في زحمة الدعاية الانتخابية تبرع أحد المرشحين بمبلغ من المال لبناء مئذنة بأحد مساجد ميت العز بمحافظة الدقهلية.. وصرحت المحليات بالبناء بطول 35 متراً لكن محبي المرشح والقائمين علي المسجد فتحوا باب التبرعات ليجعلوها 55 متراً.. واستعجلوا بناءها لتكون شاهداً علي إنجازات المرشح وتصريح العبور لكرسي البرلمان.. لكن أتت الرياح بما لا تشتهي السفن.. وسقطت المئذنة التي أنشئت بدون أساس خرساني لتقتل وتصيب وتدمر 6 بيوت ونتج عن ذلك 20 أسرة متضررة من الحادث بين مصابين ومقيمين في الشوارع. «روزاليوسف» زارت الضحايا والمضارين في قرية «ميت العز» التي تبعد عن القاهرة ب60 كيلو متراً ورصدت معاناتهم. بجوار المسجد الكبير بميت العز مكان الحادث وجدنا الأهالي مجتمعين ينظرون إلي العقارات التي تهدمت وإلي الأنقاض التي مازالت موجودة بالشارع لتذكرهم بلحظة انهيار المئذنة. وكأن الحادث وقع منذ ساعات أو دقائق، وتجمعهم يعد مشهداً يومياً يتكرر منهم حتي ينظر إليهم المسئولون ويمنحونهم التعويضات المناسبة لإعادة الأمور كما كانت عليها حسب أقوالهم جميعاً. محسن الشحات موظف ووالدته الحاجة جمالات يجلسان أمام محل البقالة الذي أصبح مساوياً بالأرض بعد سقوط المئذنة عليه المحل كانت به سلع تموينية باقية لرصيد الشهر المقبل حيث يوزع التموين ل70% من أهالي القرية وكان به بضائع تقدر ب25 ألف جنيه، مما تسبب في تحرير إدارة التموين التابع لها محضراً بشأنه، محسن يتساءل ماذا يفعل في تلك الأزمة التي ألمت به وبأسرته وبأشقائه لأن هذا المحل كان يساعد الأسرة كلها علي المعيشة في ظل الغلاء الموجود، أما الحاجة جملات فأشارت إلي إصابة 3 أفراد من عائلتها وأنهم يوفرون بالكاد فلوس علاجهم. وبجوار محل التموين يقع حطام صالون حلاقة صاحبه يدعي أيمن عبد العال عبد النبي - 37 سنة - الذي يعتبر مصدر الدخل الوحيد له ولأسرته.. زوجة وثلاثة أولاد إضافة إلي والدته وأشقائه بعد وفاة والده. كان أيمن ينقل البوص الذي كان ساتراً الأنقاض إلي مكان آخر بعد تأخر انتهاء المعاينات الرسمية للعقارات المتضررة من الحادث ويأسه من سرعة استجابة المسئولين لهم.. فمنذ انهيار المئذنة وفقده لمصدر لقمة عيشه وأسرته لم يعمل في شيء ولم يكتسب رزقه حتي نفدت أمواله خاصة أنه مسئول عن أسرة كبيرة. بلال عبد العال «52» سنة عامل بمدرسة ميت العز الابتدائية كان متوجهاً إلي عمله وقت الحادث وحاول الاحتماء بحائط بيته وقت أن رأي المئذنة تنهار أمام عينيه وتسقط في اتجاهه لكنه لم ينج وجمع الأهالي أشلاءه يترك وراءه أسرة فقيرة جداً وكان هو عائلها الوحيد. يأتي الدور علي عقار خرساني بالمسلح مكون من 3 طوابق ملك «نعيم هندي» الذي يعمل مدرساً، وضع فيه كل أمواله بل واقترض لاستكمال المبني حديث الإنشاء إلا أن سقوط المئذنة تسبب في تحطيم واجهته وحدوث تلفيات ضخمة وتشققات بارزة في المبني. ويليه بيت مبني بالطوب اللبن مكون من طابقين ويعيش فيه أربع أسر كل منها في حجرة وهي أسرة محمد مصلح محمد جاد المكونة من 4 أفراد والتي تحطمت غرفتها بمنقولاتها وأساس المعيشة الموجود فيها، وأسرة محمود مصلح جاد المكونة من 5 أفراد وأسرة المتوفي شعبان مصلح المكونة من زوجة و3 أولاد، والغرفة الأخيرة يعيش فيها خالد مصلح مع والدته رزقة العزب عطية عواد. العقار الأخير الذي لحق الضرر به بسبب الحادث ملك ورثة مأمون عبد السلام محمد ومكون من طابقين بالخرسانة والمسلح ولم يكن فيه أحد وقت الحادث إلا أن واجهته بها تلفيات واضحة بخلاف ذلك تحطمت المرافق من الكهرباء وشبكة، الصرف الصحي التي لم تعمل بعد في مكان انهيار المئذنة. أمين الشحات - 35 سنة - مستلقياً علي السرير ولا يستطيع الحركة بسبب الحادث يقول لست موظفاً وكنت أعمل في محل البقالة الذي تهدم في الحادث وأنفق منه علي أسرتي المكونة من 4 أفراد. كنت في المحل وقت سقوط المئذنة، وحاولت الهرب ولكني سقطت وذهبت في حالة إغماء لم أفق بعدها إلا وأنا في مستشفي ميت غمر العام وبعد الكشف علي وجد الأطباء أنني مصاب باشتباه في شرخ في الحوض وإصابات في الفقرات القطنية وكدمات في أماكن تفرقة من الجسم وغيرها، وبعد ملاحظة حالتي لمدة 48 ساعة بالمستشفي صرح الأطباء بخروجي، ومنذ ذلك الحين وأنا عاجز عن الحركة والعمل وأتلقي علاجي في البيت. أما زوجته «عبير معوض» - 27 سنة - فقد اصيبت بانهيار عصبي بعد رأت المئذنة تتهاوي وتسقط علي زوجها وتدمر البيوت خاصة أنها كانت مصابة بالقلب فلم تتحمل الصدمة فسقطت علي الأرض. نعمة السيد متولي - 25 سنة - متزوجة ولديها طفلان أصيبت هي الأخري بانهيار عصبي إضافة إلي كسر في الكتف، وكانت وقت الحادث واقفة مع المتوفي «بلال سليم» واستطاعت الهرب، وهي التي أرشدت عن مكان المتوفي بعد سقوط المئذنة عليه. .. أسامة عطية - مدرس من أهالي قرية ميت العز يشير إلي حضور جميع المسئولين من محافظة الدقهلية والوحدة المحلية والأوقاف والدفاع المدني والشرطة وغيرها وقت الحادث لإزالة الأنقاض ودفن المتوفين ونقل المصابين للمستشفي يؤكد أن الأهالي واجهوا بعض المشكلات بعد ذلك المتمثلة في التجاهل التام لمسئولي الوحدة المحلية بصهرجت الكبري التي تتبعها القرية من حيث إزالة الأنقاض الموجودة في الشارع والتي تعيق وتعرقل السير للسيارات بل وحتي المرور العادي للأهالي.. حتي أن موظفي الوحدة المحلية قالوا للأهالي بعدها بأن تعليمات رئيس الوحدة لهم بأن رفع الأنقاض لن يتم من خلال الوحدة في الوقت الحالي وإنما علي الأهالي تحمل النفقات وأعباء إزالتها. إيمان محمد عزت - إحدي المتضررين - تقول أعيش مع أولادي في الشارع في هذا البرد القارس منذ انهيار المئذنة علي العقار الذي أعيش فيه، وقال لنا مسئولو التضامن الاجتماعي يوم الحادث أنهم سيقيمون لنا خيم إيواء في مركز شباب ميت العز لنقيم فيها بشكل مؤقت لمدة ثلاثة أيام فلم نوافق علي ذلك. وتتساءل أين بدائل الحلول التي تطرحها محافظة الدقهلية والجهات المعنية في حالة الخطورة الداهمة، وأين رقابة المحليات والأوقاف علي بناء مئذنة مخالفة للتراخيص؟ سالم متولي عضو مجلس محلي مركز ميت غمر عن صهرجت الكبري يلفت إلي أن المجلس المحلي لم يجتمع لمناقشة تلك المشكلة - وألقي بالمسئولية علي موظفي المسجد وهم العامل «حسين» فتح الله عواد وخطيب المسجد أسامة رمضان، خاصة أن الأول كان قد بدأ منذ فترة في جمع التبرعات من الأهالي لبناء المئذنة بالجهود الذاتية، وكان يراقب بناءها وسط الكتلة السكنية بهذا الارتفاع الكبير دون اتباع المواصفات الفنية والهندسية اللازمة لذلك أنشئت بارتفاع كبير بقواعد غير مناسبة وعلي سطح الأرض. ويشير إلي أن أحد المرشحين المستقلين في انتخابات مجلس الشعب الأخيرة تبرع بمبلغ من المال للمئذنة، واستعجل القائمين عليها لسرعة إنجاز أعمالها قبل الانتخابات لكسب تأييد الأهالي له، ولذلك كان العمل فيها متواصلاً ليل نهار مما تسبب في سقوطها بعد شهر من إنشائها. .. عز محمد شحاتة رئيس مركز ومدينة ميت غمر يشير إلي أن هناك موافقة صادرة من وزير الأوقاف بإقامة المئذنة تحت اشراف استشاري هندسي تابع لقطاع الإسكان بالأوقاف مع مراعاة الإجراءات الفنية والهندسية. وأكد أن الموافقة من المحليات صدرت بالبناء بارتفاع 35 متراً إلا أن مسئول المسجد أراد أن يخالف الترخيص ويرتفع بها ل55 متراً بالجهود الذاتية بالمخالفة مما تسبب في الكارثة.. .. وعلي خلاف الحقيقة التي يؤكدها الأهالي فإن رئيس مركز ومدينة ميت غمر يؤكد صرف 5 آلاف جنيه للمتوفي في نفس اليوم وصرف بطاطين وإعانات مناسبة للمضارين من الشئون الاجتماعية ورفع الأنقاض، وأنه لا يوجد من يقيم منهم في الشارع بدعوي إقامة المضارين عند أقاربهم بصفة مؤقتة لحين تحديد المسئولية وصرف التعويضات فيما يؤكد المضارون أن المبالغ المنصرفة لم تتعد 300 جنيه لزوجة المتوفي و200 لبنتيها و500 جنيه للأسر المضارة و200 لكل مصاب.