كتبت مقالي (العوا وتهديد القاعدة) صباح الثلاثاء، وقد نُشر في هذا المكان صباح الأربعاء، واعتبرته متأخرًا يومًا كاملاً، ووجهت اللوم لنفسي.. إذ افترضت أنه كان علي أن أنشره صباح الاثنين أو صباح الثلاثاء علي أقصي تقدير، طالما أن تهديد القاعدة في العراق لكنائس مصر صدر يوم الأحد. وقد تلقي هذا المقال تعليقات عديدة، ووزعته مواقع مختلفة علي شبكة الإنترنت، لكن بعض الإخوان ومناصريهم، أو متصنعي الموضوعية، سجل ملاحظة تقول إنني بنيت الفقرة الأولي من مقالي علي أن الجماعة المحظورة لم تدن هذا التهديد لكنائس مصر.. في حين أن الإخوان أصدروا بياناً بالإدانة، ومن ثم فإن هذا يعني من جانبي وفق ما يفهم تربصًا وتصيدًا وعدم ذكر للحقيقة (!!) ومن المفترض في أي كاتب يحافظ علي مصداقيته ألا يكابر، وأن يشرح مبرراته، إن كان قد خفي منها أمر ما، أو أن يصحح إن خالف الحقيقة، والحقيقة هي أن البيان المشار إليه والمنسوب إلي جماعة الإخوان صدر يوم الثلاثاء الساعة الثانية ظهرًا، وفق ما هو مدون علي موقع الجماعة المحظورة، أي بعد ما لا يقل عن 38 ساعة من صدور تهديد القاعدة في العراق، وفي ذات اليوم صدرت تنديدات من الجماعة الإسلامية وحزب الله في لبنان، جاء هذا بعد أن كانت المؤسسة الدينية المصرية قد تحركت مبكرًا وتكلمت لكي تدين وترفض هذا الكلام الخطر الذي يهدد أمن مصر القومي.. وأخذت مواقف صريحة وواضحة ووطنية. وقد قلت في مقالي: (ولست أتوقع أن تصدر الجماعة بيانًا واضحًا، لم يحدث أبدًا أن أدانت الإرهاب أو التلويح به إدانة جدية).. ما يعني من جانبي احتمال صدور إدانة ملتبسة.. وهو ما كان من الجماعة فعلاً في هذا البيان المتأخر.. وقد صدر بيان الإخوان من ست فقرات.. وهدف بالأصل إلي إعلان موقف من جريمة كنيسة (سيدة النجاة في العراق).. وفي الفقرة الأولي إدانة للمذبحة، وفي الثانية تحميل مسئولية ما جري للاحتلال الأمريكي للعراق، وفي الثالثة تحميل الاحتلال أسباب الفتنة، وفي الرابعة عبارة عامة بشأن حماية دور العبادة، وفي الخامسة عبارة بشأن رفض تهديدات كنائس مصر، وفي السادسة هجوم علي الدولة المصرية. ويثبت هذا التحليل الشكلي للبيان ما قلت بخصوص أنه لا يمكن توقع بيان إدانة واضح من الإخوان، ولعل الجميع لاحظوا الالتفاف حول الأمور، والهروب من قول فصل بخصوص القاعدة في العراق، والعبور مباشرة إلي الاحتلال.. الذي لا يمكن لأحد أن يؤيده.. ومن ثم وبعد أربع فقرات جاءت إدانة التهديد بالاعتداء علي كنائس مصر.. وصولاً إلي فقرة الهجوم علي الدولة المصرية التي قال البيان فيها ما يلي: (نلفت النظر إلي أن ضعف الدولة المصرية وعدم تطبيق القانون علي الجميع وعدم احترام أحكام القضاء وتنفيذها علي الجميع هو السبب الرئيسي لاندلاع الفتن واستشرائها في مجتمع لم يعرف مثل هذه الفتن الغريبة إلا في العقود الأخيرة لغياب دولة القانون وانعدام الحريات وبسبب الاستبداد الذي يعاني منه المجتمع). والمعني واضح جدًا ويثبت وجهة نظري، وهو أن الإخوان لم تدن القاعدة، وإنما ساوت بين الاحتلال الأمريكي في العراق باعتباره سبب الفتن وبين الدولة في مصر واعتبارها أيضًا سبب الفتن في مصر.. وهذا معني تكفيري يبرر الإرهاب وليس يدينه.. بل إن تنظيم القاعدة الذي هدد كنائس مصر لم يحظ في هذا البيان بأي عبارات تسبه وتحقره هو وإنما أدين تهديده.. كما أن بيان الإخوان أعطي له التبرير في أن يقوم بما قام به.. إذ قال البيان إن هذا بسبب الاحتلال. ولست أعرف كيف يمكن لجماعة يفترض أنها تضم مصريين أن تقول هذا عن الدولة في مصر، وأن تساوي بينها وبين الاحتلال الأمريكي في العراق، وأن تعتبر أن سبب الجرائم الطائفية كلها له علاقة بموقفها هي الإخوان من الدولة.. ناهيك عن أن المفترض في هذا البيان أنه يناقش تهديدًا خارجيًا ولا يتحدث عن فتنة داخلية.. فما الذي كان يعنيه الإخوان بهذا.. ولماذا حولوا التهديد الإرهابي الخارجي في بيانهم إلي وسيلة لتصفية الحسابات مع الدولة. إن البيان الذي صدر متأخرًا يثبت ما جاء في مقالي، ويؤكد مجددًا ما أقوله مرات متكررة بشأن تحبيذ الإخوان للإرهاب، وأنها جماعة لا يمكن أن تأخذ منه موقفًا واضحًا.. لأنها ببساطة تعتبره واحدًا من روافدها.. وجاء من فكرها.. والأخطر هو أن هذا البيان أو غيره من التصريحات التي صدرت من نفس المعسكر عقب تهديد قاعدة العراق لم يقل شيئًا بخصوص ما جاء في أحاديث سليم العوا حول كنائس وأديرة مصر.. هذا الذي قاله وكتبه حول كاميليا ووفاء والأسلحة التي زعم وجودها.. لم يكن سوي النص الذي لجأت إليه القاعدة في العراق وهي تبرر تهديدها لكنائس مصر.. والأهم من كل هذا أن العوا لم يقل حتي الآن أنه لديه موقف مما جاء لنا ولدولتنا ولدور العبادة في بلدنا من تهديد بسبب كلماته. الموقع الإليكترونى: www.abkamal.net البريد الإليكترونى: [email protected]