ورد إلي دار الإفتاء سؤال يقول :" ينْكِر بعض الناس علي زُوَّار بيت الله الحرام تمسكهم بأستار الكعبة وتشبثهم بها، والتصاقهم بجدرانها، ويقولون إن هذا بدعة، أفتونا في هذه المسألة. ويجيب مفتي الجمهورية الدكتور علي جمعة قائلا :" الكعبة وهي أول بيت وضع في الأرض لعبادة الله عز وجل، قال تعالي: {إِنَّ أَوَّلَ بَيتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًي لِلْعَالَمِينَ"، وقد جعل الله ما حول مكة من جميع جهاتها الأربع حرمًا آمنًا، تكريمًا لبيته الحرام، وقد جعلها الله عز وجل قِبْلَةً للمسلمين يستقبلونها في صلاتهم خمس مرات، ولا يجوز لإنسان أن يستقبل غيرها، بل لو اتخذ قبلة غيرها عالمًا متعمدًا لا تقبل صلاته،،وقد جعل الله عز وجل عز وجل الطواف بالكعبة من خصائصها، فلا يطاف بشيء غير الكعبة، قال تعالي: {وَلْيطَّوَّفُوا بِالْبَيتِ الْعَتِيقِ}، والمراد بالتعلُّق بأستار الكعبة: هو التشبث بها والالتصاق بأركانها وكسوتها. والكسوة هي ما يتَّخذ من الثياب للستر والحلية. وهذا التعلق يكون المراد منه هو الإلحاح في طلب المغفرة، وسؤال الأمان، كالمذنب المتعلق بثياب من أذنب إليه، المتضرع إليه في عفوه عنه المظهر له أنه لا ملجأ له منه إلا إليه، وذكر ابن عساكر في تاريخ دمشق: قال عبد الباري لأبي الفيض: ما معني التعلق بأستار الكعبة؟ فقال: مَثلهُ مثل رجل بينه وبين صاحبه جناية، فهو يتعلق به ويستخذي له رجاء أن يهب له جرمه. .وكان العرب قبل الإسلام إذا أراد أحد منهم أن يؤَمِّن نفسه دخل الكعبة وتعلَّق بأستارها، وقال الإمام الغزالي: وأما التعلق بأستار الكعبة والالتصاق بالْمُلْتَزَمِ، فلتكن نيتك في الالتزام طلب القرب حبًّا وشوقًا للبيت ولرب البيت، وتبركًا ، ورجاء للتحَصُّن عن النار في كل جزء من بدنك لا في البيت، ولتكن نيتك في التعلق بالستر الإلحاح في طلب المغفرة وسؤال الأمان، كالمذنب المتعلق بثياب من أذنب إليه المتضرع إليه في عفوه عنه، المظهر له أنه لا ملجأ له منه إلا إليه ولا مفزع له إلا كرمه وعفوه وأنه لا يفارق ذيله إلا بالعفو وبذل الأمن في المستقبل. وعلي هذا فالتعلق بأستار الكعبة أو مس البيت والدعاء، كل ذلك من الأمور المندوبة باعتبار ما تحمله من معاني التبرك والإجلال والتعظيم، ولا ينبغي أن يترتب علي هذا الحكم التفصيلي فوضي في التعامل مع الكعبة، مما يعد إساءة واستهانة بذلك البيت المقدس، كما أنه يجوز للقائمين علي أمر المسجد الحرام تنظيم ذلك الأمر، وإن وصل إلي منعه خشية علي كسوة الكعبة من التمزيق وحسمًا لتلك الفوضي، ولكن لا يكون منع ذلك بادِّعاء حرمة نفس الفعل أو كونه شركًا. والله تعالي أعلي وأعلم.