بين الجولتين الأولي والثانية من انتخابات مجلس الشعب الأخيرة، وعلي مدي يومين، استضافت مكتبة الإسكندرية الدورة الثانية من منتدي جيل الوسط، الذي ينعقد في المكتبة بمبادرة ورعاية الدكتور إسماعيل سراج الدين مدير المكتبة. وفي حين اقتصرت الجولة الأولي العام الماضي علي بعض من جيل الوسط الذين ناقشوا موضوعات شتي، وصاغوا رؤي محترمة للمستقبل، في مجالات مختلفة، توسعت الدورة الأخيرة لتشهد ثلاثة أجيال، وليس جيلاً واحًدا، فتحول منتدي جيل الوسط، إلي لقاء بين الأجيال، كتب عنه الصديق سامح فوزي في الثاني من ديسمبر علي صفحات الرأي في «روز اليوسف» راصدا ظاهرة مهمة، وهي التحرش الفكري بين الأجيال الثلاثة. وبغض النظر عن التحرش الجيلي في منتدي الوسط، فإنه كان فرصة للخروج من أجواء الانتخابات التي سيطرت علي الجميع، ورغم أن المنتدي بدأ في اليوم الثاني للجولة الأولي، فإن الانتخابات فرضت نفسها ولو بشكل عابر علي أروقة المنتدي وجلساته الفكرية. الاسكندرية نفسها كانت تغسل عن نفسها في نفس اليوم غبار أقوي وأعنف معركة انتخابية، استطاع خلالها الحزب الوطني هزيمة الإخوان الذين كانوا قد سيطروا برلمانيا علي هذه المحافظة ذات التاريخ الأكثر تنوعا وتعددا في تاريخ البشرية، لكنها نيابيا سقطت في قبضة لون سياسي واحد، هو تيار ديني ينفي الآخر، ولا يؤمن بالتعددية من الأساس. وما بين المدينة والمكتبة، وتداعيات الانتخابات، والتراشق الفكري بين ثلاثة أجيال جاء اللقاء الثاني لجيل الوسط، لا يقل سخونة وصخبا عن الأجواء خارج قاعات الاجتماعات والغرف المغلقة التي يدور بها، صحيح أن بعض الحضور لا يزالون أسري الحاضر والماضي ولا يلتزمون كثيرا بالفكرة الحاكمة لتأسيس هذا المنتدي وهي طرح رؤي للمستقبل، فإن البعض كان حاضرا برؤي عملية وحلول مستقبلية للكثير من المشاكل مثل الخطة التي طرحها الدكتور خالد عزب لإدارة التراث الوطني، وأثارت مناقشات مهمة داخل أروقة المؤتمر. وطرحت سمية الألفي موضوعا غاية في الأهمية وهو مواطنون بلا هوية، حيث عرضت تجربة مهمة ترعاها وزارة الأسرة والسكان مع عدد من الجمعيات والمنظمات غير الحكومية لتسجيل ساقطي القيد ومنحهم بطاقات هوية. وكشفت عن وجود 128 ألف مواطن ليسوا مواطنين علي الإطلاق، في سبع محافظات، ليس لديهم شهادات ميلاد أو بطاقات شخصية أو رقم قومي، لدرجة أن أجيالا متتالية من الأسرة الواحدة ليس لديها أوراق ثبوتية، ولا تعرف عنهم الدولة شيئًا. وإذا كان أحد أهم أهداف منتدي جيل الوسط هو صياغة رؤي للمستقبل، من جيل لا يزال بعيدا عن صناعة القرار في مختلف المجالات، فإنه لا يمكن صياغة هذا المستقبل، دون أن نعود إلي الأرض، ونكتشف الكثير من مشاكلنا التي تحتاج إلي حلول سريعة وناجزة، وعلي رأسها الالتفات إلي مواطنين بلا أوراق وبلا حقوق وليس لهم وجود رسمي.