"الكاتب لا يجب أن يكون في خدمة من يصنعون التاريخ بل من يتكبدونه"، هذه هي حكمة قصص حياة وحكايات وأقدار أربع أسر: مصرية وفلسطينية ويهودية وعراقية، التي يرصدها جيلبير سينويه - الكاتب الفرنسي المصري المولد - في جديده "صرخة الحجر"، مسترجعا أحداث نصف قرن من تاريخ الشرق الأوسط المثقل، جعلت المنطقة بحسب تعبيره "مخزن بارود منذورًا للصراعات الأبدية". الرواية هي الجزء الثاني من مشروع كتابه ذي العنوان الدال "إن شاء الله"، والأول "نفحة الياسمين" صدر أوائل هذا العام. يرصد بدايات الصراع العربي الإسرائيلي بوصفه "قدرا" منذ 1916 (اتفاقية سايكس بيكو) حتي اليوم، من وجهة نظره القائلة إن "إسرائيل خطأ تاريخي". الأسبوع الماضي، استرجع سينويه ذكريات النشأة المصرية منذ 1947، عام ولادته في الإسكندرية، فقد حل علي مصر التي غادرها منذ أربعين عاما ضيف مكتبة أم الدنيا الفرانكفونية والمركز الثقافي الفرنسي وجمعية قدامي طلاب الجيزويت (مدرسة العائلة المقدسة) التي قضي فيها جيلبير سني الدراسة. والكاتب خصص لمصر خمسة أعمال هي: "المصرية"، "فتاة النيل"، "الفرعون الأخير" عن محمد علي باشا، "إخناتون الإله الملعون"، و"الكولونيل والملك الطفل" عن الملك فاروق وجمال عبد الناصر، وفيها جزء من سيرة سينويه نفسه، وكان قد أصدر أولي رواياته عام 1987، بعنوان "أرض العادلين" وتدور أحداثها أثناء حرب 67. في روايات صاحب "صمت الآلهة" و"اللوح الأزرق"، نعيش مشاعر شخصياته الشرقية. وفي "إن شاء الله" التي استغرق عشر سنوات لكتابتها يعيد النظر في الهولوكست، يعود إلي وعد بلفور وإقامة إسرائيل، لكنه يفسر الأحداث التاريخية بشكل إنساني. في "نفحة الياسمين"، يروي حكاية الأسر الأربع من 1916 حتي 1956، أما في "صرخة الحجر" فيستكمل الحكاية من العدوان الثلاثي وتأميم القناة حتي 2001 مع أحداث 11 سبتمبر، راصدا الانقسامات التي بدأت تتزايد وسط العالم الإسلامي، ويسلط الضوء علي تعقيدات "منطقة تبحث عن السلام". بلمحة تفاؤل وكذلك بلمسة تساؤل عن المصير، يتوجه جيلبير - اشتق اسم سينويه من رواية "سنوحي المصري" أو البحار الغريق للكاتب الفنلندي ميكا والتاري - بعبارة "إن شاء الله" مؤكدا أن الدولة الفلسطينية ستكون مثل "قطع البازل" مع تزايد المستعمرات الإسرائيلية. ومن خلال أحداث جزئي العمل "إن شاء الله" نشهد حقائق تاريخية كبري وأقدارا خاصة تتخللها قصص حب وغرام كالتي تجمع بين الشاب اليهودي أفرام برونشتاين والصبية الفلسطينية جمانة. اختار سينويه أربع عائلات تمثل المجتمع الشرقي وهي: عائلة الشهيد من حيفا بزعامة حسين الذي كان يعمل في زراعة الحمضيات، وعائلة ماركوس اليهودية الآتية من بولونيا، وعائلة لطفي من مصر التي يتزعمها فريد لطفي بيه الذي يعمل في زراعة القطن، ثم عائلة الصافي من بغداد، والجميع من أصحاب الأفكار المنفتحة عل المستعمر الغربي، لكن سرعان ما تظهر الإشارات السوداء الأولي مع إعلان وعد بلفور الذي حول إقامة الدولة اليهودية علي أرض فلسطين من حلم إلي واقع. تتصاعد أحداث رواية "صرخة الحجر" مع تنامي مشاعر القومية والأصولية في نفوس أبطالها، ونتلمس معهم عمق الجرح القادم إلي المنطقة بعد عام 1916، أي بعد توقيع معاهدة سايكس بيكو، ومن وقتها عاش الفلسطينيون في اضطهاد وطغيان. وضمن هذه الظروف، يري سينويه في الرواية أنه لم يكن مستغربا أن الحلم الجميل لإسرائيل لن يتحقق إلا من خلال حمامات الدم التي لا تحصي، "إسرائيل هرطقة، وما يحدث في فلسطين حالة مروعة، والمستوطنات جرائم ضد الفلسطينيين، هي جنون العصر".