عقدت منظمة الُمبدعين (مَنبدَع ) جلسة استثنائية طارئة ، لبحث ترتيبات جنازة اللغة العربية وكيفية المشاركة الفنية الشعبية فى تشييعها إلى مثواها الأخير بما يتفق مع المكانة العليّة للمرحومة . عُقدت الجلسة فى أوبرا دمنهور !! ،ودارت المناقشات: - مُبدع: أقترح أن تشيع الجنازة بالموسيقى من مستشفى المعلمين إلى مسجد عمر مكرم للصلاة عليها ثم دفنها فى مقابر الصدقة لأنها لاتملك مقبرة خاصة،ونعمل لها تمثال فى تُرب الغفير. - مُعارض : أنا أعترض !!..يا قوم :إن الجنازة فى الإسلام لها أحكام يجب الإلتزام بها ،فلا يجوز أن تكون هناك موسيقى فى الجنازة ،فهى بدعة دخلت على المسلمين من غيرهم، وكذلك التماثيل ،وكل بدعة ضلالة،وكل ضلالة فى النار، ،وقد قال النبى المصطفى الكريم صلى الله عليه وسلم :"من تشبه بقوم فهو منهم". -- مُبدع: أنا لا أعترض!! فما أجمل أن تُزف الفقيدةإلى القبر على أنغام الموسيقى ،ونرى تكريما لهاأن تكون الموسيقى الحزاينى بمعرفة فرقة "للموسيقى العربية" ..و نجيب الجماعة دولم بتوع الأوبرا اللى بيصرخوا بالسوبرانو ، عشان يعملوا جوّ نكد . - مُبدع: الجنازة سيشارك فيها أجانب ،فلا محيص من أن تكون صلاة الجنازة بالإنجلش لزوم العولمة ،عشان يصلى فيها الخواجات ويعيشوا فى الدور. - مُبدع: وتكون الجنازة بعد نص الليل،وممكن كمان ترجمة و "تتر" وموسيقى تصويرية . -مُعارض : لايليق تغسيل المرحومة بمعرفة الحانوتى،أودفنها فى مقابرالصدقة ،ولا مندوحة أن يتم تحنيط الجثمان بمعرفة الكهنة الذين تآمروا عليها،وأن يُدفن الجثمان فى المتحف المصرى بجوار جثة الطاغية فرعون الذى شاءالله أن يكون آية للناس الذين يتفرجون على جسده من عشرات القرون ،وبذلك تكون اللغة العربية مزارا سياحيا . - رئيس المَنبدَع: بناء على هذه المقترحات الديمقراطية ،فلا مشاحة من إقامة صلاة الجنازة بالمتحف المصرى بالإنجلش ،وذلك بعد صلاة الفجر ،وأن يقام سرادق العزاء ليلا فى البهو الرئيسى بالمتحف ،يعنى كام دستة كراسى من الفرّاش وصوان محترم،على أن يقوم بإحياء الليلة الشيخ على محمود و الشيخ كشك، وأن يُقدم مع القهوة السادة للمعزين عرقسوس ، يقدمه البياع بالزى التقليدى والشخاليل لزوم الخواجات و الجذب السياحى ،وأن يقام تمثال للغة العربية فى جامعة الدول العربية. وجاء يوم الجنازة : كان المشهد مهيبا..فقد حُمل جثمان الفقيدة بعد تحنيطه على عربة مدارس، من مستشفى المعلمين إلى المتحف المصرى.. وشارك فى تشييعها عشرات الآلاف من العوام، تتقدمها فرقة للموسيقى العربية بقيادة حسب الله السادس عشر . وما أن بدأ عزف الموسيقى الجنائزية حتى انفجر الخواجات من الضحك و لكنهم سرعان ما تمالكوا أنفسهم وكظموا الضحك بالعافية !! لم يفهم المصريون السبب !! ظنوا أنهم يضحكون على الحر كات" البهلوانية" التى يقوم بها قائد الفرقة " المايسترو "!! أما السبب: فقد كانت الفرقة تعزف بطريقة بدائية اللحن الرئيسى من مارش الزفاف لمندلسون،الذى يُعزف فى الأفراح ،وليس مارش الجنازة لبيتهوفن أو شوبان !.. حدث ذلك لجهل الفرقة وقائدها لأن معلوماتهم عن الموسيقى لاتزيد عن أغانى مثل: "تحتِ الشباك....إشّخلع يا وله !! "، أما الموسيقى بوصفها علم و فن فلا دراية لهم بها..!! وهكذا...شُيعت الجنازة على أنغام مارش الزفاف ،مصحوبا بغناء السوبرانو المصريات بأغنيات عاطفية بالإيطالية من أوبرا" المنحرفة" " لفيردى، أقصد " لاترافياتا " !!ولم يلتفت إلى ذلك العبث إلا الخواجات..!! وصلت الجنازة إلى بهو المتحف .. أُقيمت الصلاة علي اللغة العربية باللغةالإنجليزية!! وُضع الجثمان فى تابوت بجوار جثة فرعون ..وأُطلقت المباخر ..وسط صراخ مغنيات السوبرانو، وبكاء بحزن شديد من العامة على موت لغتهم العربية ، لأن التعليق على مباريات كرة القدم بعد ذلك سيكون بالإنجلش فى قناة "النايل سبورت" المصرية!! ثم كانت المفاجأة الكبرى: فى آخر صفوف المشيعيين كانت هناك شخصية وقورة مهيبة..مضيئة ..تشع علما وثقافة ونورا ،تقف مرفوعة الرأس.. قوية....عزيزة.. شامخة ... تتفرج على مايجرى من أحداث ، تبتسم ساخرة وهى ترثى لحال هؤلاء السُذًج الجهلاء.. أتعرفون من هى ؟ إنها اللغة العربية ..!! نعم ..كانت هى اللغة العربية.. يحيط بها بعض محبوها والمدافعون عنها، و بعض المريدين من أمثالى.. يتصدرهم علماء الأزهرالشريف وأعضاء مجمع اللغة العربية .. لم تمت اللغة العربية إذن..... لقد كانت فى حالة إعياء نتيجة للجهد الشديد الذى بذلته فى نصح أبنائها الذين تخلوا عنها فى أوطانها،ولسان حالها: ما قاله الشاعر أبو فراس الحمدانى: بلادي وإن جارت علي عزيزة **** وأهلي وإن ضنوا علي كرام وقول أمير الشعراء أحمد شوقى : وطنى لو شغلت بالخلد عنه****نازعتنى اليه بالخلد نفسى وقول شاعر النيل حافظ إبراهيم : فيا ويحكم أبلى وتبلى محاسني ***ومنكم وإن عز الدواء أساتي أيطربكم من جانب الغرب ناعب ***ينادي بوأدي في ربيع حياتي؟ أرى كل يوم في الجرائد مزلقاً ***من القبر يدنيني بغير أناة وأسمع للكتاب في مصر ضجةً ***فأعلم أن الصائحين نعاتي . و لكن كان حال القوم : ما قاله الشاعر عمر ابن أبى ربيعة : لقد أَسْمَعْتَ لو ناديتَ حياً***ولكن لا حياة لمن تنادي ولو ناراً نفختَ بها أضاءت***ولكنْ كان نفخُكَ في رمادِ والقولة الشهيرة للشاعر الكبير أبو الطيب المتنبى عندما حضر إلى مصر فى عهد الحاكم كافور الأخشيدي: "وكم ذا بمصر من مضحكات... و لكنه ضحك كالبكا"... لقد رد الله تعالى علي اللغة، عافيتها وغادرت مستشفى المعلمين أثناء انشغال المسؤلين بمتابعة أخبار المعركة الدائرة بين مصر والجزائرحول تحرير المسجد الأقصى. ولكن :من ذا الذى تم تحنيط جثته إذن ودفنه فى المتحف ليكون عبرة لمن يعتبر ؟ لقد وجدت إدارة المستشفى نفسها فى مأزق شديد عندما اكتشفت عدم وجود اللغة العربية فى سرير المرض،فى الوقت الذى كانت ترتيبات الجنازة تجرى على قدم وساق ،وكان لابد من التصرف حتى لا يتعرضوا للعقاب بسب تبديد العهدة ،فأحضروا من صفيحة قمامة المستشفى جثة كاتب من كُتّاب القمامة ،لديه جرأة شديدة على الإساءةللشريعة الإسلامية ورموزها ،فأخذه الله أخذ عزيز مقتدر..!! ولم يُعن أحد بدفنه،فأُلقُوا به وبكتاباته فى مكانه المُستحَق ، وهو صفيحة القمامة. كيف يُتصورأن تموت اللغة العربية والله تعالى هو حافظها ؟ ..... إنها لغة القرآن الذى تكفل الله عز وجل بحفظه بقوله تعالى " إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون " وكفى بالله حفيظا .. إن حفظ القرآن يقتضى حفظ لغته ،والخاسرون فى معركة اللغة العربية هم الذين هجروها وتشبهوا بغيرهم فصاروا منهم وفقدوا لغتهم وهُويتهم ... إنهم هم الموتى..هم الرماد.. لن تموت اللغة العربية ..و ليضرب أعداء اللغة رؤوسهم فى الحائط .. وختاما : يقول الإمام العلامة ابن حزم رحمه الله (المتوفى سنة 456 هجرية): "فإن اللغة يسقط أكثرها ويبطل بسقوط دولة أهلها ودخول غيرهم عليهم في مساكنهم أو بنقلهم عن ديارهم واختلاطهم بغيرهم. فإنما يقيد لغة الأمة وعلومها وأخبارها قوة دولتها ونشاط أهلهاوفراغهم.وأما من تَلَفت دولتهم وغلب عليهم عدوهم واشتغلوا بالخوف والحاجة والذل وخدمة أعدائهم فمضمون منهم موت الخواطر، وربما كان سببا لذهاب لغتهم ونسيان أنسابهم وأخبارهم وبُيود علومهم، وهذا موجود بالمشاهدة ومعلوم بالعقل والضرورة". هل كان ابن حزم يتنبأ بما سيجرى لأهل اللغة العربية....وقد كان؟؟ يقول علماء الإجتماع أن عز اللغة من عز أهلها ،فإن هان الأصل هان الفرع. فهل هان الأصل..... فتبعه الفرع ؟ [email protected] www.adelafify.com تعقيب : وردت لى أسئلة من بعض السادةالقراء أجيب عليها بإيجاز : 1- موقعى على الإنترنت بالإنجليزية لأنه موجه لغير العرب . 2- استخدامى "أحيانا " لكلمات عامية هو من باب إظهار المفارقة بين العربية الجميلة والعامية السوقية.