كتب - د. صائب عريقات سنوات طويلة من المفاوضات مع الحكومات الإسرائيلية، علمتنا - نحن الفلسطينيين- أن العودة إلي طاولة المحادثات ليست كافية، فمن أجل حدوث تقدم حقيقي للمسيرة السلمية يتطلب هذا التزاما من جانب إسرائيل للتسوية التي تقوم علي مبدأ الدولتين، وقيم القانون الدولي واحترام التزاماتها وفقا للإتفاقيات السابقة. وعلي هذا الأساس وافقت القيادة الفلسطينية علي العودة إلي المفاوضات المباشرة قبل شهر ونصف الشهر، تدفعها الرغبة الحقيقية للتوصل لإتفاقية تنهي الاحتلال وتقيم دولة فلسطينية مستقلة. ولكن خلال أول اختبار أثبتت الحكومة الإسرائيلية عدم وجود رغبة حقيقية لتلك المسيرة، والرفض المطلق لتجميد البناء في المستوطنات والمطالبة بالاعتراف بإسرائيل كوطن الشعب اليهودي شريطة استئناف المفاوضات هو أحد آلاف الشواهد علي عدم وجود توجه حقيقي لتلك الحكومة نحو المفاوضات. فمن المنظور الفلسطيني، فإن الموافقة علي مطلب الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية يدل في المقام الأول علي خواء المفاوضات من المحتوي فيما يختص بمشكلة اللاجئين، علي عكس الإتفاقيات السابقة، ثانيا: الإضرار بحقوق الفلسطينيين من سكان إسرائيل، ثالثا: يلغي تماما الرواية الفلسطينية من خلال الاعتماد الكامل للفكر الصهيوني، مقابل هذا وعد رئيس الحكومة بأن يحاول تنفيذ - بشكل جزئي فقط ذ الالتزامات التي أخذتها إسرائيل علي عاتقها وفقا لخارطة الطريق والإتفاقيات السابقة بين الطرفين والقانون الدولي. فطالما أعلنت القيادة الفلسطينية أن الإجابة هي لا، ولن يقبل أي زعيم بالتخلي عن حق العودة وإلغاء الحق الفلسطيني، بالتأكيد دون تعليق جزئي ومؤقت للسياسات الإسرائيلية غير القانونية الواضحة. فتحديد طابع دولة إسرائيل هو مسألة داخلية لكم، والأمر المطروح في الخلاف صعب. ومن جانبها، فقد قبلت منظمة التحرير الفلسطينية عام 1988 بحل تاريخي، الاعتراف بدولة إسرائيل علي مساحة 78% من أراضي فلسطين المنتدبة، ووافقت علي إقامة دولة فلسطينية تكون القدسالشرقية عاصمتها علي مساحة ال 22% المتبقية. ومع بداية سنوات التسعينيات قامت منظمة التحرير بخطوة أخري، وقررت فتح المفاوضات المباشرة مع إسرائيل والتخلي عن الكفاح المسلح، والاعتراف مرة أخري بدولة إسرائيل كجزء من إتفاق أوسلو. وعلي نقيض ذلك ، فحتي يومنا هذا لم تظهر إسرائيل الرغبة الحقيقية للاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة علي حدود 1967 . أكثر من نصف مليون مستوطن يسكنون اليوم في الضفة الغربية، بينهم حوالي 200 ألف في مستوطنات داخل وحول القدسالشرقية، فحلقة المستوطنات حول عاصمة الدولة الفلسطينية المستقبلية تخنقها وتعزلها عن بقية الضفة. فالمستوطنات في سائر المناطق تقطعها وتحد من التواصل الإقليميي ومن قدرة قيام إقتصاد. فالحكومات الإسرائيلية السابقة إلي أجيالها الحالية أيدوا -دون تحفظ - تعزيز المستوطنات والإمساك بها ، واستثمار مئات الملايين من الشيكلات في إنشاء آلية سيطرة علي الشعب الفلسطيني، من أجل منعه من إقامة دولته المستقلة وضم الأراضي المحتلة، وذلك خلال الانتهاك المتواصل لحقوق الإنسان الأساسية، الأمر الذي يتجلي في مصادرة الأراضي واقتلاع الأشجار وإنشاء بنية تحتية وطرق التفافية، والمخصصة حصريا لاستخدام المستوطنين، فتلك الأنشطة استهلكت احتياطي الأراضي للدولة الفلسطينية المستقبلية، ويشكل هذا التهديد الأكبر علي تطبيق الحل الدائم. إنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية يتطلب إخلاء المستوطنات، وهذا يعارض قرار مواصلة البناء بها، بالإضافة إلي أن التجميد الحقيقي والشامل هو بمثابة اختبار لنوايا إسرائيل، فهي ملزمة باستئناف تلك المسيرة. هذا هو الاختبار الحقيقي لنوايا حكومة نتانياهو، فلا يمكن التحدث بتعبيرات السلام والتصرف كمحتل. إن الشعب الفلسطيني يطلب الاستقلال والحرية، ويمكن تحقيق هذا عن طريق تسوية شاملة وعادلة، تؤدي لإقامة دولة فلسطينية مستقلة، وتؤدي كذلك لحل عادل لقضية اللاجئين بروح مبادرة السلام العربية. فمازالت هناك فرصة - حتي ولو كانت أصغر- لتلك الإتفاقية، والكرة الآن في ملعب الحكومة الإسرائيلية. * كبير المفاوضبن الفلسطينيين نقلا عن يديعوت احرونوت ترجمة - إسلام عبد الكريم