في مؤتمر «مستقبل الثقافة المصرية... رؤي جيل الوسط» الذي عقد منذ أيام في مكتبة الإسكندرية أطلق الدكتور علي الدين هلال مصطلحا، أستأذنته في استخدامه هو «التحرش الجيلي» أو «التحرش بين الأجيال»، وهي حالة ظهرت جليا في المؤتمر الذي لم يضم فقط أبناء جيل الوسط، ولكن ضم إلي جوارهم أبناء جيل الرواد، وقطاعا من الشباب. في الحوار ظهر التناغم، وعند التنابذ استقوي أبناء كل جيل، وأعلنوا أنهم أصحاب ولاية واستئساد وريادة، وراغبين في المزاحمة. بالفعل هي حالة من حالات التحرش الجيلي، ولكن سيظل كل جيل، والكلام مرة أخري للدكتور علي الدين هلال، أسير تجربته. الشباب مولع بالانترنت، والفضاء الالكتروني، وجيل الوسط يبحث عن موطئ أقدام، وجيل السبعينيات والستينيات يطالب بالريادة بحكم الزخم والتفاعل، وجيل الرواد له رأي آخر. اللافت أن كل جيل يري أنه لم يأخذ حظه، وكل جيل ناقم علي من سبقه ومن تلاه. جيل الوسط يري أنهم في حالة وسيطة قلقة، لم يحصلوا فيه علي ما ينبغي من حظوظ في المجتمع، ويرون الشباب- أبناء الأمس- لهم فرص أفضل منهم، والكبار بالطبع أصحاب الحظوظ والسلطة. أما جيل الشباب فتري في حديثهم سرعة البحث علي محركات الانترنت، والرغبة في الاقتحام. والأكثر، أنهم يرون أن من سبقهم لم يعطيهم الفرصة، ولم يسمح لهم بالحركة. كيف يمكن الإفلات من حالة التحرش الجيلي التي نراها؟ الحل في رأيي في الاعتماد علي مبدأ الكفاءة دون سواه، واعتباره مرجعية أساسية في المجتمع، من يبدع، ومن يعمل، ومن يأتي بالانجازات يأخذ حقه بصرف النظر عن السن. ليس منطقيا القول بأن الأصغر سنا تنقصه الكفاءة والحكمة، الحركة والفعل، وليس منطقيا كذلك أن تصب الأجيال الأصغر الغضب علي من سبقها من أجيال بدعوي أنهم أقل معرفة، وديناميكية، وقدرة علي التواصل مع العالم الجديد. الكفاءة هي الحل، والخبرة تبزغ من خلال الكفاءة، وليست مفارقة لها. الخبرة ليست عاملا في ذاتها، بل هي في المقام الأول إمكانية تتلازم مع الكفاءة، فما الفائدة من وجود شخص له خبرة لكنه كسول، محدود القدرات، ليس له بصمة فيما يفعله من عمل. أظن أن الركون إلي مبدأ الكفاءة يحل الكثير من المشكلات، ويساعد المجتمع علي التخلص من حالة «الاحتقان الجيلي»، أو «التحرش الجيلي» أو «الطائفية الجيلية»، هو مصطلح أطلقه أحد شيوخ المثقفين لوصف حالة التبعثر التي يعيشها المجتمع: طائفية هنا وهناك، وعنف هنا وهناك، ومعارك سياسية حامية الوطيس، وأخيرا طائفية بين الأجيال. لن يستطيع كل جيل أن يصهر الجيل الذي سبقه بلون خاص. الكل أسير تجربته، والكل يستفيد من الإمكانات المتاحة في مجتمعه. إذا طبقت الكفاءة لن يكون السؤال ما السن؟ ولكن ما الإنجاز؟