بلادنا مليئة بالقوانين والقرارات التي من المفترض الالتزام بها ولكن هل الأمور بالفعل تسير علي النحو الواجب؟ فمثلا في مجال البناء والاستثمار معظم عقود البيع أو التخصيص أو أوامر الإسناد بإرساء بيع قطع أراض بالمزايدة بها بنود واضحة وملزمة ولكن معظم هذه للأسف يتم مخالفتها بحيث أصبحت المخالفة عرفا والالتزام استثناء. فمثلا بناء علي مراجعات لمستندات ورسومات المخطط العام ورسومات مشروع ما يصدر قرار وزاري من وزير الاسكان والمرافق باعتماد تخطيط وتقسيم قطعة أرض ما لإقامة مشروع محدد بعينه غرضا وصفا..وليكن مثلا قرية سياحية وذلك طبقا لضوابط خاصة بالمشروع وشروط طرحت للتصرف علي أساسها هذه الأرض وضمن عقد مبرم بين الجهة الحكومية المتصرفة في الأرض والشركة المنتفعة طالبة الاعتماد والمفترض أن هذه جميعها أمور تعتبر مكملة للقرار الوزاري المشار إليه. بل ينص القرار علي إلزام الشركة المستثمرة بتنفيذ المشروع خلال مدة التنفيذ المحددة في عقود البيع وشروط المزايدة وأنه في حالة عدم الالتزام بذلك يلغي القرار الوزاري ويعتبر كأن لم يكن..وأنه يحظر استخدام الأرض محل القرار في غير الغرض المتفق عليه كاملا وطبقا للاشتراطات البنائية الحاكمة وفي حالة المخالفة يلغي القرار الوزاري.. كما تلتزم الشركة بالحصول علي موافقة المجمعة العشرية للتأمين علي المباني وباستخراج التراخيص اللازمة وفقا لقانون البناء ولائحته التنفيذية. ويلاحظ أن القرار يلزم الشركة المستثمرة بعدم البدء في تسويق العقارات إلا بعد اكتمال الإنشاءات بالكامل وأنه لا يحق لها الإعلان عن بيع قطع أراض فقط دون إقامة الوحدات السكنية داخل القطع وأنه في حالة مخالفة ذلك يتم إلغاء القرار الوزاري وهو ما لا يحدث. بل يلزم القرار الشركة بتقديم برنامج زمني تفصيلي لتنفيذ المرافق يعتمد قبل بدء التنفيذ وفي حالة عدم الالتزام بالجدول الزمني يتم اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة ولكن هل يتم ذلك؟..والطبيعي الالتزام بالرسومات المعتمدة إلا أنه كثيرا ما تتم مخالفتها بل أحيانا سحبها من ملف المشروع بالحي وإخفاؤها بحيث لا تصبح هناك مرجعية للمقارنة. وبالرغم من وجود تحفظات فالملاحظ أن قرارات الاعتماد أصبحت أكثر انضباطا من ذي قبل. لكن يأتي الأهم وهو متابعة الالتزام بهذه الضوابط وضرورة أن يتم ذلك تباعا وأولا بأول وقبل أن تتفاقم الأمور وتصبح المخالفات أمرا واقعا يلزم التعامل معه وتتدخل مؤثرات أخري غير قانونية في كيفية وأسلوب التعامل من ظروف المواءمة أو الظروف العملية أو الاقتصادية أو الانسانية أو ضغط المنتفعين بالمشروع او حتي ضحاياه بل يضحي من يعمل علي مجابهة المخالفات وتنفيذ القانون كأنه قابض علي جمرة من نار بدلا من تشجيعه ومكافأته علي تطبيق القانون ويوصم بأنه غير متعاون أو حجر عثرة ضد الاستثمار والتنمية. ويتكرر الأمر كأن من لا يلتزمون يعرفون مسبقا بل يبدو أنهم واثقون أن هناك عوامل أخري ستتدخل لحمايتهم ومنع تطبيق الضوابط القانونية حيالهم ومشروعاتهم وأن الوضع مآله الاعتراف بالأمر الواقع وغايته قرار أو حكم لا ينفذ أو تعويض مالي بسيط يتضاءل أمام المكاسب الخيالية المحققة من المخالفات.. ويزداد المنضمون إلي فريق المخالفين وتضيع الحقوق والاخلاقيات. ومن أسف أننا كلنا نعلم أن هذه المخالفات لا تتم في ليلة وضحاها بل عبر شهور وسنين وهي لا تتم سرا بل علنا أمام الجميع تناطحهم ومنهم المسئول اصلا عن متابعتها مراقبتها. ثم بعد ذلك نتحسر علي عدم الالتزام بالقانون وعلي المكاسب التي ضاعت علي الدولة والأفراد ونتندر علي حالة المجتمع. فإما أن نحترم القانون واللوائح وإما ان نغيرها او ننقيها أو حتي نلغيها ان كانت مجحفة أو غير عملية أو معوقة ولكن يجب ان تكون الامور واضحة إما أبيض أو أسود لكن مش رمادي حرصا علي هيبة وحق الدولة والمجتمع. كلية الهندسة - جامعة الاسكندرية