انقسمت الآراء وتباينت حول حكم المحكمة الإدارية العليا في مصر الذي بموجبه يرحل الحرس الجامعي إلي خارج أسوار الجامعة ليحل محله وحدات أمنية تشرف عليها إدارة الجامعة، هنالك طريق يري أن وجود الحرس داخل الجامعة يقيد حرية الطلاب والأساتذة ومن ثم يعرقل كل محاولات النهوض بالعملية التعليمية، وهنالك فريق آخر يري أن عدد الطلاب في الجامعات الحكومية (وعددها 18 جامعة) كبير حيث يبلغ نحو مليوني طالب وطالبة وهذا العدد لا يمكن السيطرة عليه من دون مساعدة رجال الشرطة، وفي ظني فإن الأعداد الكبيرة التي تلتحق بجامعاتنا الحكومية لا مثيل لها في الجامعات العالمية ،حيث لا يزيد عدد طلاب أكبر جامعاتها علي 50 ألف طالب، وهذه الأعداد القليلة نسبيًا يمكن السيطرة عليها بسهولة بواسطة وحدات أمنية تابعة للجامعة كما هو الحال في جامعاتنا الخاصة. من المعروف أن الجامعات العالمية لا تعاني من الأزمات التي تعاني منها مثيلاتها في بلادنا ويرجع ذلك إلي سببين: 1- قلة أعداد الطلاب التي تلتحق بها، 2- هذه الجامعات مقامة علي مساحات شاسعة بحيث يضطر الطلاب إلي استقلال حافلة للانتقال من مبني إلي آخر داخل الحرم الجامعي. فالولايات المتحدةالأمريكية مثلا تضم مؤسسات تعليمية عليا يبلغ عددها - وفقا لتقرير اليونسكو - نحو 5758 مؤسسة جامعية. وهذه المؤسسات أو الجامعات تستوعب أكثر من 14 مليون طالب، أي 4.75% من سكان الدولة. اللافت للنظر أن هذه الجامعات لا تكتظ بالطلاب كما هو الحال في جامعتنا حيث بلغ عدد طلاب جامعة الأزهر في 2006-2007 نحو 350236 طالب وطالبة أي بنسبة أكثر من 18% من إجمالي الطلاب في الجامعات الحكومية وبلغ عدد طلاب جامعة القاهرة في عام 2009-2010م نحو 188 ألفا. وحسب الإحصائية التي أجريت في خريف 2009م فإن أكبر جامعة في أمريكا من حيث عدد الطلاب هي جامعة أريزونا التي تضم 55 ألف طالب، تليها جامعة وسط فلوريدا التي تضم 53 ألفا وخمسمائة وثلاثة وسبعين طالبا وتتوزع مبانيها بين 12 حرمًا جامعيا. أما المرتبة الرابعة فتحتلها جامعة مينسوتا التي تضم نحو 52 ألف طالب وتتوزع مبانيها بين مدينتين مينابوليس وسانت بول، من الواضح أنه لا توجد جامعة أمريكية يزيد عدد طلابها علي 50 ألف طالب. كما أن مقارنة بسيطة بين مساحة جامعاتنا ومساحة جامعات العالم المتقدم تجعلنا نشعر بالخجل. فمن الملاحظ مثلا إن مؤسسة عريقة كجامعة القاهرة يتردد عليها نحو 188 ألف طالب لا تزيد مساحتها علي 320 فدانا. وفي المقابل فإن جامعة ستانفورد التي تقع في بالوالتو في كاليفورنيا التي لا يرتادها سوي 15 ألف طالب تعتبر من كبري الجامعات مساحة في العالم حيث تتوزع مبانيها علي مساحة أكثر من 33 كم وهذه المساحة تعد وحدة واحدة. والأغرب من ذلك أن جامعة ديوك التي يلتحق بها نحو 13 ألف طالب تحتل مساحة تبلغ 35 كم غير أن هذه المساحة لا تعتبر قطعة مساحية واحدة، حتي جامعة نيويورك بفلو التي تخرجت فيها تبلغ مساحتها نحو 5447كم (1346 فدانا) وهي مساحة صغيرة مقارنة بمساحة جامعة ستانفورد أو جامعة ديوك. لقد استطاعت جامعة بفلو التغلب علي مشكلة ازدياد أعداد الطلاب (30 ألف طالب فقط) من خلال إنشاء حرم جامعي جديد يبعد عن الحرم القديم بنحو عشرين كيلو مترا حيث تم تخصيص الحرم القديم القريب من المدينة للكليات التي تؤدي خدمات مباشرة للمواطنين ككلية الطب وكلية طب الأسنان وكلية الصحة العامة وكلية التمريض وخلافه، أما الحرم الجديد فقد تم تخصيصه للكليات النظرية. وقد يقول قائل إن الجامعات ذات الأعداد القليلة (مقارنة ببعض جامعاتنا) وذات المساحات الشاسعة لا تساهم في تنمية مجتمعاتها ولعلها تمثل عبئًا علي الأجهزة الأمنية التي تحمي سلامة مريديها ومبانيها. لعل العكس هو الصحيح إذ إن هذا العدد الضخم من الجامعات ساهم في رفع المكانة العلمية لأمريكا حيث تحتل 35 جامعة أمريكية مواقعها ضمن الجامعات الخمس والأربعين الأولي علي مستوي العالم في تصنيف شنغهاي. وحسب ما جاء في تقرير معهد مساشوسيتش للتكنولوجيا فإن الجامعات الأمريكية في عام 1995م أصدرت 2142 براءة اختراع في مجال التكنولوجيا ونتيجة لذلك فقد تأسست 169 شركة في ذلك العام. كما أن براءات الاختراع التي أصدرتها هذه الجامعات في الفترة من عام 1980م حتي 1995م قد ساهمت في تأسيس 1100 شركة، الجدير بالذكر أن هذه البراءات توفر أكثر من 150 ألف فرصة عمل كل عام، وفي نفس الوقت فإن هذه الجامعات تتمتع بالاستقرار وتكاد تخلو من أعمال الشغب التي تعاني منها مؤسساتنا. وخلاصة القول فإن الاتجاه لتقليل أعداد الطلاب ولإنشاء الجامعات علي مساحات كبيرة سوف يساهم في استقرار الأوضاع داخل الجامعات دون أن تعتمد علي أعداد غفيرة من قوات الأمن التي أدت دورها في أحلك الأوقات وأصعبها.