إحدي سمات عمرو موسي الأمين العام لجامعة الدول العربية أنه يحسب خطواته بعناية، يدرس ملفاته بامتياز، يحدد مواقفه في ضوء رؤية استراتيجية شاملة للأمور، يبذل جهودا جبارة لتحقيق ما يراه في صالح تعزيز العمل العربي . الجمعة الماضي كان في طرابلس بالجماهيرية الليبيبة مشاركا في الاجتماع الوزاري الخماسي لدراسة وثيقة منظومة العمل العربي المشترك ثم عاد للقاهرة مساء نفس اليوم، ليغادرها في الساعات الاولي من صباح اليوم التالي السبت، ليبدأ زيارة مكوكية استغرقت يومين للعراق، رغم ان الجهد الذي بذل فيها يحتاج الي اسبوع علي الاقل من اللقاءات والمباحثات، وقد أعجبني ما قاله اسامة النجيفي رئيس مجلس النواب العراقي عندما التقي موسي واشارته الي انه دخل العراق "من الباب" علي عكس دول وشخصيات كان طريقها من الشباك، واعتمدت علي احزاب وجهات معينة ففشلت. بينما نجح هو في كسب كل القوي العراقية اختار موسي جدول اعماله في العراق بدقة شديدة بميزان من ذهب. فالرسالة التي نجح في توصيلها لكل العراق بكل اطيافه السياسية وتنوعه الاثني والمذهبي انه مع الجميع وعلي مسافة واحدة من الجميع لصالح العراق الموحد. ولذلك لم يكن من الغريب ان يكون أول لقاءاته مع كبار رجال السلطة التنفيذية رئيس الجمهورية جلال طالباني ورئيس الوزراء نوري المالكي ونائبي رئيس الجمهورية ونواب رئيس الوزراء الثلاثة كل منهم في تخصصه وحسب الملفات التي يعمل عليها ناهيك عن جلسة مباحثات مطولة مع هوشيار زيباري وزير الخارجية اقترب الليل من منتصفه قبل ان ينهي عمرو موسي يوما شاقا تخلله فقط غذاء رسمي استمرت خلاله المشاورات مع وزير الخارجية . بدأ يومه الثاني بلقاء مع رؤساء الطوائف المسيحية بعد زيارة عزاء لرواد كنيسة سيدة النجاة العراقية التي تعرضت لهجوم غاشم من عناصر قيل انها تنتمي لتنظيم القاعدة جاءت الزيارة في الوقت المناسب التي يتعرض فيه مسيحيو الشرق لمعادلة غاية في التناقض وكأنه سيناريو محكم طرفاه الغرب بترحيبه المريب بهجرة المسيحيين وكلنا يعرف موقف اوربا الواضح من رفض المهاجرين الجدد، وتهديد الجماعات المتطرفة مما خلق اجواء غير مريحة تعيد للأذهان زمن صراع الحضارات والاديان كانت الزيارة زيارة دعم للابقاء علي نسيج المجتمعات العربية باعتبارهم شركاء وطن وليسوا ضيوفا طارئين. واستمرت اجتماعات موسي المكوكية حيث حرص علي التماس مع كل طوائف الشعب العراقي بعد ان خاطب نوابهم في البرلمان وهي خطوة لاقت استحسان الجميع فهي الاولي لمسئول عربي واستمرت المباحثات مع رموز وقيادات الكتل السياسية العراقية اياد علاوي والزعيم الشيعي الشاب عمار الحكيم وابراهيم الجعفري وعشرات غيرهم وأمامه قبل كتابة هذا المقال المرجع الشيعي علي السيستاني. زيارة عمرو موسي كان لها عنوانان الاول التأكيد علي الدعم العربي للخطوات الايجابية التي يعيشها العراق بعد الانتخابات وتشكيل الحكومة والثاني الاطمئنان علي استضافة العراق للقمة، واعتقد ان الطرفين العرب والعراقيين كليهما لاسبابه الخاصة في حاجة الي مثل هذه الاستضافة والاستعدادات تجري علي قدم وساق لهذا الحدث منذ قمة مايو 1990 وهي آخر ما استضافته بغداد من قمم عربية .