استكمالا لحديثنا السابق حول موقف مصر رسميا وشعبيا من تهديدات تنظيم القاعدة باستهداف الكنيسة المصرية في مصر والخارج، ودور بعض وسائل الإعلام في تأجيج روح الفتنة بين الأشقاء داخل الوطن، أري أنه يلزم علينا أن نتعرف عن قرب علي رؤية الإعلام للآخر، قد يكون الآخر دينيا، أو سياسيا، أو ثقافيا، أو جنسيا، فالآخر بحسب التعريف شبه المتفق عليه هو كل شخص مختلف عن الذات، سواء في الملامح الجسدية، أو الهوية الثقافية، أو الوضع الاجتماعي، والمصطلح، كما يبدو من التعريف شديد الديناميكية، ويؤدي إلي أن تصبح الحياة مساحة للتفاعل بين «الآخر» المختلف في شتي المجالات. بالطبع، وكما ذكرنا يلعب الإعلام دورا مهما في رسم صورة ذهنية عن الآخر، فإذا كان للإعلام تأثير في تحديد الأطر التفسيرية المرجعية للأفراد حول قضية ما، فإنه بالتأكيد له الثقل ذاته، في التأثير علي «الصور الذهنية» التي يحملها الشخص تجاه العديد من الأحداث، والأشخاص، والمتغيرات حوله. تلك الصورة التي يرصدها الصديق والباحث سامح فوزي، مؤكدا أنه بالطبع ليس الإعلام وحده هو المسئول عن تشكيل الصور الذهنية للأفراد، فإلي جانبه توجد التنشئة الأسرية، والتعليم، والخطابات الدينية، وجماعات الرفاق، إلخ.. ولكن يظل الإعلام له سطوة، وبريق، وحضور، وتأثير خاصة مع تطور وسائل الإعلام علي نحو غير مسبوق مع دخول عصر السموات المفتوحة، والفضاء الإنترنتي. وبحسب التعريف الذي طرحناه لمصطلح الآخر، فإن الإعلام يلعب أدوارا متباينة في تكوين صورة نمطية عن الآخر، علي اختلاف تجلياته، الآخر السياسي، الآخر الاجتماعي الآخر الديني، الآخر المذهبي.. إلخ وفي هذا السياق هناك العديد من النماذج التي يمكن استخلاصها، وتحليلها فيما يتعلق بما يكونه الإعلام المصري من «صور» عن الآخر. 1- إعلام المساجلات أحد أبرز صور التغطية الإعلامية - في الوقت الراهن - هي «إعلام المساجلات»، وأعني أن تتحول القضايا الداخلية لمؤسسات المجتمع باختلاف أنماطها إلي مساجلات علي صفحات الصحف، وعلي شاشات الفضائيات، وفي مواقع الإنترنت، أي يتحول الإعلام - بمعني من المعاني - إلي فضاء سياسي مدني للتنفيس، وإدارة معارك داخلية في مؤسسات المجتمع ذاتها. وهذا يعني أمرين أساسيين، الأول افتقاد مؤسسات المجتمع إلي الحوار الديمقراطي داخلها، مما جعل الإعلام ساحة لمساجلات أعضائها، والعاملين فيها، وقد يصل الأمر إلي حد إدارة معاركهم الشخصية عبر وسائل الإعلام، والأمر الثاني، أن مؤسسات المجتمع باختلاف أنماطها لم تعد تمتلك «ميكانزمات» ضبط حركة أعضائها، وتحقيق التزامهم المؤسسي والمهني، أدي ذلك إلي أن مشكلات هذه المؤسسات باتت تطرح إعلامها أكثر ما تطرح في اجتماعات تجمع بين رحابها المعنيين بالأمر. والأمثلة عديدة علي ذلك: فمنذ عدة سنوات هناك مساجلات بين القضاة، خاصة فيما يتعلق بعلاقة نادي القضاة بوزارة العدل. هذا شأن قضائي فئوي ومؤسساتي بحت، يجب أن يناقش، وتجري تسويته داخل «الأسرة القضائية» إن صح التعبير، ولكن نظرا لغياب الحوار بين المعنيين بالأمر، وعدم فعاليته، تحولت وسائل الإعلام إلي نوافذ دائمة لمتابعة القضية بما تحوي من مساجلات، وتراشقات واتهامات، إلخ. مثال آخر ما يجري داخل الأحزاب السياسية، فقد تحولت المتابعات الإعلامية لأنشطة الأحزاب السياسية إلي متابعة «ساخنة» و«متلاحقة» للخلافات التي تدب داخل هذه الأحزاب وهذا النمط من المتابعات هو أحد الملفات الأساسية للإعلام في أي مجتمع تعددي، لكن لا يجب - أكرر - أن تتحول المنابر الإعلامية إلي ساحة للمساجلات بين قيادات وأعضاء هذه الأحزاب بعد أن ضاقت أروقتها، وصالوناتها، ومنتدياتها عن استضافة حوار ديمقراطي بين أعضائها، ماذا يهم القارئ أو المشاهد العادي من متابعة الخلافات بين قيادات أحزاب «التجمع» أو «الوفد» أو «الناصري» أو «الأحرار» أو «الأمة»؟ الذي يهم المتلقي للخدمة الإعلامية، ويصب في تطوير الممارسة الديمقراطية، هو الحديث عن دور هذه الأحزاب في النظام السياسي، العقبات التي تواجهها، ضعف قدرتها عن التعبئة الجماهيرية، تطور برامجها، أطروحتها لمواجهة المتغيرات، إلخ، هذه القضايا، وغيرها، إما غائبة، أو ضعيفة الحضور في وسائل الإعلام. ولعل ما يحدث اليوم بالنسبة للانتخابات البرلمانية هو خير دليل لذلك. 2- إعلام الاستهداف في الفترة الأخيرة يقوم الإعلام باستهداف -علي فترات - مجموعات من الأفراد التي تنتظم حول انتماء مهني، أو وظيفي، أو إيماني، علي المشاع يعرف ذلك في الصحافة الأجنبية بتعبير شهير «Name and Shame» ويعني أن يتم استهداف شخص أو جماعة، ووضعهم في قالب يشعرهم بالعار اجتماعيا أو ثقافيا أو سياسيا وهناك أمثلة كثيرة علي ذلك. في الفترة الأخيرة أصبح «المدرسون» علي الخط الأمامي للترصد الإعلامي، جاء ذلك علي خلفية قيام مدرس بضرب تلميذ مما أدي إلي وفاته.. الحادث مؤلم، ويحتاج بالتأكيد إلي نقاش جدي، ولكن تحول الأمر - في وسائل الإعلام - إلي ما يشبه «الحملة» علي المدرسين، أدي ذلك إلي إشاعة مناخ من الإحباط - طيلة هذه الفترة - في أوساط المدرسين الذين أخذوا بجريمة مدرس ارتكب جريمة، ونال جزاء ما فعله. أيضا قصة اغتصاب طفل في إحدي المدارس.. إلخ. في فترة أخري يجري استهداف الأشخاص في حياتهم الخاصة، ولا سيما إذا كانوا من السياسيين أو من رموز المجتمع، مما يؤدي إلي الخوض في خصوصيات البشر التي من المفترض أن تكون بمنأي عن أي استباحة أو تدخل، ولا يوجد مبرر لنشر أخبار عن الحياة الخاصة لأي شخص كان. وللأسف فإن الشخص المستهدف يتحول إلي «متهم» يدافع عن نفسه بكل السبل، ويسعي لدرء أي اتهام في حقه. في فترة أخري يجري الترصد للعاملين في مجال العمل الأهلي، وإلي استهداف أشخاص بعد وفاتهم ليس في مقدورهم التمتع بحق الرد. للحديث بقية