نحتاج مزيداً من النضج الديمقراطي.. النضج لن يتحقق بين يوم وليلة.. حين يكتمل يمكن ألا تتوقع خروجاً جماعياً من قرية بأكملها علي قواعد القانون في التصويت الانتخابي.. حيث تقرر عائلة ما أن أصوات القرية كلها لابد أن تذهب إلي ابنها (تسويداً).. وحين يكتمل النضج فإن الخاسر في أي انتخابات سوف يقر بأنه فشل.. ويواجه نفسه بالحقيقة.. بدلاً من أن يقول: (لن ألعب) . أي مجتمع ديمقراطي ناضج حين يخسر فيه الفاشلون.. الذين لا يحصلون علي أصوات الجمهور.. يخرج الخاسر ليعتلي منصة الإعلام ويلجأ إلي اختيار من ثلاثة.. حسب كل حالة. في كل الأحوال يقر بالهزيمة ويعترف بها ويهنئ خصومه.. وقد يختار الإعلان عن أنه سوف يعتزل العمل العام.. لأنه - دون أن يقول هذا شرطاً- ليست لديه أفكار جديدة وما بيده حيلة.. وقد يختار الإعلان عن راحة مؤقتة يعيد فيها ترتيب أوراقه.. وقد يقول إنه سوف يعيد النظر في رسالة الناس إليه.. ويراجع أفكاره وأفكار حزبه.. ليعود للناس بحلول جدية وجديدة ومقبولة. في مصر يخرج الخاسر كي يتهم الآخرين بأنهم زيفوا النتيجة.. لا يستطيع احتمال أن يقر بالهزيمة.. أو أنه عليه أن يحاسب نفسه.. بل إن الفائزين في الانتخابات التي أتت ب88 نائباً في البرلمان عام 2005 كانوا يهاجمون الانتخابات ويقولون إنها مزورة.. ويطعنون في شرعيتهم بأيديهم وتصريحاتهم.. ما يفقد أي كلام يقولونه فيما بعد أي مصداقية. وفي مصر الذي لا يدخل في مجلس الشعب يصطنع له مجلس شعب آخر.. والذي لا يلتحق بعضوية مجلس نقابة يبتدع لنفسه نقابة.. تماماً مثل الأطفال في الشوارع زمان.. إذا لم يفوزوا في المباراة فإنهم يأخذون الكرة ويجرون بعيداً.. أو يقولون لن نلعب. حسناً ليس علي الفاشلين أن يلعبوا.. خسروا.. والقانون لا يعطيهم حق الدخول إلي الساحة الشرعية للتشريع والرقابة.. أي مجلس الشعب.. فهل حين يؤسسون ما أسموه بمجلس الشعب الموازي سيعطيهم هذا حق إقرار القوانين وحق ممارسة الرقابة علي الحكومة.. أم أنهم ينظمون منتدي للنقاشات والجعجعة وما ليس له قيمة ولا تأثير؟! مجرد عبث لن يقوي علي الصمود شهراً.. وسوف ينزوي باعتباره كلاماً فارغاً لا قيمة له. أفهم أنه حين يفشل الوفد، كحزب معارض كبير، فإنه يحاسب نفسه.. ويقيم ما فعل.. ويختار مثلاً أن يستقيل مدير حملته الانتخابية.. أو حتي يوجه اللوم داخلياً في الحزب.. ويقوم الحزب بمراجعة أوراقه وشعاراته.. ويري لماذا لم يلتف حوله الناس.. أين كمنت مواقع القصور في ترشيحاته.. ما هي نقاط ضعفه.. هل فقد شعبيته لأسباب جوهرية.. ما هي الفئات الاجتماعية التي يعبّر عنها وانفضت من حوله أم تراه لا يعبّر عن أحد من الأصل؟! بالضبط كما يقوم الدكتور السيد البدوي رئيس حزب الوفد بمراجعة مستويات مشاهدة أي برنامج تليفزيوني في قنوات «الحياة».. فإن وجد أنه لا يحقق الأهداف المالية أو نسب المشاهدة قام بإلغائه. وأفهم أنه حين تكون هناك اتهامات مطلقة بالتزوير أن يذهب صاحب الاتهام بالأدلة إلي النائب العام.. ويناضل من أجل حقه في أي دائرة حدث فيها هذا.. وأن يلاحق من فعل بالقانون.. أما أن يقول أي كلام.. وأن يسوق الاتهامات في الهواء المفتوح.. فإن هذا سيكون دليلاً إضافياً علي العجز المضاعف.. عجز نتج عن الخسران.. وعجز نتج عن عدم القدرة علي إثبات ما يدعيه مروجو حديث التزييف. نحتاج نضجاً.. ولكن النضج لن يتأتي إلا بالناضجين أو الساعين إلي النضج.. وحين تمتلئ ساحات المعارضة بأصوات قادرة علي أن تواجه الحقائق واحتمال تبعات النضج.. وتحمل مسئوليات التنافس بين الكبار.. وليس غيرهم . الموقع الإليكترونى: www.abkamal.net البريد الإليكترونى: [email protected]