة الثانية هي غلبة الكاتبات علي الكتاب أو إن شئت غلبة العنصر النسائي وبالذات في الجلسة المسائية مما يوضح كيف راق الموضوع للكاتبات أكثر من الكتاب.. وهذه إشارة مهمة فالكاتبات رغم ماتوفر للكثيرات جدا منهن من شهرة ومكانة أدبية وإعلامية.. أي جماهيرية، لا يزلن يدركن الوضع الجائر للمرأة العربية.. كانت موضوعات الجلستين الرئيسة هي نشأة الرواية ومدي علاقة النشأة بمسألة الحرية.. وارتفاع شأن الرواية وتجديد أشكالها في المجتمعات الحرة والمجتمعات القامعة.. والملاحظة الثالثة هي عدم تطرق المشاركين والمشاركات بشكل كاف إلي الحديث عن تجربتهن في الكتابة وإن تحدثن عن استقبال المجتمع لهذه الكتابة أو تيار عريض من المجتمع يتمثل في مفكرين أو كتاب أو شيوخ يناقشون الأعمال من منظور غير فني.. وكأنها مثلا مقالات وليست شخصيات حية تتحرك.. وتدخل الرقيب في كثير من الدول فيما ينشر وتدخل الرقيب فيما يعبر من الحدود كما اتسع الأمر ليشمل تدخل الناشر في كثير من الأحيان. ودون اشارة لدول بعينها أو مجتمعات بعينها كشف الجميع عن سوء الاستقبال للعمل الأدبي ومحاولة البعض للمماهاة بين شخصيات الرواية وكاتبها وهو الأمر الذي قد يمر لكن الأبشع هو المماهاة بين شخصيات الرواية وكاتبتها بحيث تكون الكاتبة هي الشخصية الرئيسية أو الشخصيات الأخري عند المتلقي الذي تراجعت ثقافته في فهم العملية الإبداعية وعند بعض من يجدون في ذلك فرصة للهجوم علي الكاتب أو علي الجهة التي نشرت العمل.. كان واضحا تفاوت درجات الاحتجاج بين من هم يعيشون في مجتمعات عربية مغلقة لكنه لم يكن تفاوتا ملحوظا بينما كان التفاوت الملحوظ بين من يعيشون في العالم العربي وأوروبا مثلا حيث ما نتصور نحن هنا أنه تابوهات او خروج عن المألوف يبدو شيئا قديما هناك ولا معني له.. وهذا حقيقي. رأي البعض أنه في المجتمعات الأوروبية تكون الفرصة أكبر في التجديد في شكل الرواية بينما في المجتمعات القمعية وأمريكا اللاتينية نموذج يكون التجديد أكثر في الشكل والمضمون كما ظهر في الثلاثين عاما الماضية حين ارتفع شأن الواقعية السحرية هناك.. والملاحظة المهمة أنني وأنا مدير الجلسة كنت كلما حاولت أن أعيد الموضوع إلي ما يقوم به الكاتب من تجديد في شكل الكتابة كمظهر من مظاهر الحرية يندفع الموضوع الي الحالة العربية الراهنة سياسيا واجتماعيا وثقافيا حتي إن إحدي الكاتبات امتدت بالإدانة للمثقفين أنفسهم من الذكور في تلقي أعمال المرأة الكاتبة.. وقبل كل ذلك لخص البعض المسألة في الاعتراض علي عنوان الجلسة نفسه وهو الرواية باعتبارها حرية بديلة فقال البعض إنها حرية متخيلة وليست حقيقية ولكن الأغلب قالوا إنها ليست حرية بديلة لكنها الحرية نفسها حيث خارج الإبداع الأدبي لا توجد حرية. أكدت الجلستان أن المسألة أكبر من كونها مجرد ممارسة الحرية في ابتداع أشكال أدبية ولا حتي موضوعات أدبية ولكن العودة إلي الوراء ثقافيا في المجتمعات العربية في الوقت الذي يتقدم الابداع في البناء طبقات فوقها فوق بعض عل مدار تاريخه ولا يتراجع كما تراجعت مجتمعاتنا في مسألة الحرية وخاصة فيما يخص وضع المرأة عامة أو المرأة الكاتبة. أو حتي الكاتب الرجل. لقد بدأ موضوع الحرية في التجديد أو في طرق موضوعات جديدة أقل أهمية مما يحيط بالعملية الإبداعية من حصار حتي إن كاتبة مثل علوية صبح سألت ضمن كلامها عن كيف كان يمكن أن يكون وضع الرواية الآن لو لم يكن كل هذا المناخ القمعي للمرأة او الكاتب عموما. وأن ما يتصوره البعض جنوحا في الرواية هو ابن لهذا الوضع القاسي للإنسان في العالم العربي.. تطرق الأمر للدور السلبي للعولمة والإعلام الذي يقدم وصفات أو قوالب جاهزة للمرأة ولكن كان التطرق أكثر لما فعلته الافكار الوهابية والسلفية من ترد وما اضطر الكتاب أن يقدموه نموذجا للحرية وعلي رأسها حرية الجسد التي تعلو قيمتها في الابداع بينما هي في الحياة الآن امر ملفوظ وممنوع أيضا. طافت الجلسة في الصباح والمساء بين تاريخ الرواية العربية وتطورها وتاريخ المجتمعات العربية وتطورها وانتهت إلي أن المبدعين لا يزالون رغم كل المعوقات يناضلون بإعادة تفسير ما يراه البعض محرما وتقديمه علي حقيقته كنشاط إنساني حقيقي بعيداً عن كل القيود. لقد استمتعت كثيرا بالحوار والنقاش وتعبت من الإرهاق ومن كون الجلسة الثانية التي شهدت صخبا كبيرا كان تسعون في المائة من المتحدثين فيها من الكاتبات.. والحمد لله نجحت أن أمر بالندوة في سلام رغم أنه من الصعب جدا علي رجل أن يفوز برضاء هذا العدد الكبير من النساء عن إدارة الجلسة وعدالة الفرص.. وكل مؤتمر للرواية وأنتم بخير.. اليوم ستعلن الجائزة وبعدها تبدأ التساؤلات المعتادة في الصحافة كل عام.