هل تذكرون جنازة الفنانة سعاد حسني؟ هل تذكرون جنازة الأميرة ديانا؟ الفرق بين الجنازتين هو موضوع هذا المقال.. ولنعد قليلا إلي الوراء في جنازة الأميرة الراحلة ديانا اصطف الإنجليز علي جانبي الطريق وكان هناك من يلقي بالزهور علي العربة التي تحمل الجثمان كانت هناك من تضع رأسها علي كتف صديقها أو زوجها - لا يهمنا - وتنتحب في هدوء وشجن وكان الموقف بأكمله مغلفا بغلاف حضاري علي الرغم من الضجة التي أثيرت حين موت الأميرة وعلي الرغم من المكانة الشعبية والرسمية التي كانت الأميرة تتمتع بها كل هذا لم يعط مسوغا لأحد أن يحول الجنازة إلي غير هدفها. ولم ير أحد أثناء مرور الجثمان وبعده أي سلوك شائن أو غوغائي كانت هذه جنازة الأميرة ديانا. أما جنازة الفنانة الراحلة سعاد حسني فكانت علي عكس ذلك تماما وكما رأيناها علي الشاشات فما إن وصل الجثمان ونزل من جوف الطائرة ومنه إلي سيارة الاسعاف إلا وتحول الشارع وتحولت الجنازة بأكملها إلي حالة كاملة من الفوضي والعبث فالسيارة لا تستطيع التحرك وهناك من يدق علي جنباتها وآخر يحاول الركوب علي خلفيتها والزحام علي أشده رغم جلال الموت ولكن هيهات.. ومع من؟ من أناس لا يعرفون إلا سلوكيات وأخلاقيات وأنساق الاستاد في القول والفعل إن الفارق بين الجنازتين هو نفسه الفرق بين العقليتين بين الحضارتين بين منهجي التفكير ومرجعيات التصرف. رغم أنني لست من المهوسيين بكرة القدم إلا أن لي اهتماما خاصا بالنسق الأخلاقي الذي فرضته هذه اللعبة ذات الشعبية الطاغية علي حياتنا وأبرز نسق مفروض علي نمط حياتنا من جراء طغيان هذه اللعبة علينا هو ما يمكن أن نسميه «الأستدة». وأعني به نقل أخلاقيات الاستاد إلي المجتمع العام من شرعية الصخب إلي التدافع إلي التعصب مرورا باعتياد استخدام الألفاظ البذيئة وانتهاء بهذه الحالة العجيبة من اللاعقلانية التي تتجسد عندما يحرز أحد اللاعبين هدفا فينطلق وكأنه أتي بما لم يأت به الأوائل وياليت الأمر يقف عند هذا الحد بل نري هذا البطل الهمام وقد خلع «الفانلة» واندفع إلي الجماهير ولا يكتفي بذلك بل يقذف بها إلي المدرجات لتشتعل المشاجرات بين المتفرجين أيهم يحوز الغنيمة.. هذا غير تسيد روح الفردية والأنانية بين كثير من اللاعبين ويتضح ذلك عندما يحوز أحدهم الكرة وهو قريب من المرمي فلا يكاد يخرجها من قدمه إلي زميل له مجاور إلا بشق الانفس وعلي ضرر منه. لقد أصبحت أخلاقيات الاستاد هي أخلاقيات المجتمع وما يحدث في الشوارع في الأعياد إنما هو بعض من نتيجة تسيد «الأستدة» علي الجميع إلا من رحم ربي، الكارثة هي فرض نمط الأستدة علي المجتمع وهذا هو الحادث الآن هؤلاء الأطفال - سلوكا - لا يعرفون الفرق بين سلوكهم داخل مكان مغلق متفق علي طبيعته. ومن المقبول أيضا الاقدام علي هذه النوعية من السلوك لأن من يذهب إلي الاستاد إنما يذهب إليه بمحض إرادته دون أن يجبره أحد علي الذهاب إلي هذا المكان الذي يعج بكل هؤلاء الأشخاص من ذوي الصوت العالي والسلوكيات الفوضوية، علي عكس المجتمع العام الذي لا يتقبل نفس السلوكيات بل من الكارثة أن يتقبلها تري متي وكيف يعي المشجعون الفرق بين الاستاد وبين المجتمع؟