السياسة دائما ما تفرق بين الشعوب والبلدان، وحتي إن جمعت بينها يكون السبب هو المصالح علي كل أشكالها.. والثقافة الإنسانية تقرب بين الشعوب والحضارات مهما اختلفت جذورها وبعدت فروعها عن بعضها البعض، وحتي إن فرقت فلتتمايز الحضارات لا لتتصارع.. والأدب الذي يعبر عن ثقافات الشعوب كان ولايزال أحد العناصر التي تجمع الناس علي فهم متقارب الزوايا للطبيعة الإنسانية. وقد تجلت تلك المعاني في مؤتمر ثقافي رائع قام بتنظيمه المجلس الأعلي للثقافة بالتعاون مع نادي القلم المصري بعنوان (الكاتب الإفريقي وتحديات العصر).. والذي رأينا فيه مجموعة من الكتاب والشعراء والمبدعين والباحثين الأفارقة من بلاد مختلفة من الجنوب الإفريقي، ومن الشرق والغرب ومن البلاد العربية الإفريقية أيضا.. كل هؤلاء يجتمعون مع الكثيرين من الكتاب المصريين ويستمعون لأوراق بحثية تهم الجميع فيعلقون علي محتواها ويتناقشون فيما يختلفون ويتفقون عليه من النقاط المتعلقة بشئون الثقافة بوجه عام والأدب علي وجه التحديد. إشكاليات متعددة ذكرها المتحدثون منها الهوية التي تأثرت كثيرا بعقود الاستعمار وما تلاها من محاولات التخلص من آثارها.. وتأثر الهوية باللغات المحلية واللغات الاستعمارية، آداب كل منها والثقافات المختلفة التي تحيط بها.. واختلاف الهويات ما بين الشعوب الإفريقية بعضها البعض.. وإفريقية مصر وإلي أي مدي توصف مصر ومصريوها بأنها إفريقية وأنهم أفارقة.. وهل الكاتب الإفريقي يمكن أن يكون مصريا، أم أن الكاتب المصري لا يصنف هكذا؟ إشكالية أخري تواجه الأدب الإفريقي هي النشر والتوزيع محليا وعالميا ومدي تعاطي العالم مع هذه النوعية من الأدب.. وكيف رسم الإعلام صورة إفريقيا مركزة علي مشاكلها دون التطرق إلي ما فيها من تراث وفنون وآداب وعادات وتقاليد وطقوس وحرف ومهارات وطاقات وقدرات وإمكانيات.. حتي في داخل القارة وبالتحديد هنا في مصر، لا نعرف الكثير عن قارتنا.. ونميل إلي الأخذ بالنظرة النمطية الغربية لقارة تعج بالمشكلات والكوارث وصورتها سوداء قاتمة السواد في إعلامنا وفي كتبنا الدراسية علي حد سواء. ولا تقل الترجمة ومشاكلها خطورة عن الإعلام.. فإذا وجدت الترجمة وبدأ القائمون عليها في الاهتمام بترجمة الأعمال الأدبية التي تكتب باللغات المحلية إلي الانجليزية والفرنسية وغيرها من لغات العالم الغربي، وأيضا العالم الشرقي وبخاصة اللغة العربية، لكان لذلك أعظم الأثر في انتشار هذا الأدب وإعاة تقييمه والنظر إليه بعين الاعتبار.. ولكن عملية تمويل الترجمة والدفع بها وتحسين مستوي المترجمين وبخاصة الذين يقومون بترجمة الأدب تحتاج إلي عمل دءوب وتعاون بين كل تلك الدول. ويأتي دور التعاون الإفريقي ليس كاختيار ولكن - وبعد المتغيرات العالمية - كواقع ينبغي التعاطي مع إمكانية تنفيذه بالطرق الصحيحة.. فينشأ تعاون حقيقي بين الدول الإفريقية قد يبدأ بالدوائر الثقافية والأكاديمية حيث يستطيع الفن والإبداع الجمع بين هؤلاء الذين ينتمون لدول وثقافات مختلفة.. وبذلك يصبح النواة التي تقرب بين الشعوب الإفريقية والبداية للتقارب السياسي والاقتصادي أيضا.. نعم السياسة تسيد وتفرق، ولكن الأدب والثقافة ستجمع وتوفق. أما كيف رأينا أنفسنا من إفريقيا فهذا ما يحتاج مقالا آخر، وللحديث بقية..