شهدت الفترة القليلة الماضية نوعا من الاحتقان الطائفي, كثرت فيه التشنجات والعصبيات والتوترات في العلاقة مابين أبناء الوطن الواحد نتيجة بعض التصرفات غير المسئولة التي صدرت هنا أو هناك, ساهم الإعلام بصورة المختلفة في تأجيج هذه الحال من خلال برامج التوك شو, والصحف الخاصة والحزبية, والمواقع الإلكترونية التي استغلت هذه الأحداث لأغراض خاصة. ولعل الأحداث الأخيرة التي وقعت خلال الأيام القليلة الماضية من قبل تنظيم القاعدة داخل إحدي الكنائس في بغداد, والتي راح ضحيتها العشرات من المصلين, وما أعقبه من تهديد للكنيسة القبطية في مصر. هذه الأحداث أعادت ظهور المعدن الأصلي للشعب المصري. فمن كانوا يهتفون بالأمس ضد الكنيسة, خرجوا اليوم ينددون باستهداف الكنيسة أو اي بيت من بيوت الله. المؤسسة الرسمية للدولة وعلي رأسها الرئيس مبارك, والمؤسسة الدينية الإسلامية وعلي رأسها فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر, ووزارة الأوقاف استنكروا جميعا الاعتداء علي كنيسة بغداد وتهديد الكنيسة القبطية. حتي من يطلقون علي أنفسهم الجماعات الإسلامية استنكروا مثل هذه التهديدات. وعلي الرغم من طبيعة الحدث الذي نحن بصدده اليوم, أري أنه يجب استغلاله بصورة أو بأخري لعودة روح المحبة والألفة والتسامح فيما بيننا, فعلا وليس قولا. علينا ان نعود بالذاكرة إلي الوراء قليلا, ونستعيد ذلك الزمن الجميل الذي كنا فيه لانعرف هل هذا مسلم أو مسيحي, إلا من خلال معرفة أسمه بالكامل, وأحيانا كنا لا نعرف. علينا أن نعيد لغة الحوار العامة, لا لغة الحوار الاعلامي والأحضان والقبلات, الحوار المبني علي احترام حق الآخر فيما يعتقد, وتعزيز ثقافة العيش المشترك الواحد داخل الوطن الواحد. ايضا تأكيد احترام الخصوصيات والمشاعر والرموز والمقدسات الدينية, وألا يقتصر ذلك علي سلوك أهل كل دين تجاه أهل الدين الآخر, وإنما يعبر عن نفسه في وقوف الطرفين معا ضد اي امتهان لمقدسات اي منهما ايا كان مصدره, وهو ما نجسده اليوم كمصريين ضد الاعتداء علي أي من دور العبادة سواء أكانت كنيسة او مسجدا ومعبدا. إننا نواجه اليوم الكثير من التحديات المشتركة التي تكمن في عدم فهم القصد من الحوار, فالحوار لا يعني ان يحاول اي منا أن يدعو الآخر لترك دينه والاقتناع بالدين الآخر بل المقصود هو كيف يمكن ان نعمل علي استخراج القيم الأخلاقية من هذه الأديان وهي قيم مشتركة من أجل سعادة الانسان وطمأنينته.