لعلك قد شاهدت من قبل عشرات المسلسلات والأفلام التي تدور حول فكرة واحدة مثيرة وهي أن هناك شخصاً ما يريد التحكم في شعوب الأرض جميعاً مستخدماً سلاحاً سرياً من اختراعه أو قنبلة فتاكة مرعبة كفيلة بتدمير الأرض وما عليها. أحيانا يكون هذا الشخص عالما مخبولا أو رئيسا لمنظمة تعتنق فكرة ربما كانت وجيهة وهي أن البشر جميعا لا لزوم لهم. ويخوض البطل ضده معارك ضارية متتابعة بالطائرات والغواصات والمدمرات واللنشات والموتوسيكلات وأي وسيلة أخري من وسائل المواصلات، وفي اللحظة الأخيرة من الفيلم وعندما يشعر الشرير بالحلقة تضيق حول عنقه، يعطي أوامره بإطلاق القنبلة الرهيبة الفتاكة وهو يضحك بجنون. ويأخذ جهاز التفجير في القنبلة في إجراء العد التنازلي، مصدرا تكتكة تحطم أعصاب المتفرجين وأعصاب البطل والبطلة التي تكون ملابسها قد تمزقت أثناء الصراع مع الأشرار فبانت مفاتنها، ولكن بمضي المدة، ومضي الأفلام والمسلسلات، اكتسبت أعصاب المتفرجين قدرة هائلة علي مواجهة لحظات التوتر هذه تصل إلي حد البلادة. وذلك لأنهم علي يقين أن البطل سيتمكن قبل الانفجار بثانية واحدة من نزع فتيل القنبلة وإنقاذ العالم من الدمار. غير أن الجديد في آخر ما شاهدته للسيد جيمس بوند، هو أن البطل الشرير لم يكن عالما مهووسا أو ديكتاتورا مفتريا يريد السيطرة علي مقدرات الجنس البشري، بل رجل إعلام.. نعم، رجل إعلام، صاحب وكالة أنباء تمتلك أقمارا صناعية ومحطات تليفزيونية فضائية ومحطات إذاعية وجرائد ومجلات من كل نوع. وعلي حد قوله ( ما هو الفرق بيني وبين نابليون؟ كانت لديه فرق وألوية وكتائب وفصائل، وأنا أيضا لدي فرق وفصائل وكتائب من الإعلاميين) ولئن كان رجل الإعلام العادي، الطبيعي، التقليدي الذي نعرفه جميعا، يهتم بالبحث عن الخبر ونقله للقارئ أو المشاهد أو المستمع، فإن هذا الإعلامي الشرير لا يكتفي بانتظار الحدث لنقله إلي الناس، بل يقوم بصنعه، بمعني أدق بافتعاله، لتكون وكالته هي أول من ينفرد بإذاعته ونشره. ولكن التفوق المهني لم يكن هدفه الوحيد، لقد تخيل كاتب الفيلم أن صاحب وكالة أنباء كبري بدأ يخطط لقيام حرب عالمية ثالثة مستخدما أساليب جهنمية، منها افتعال حوادث علي الحدود بين الدول الكبري مستخدما التكنولوجيا الحديثة وبذلك يستطيع الانفراد بنشر وإذاعة كل أخبارها. هكذا يستطيع الاستيلاء إعلاميا علي كل عقول البشر فوق الكرة الأرضية كلها وبالتالي توجيههم لما يريد. من بين هذه الحوادث المدبرة، أن مدمرة انجليزية تبحر بالقرب من شاطئ الصين، فتظهر لها فجأة طائرتان مقاتلتان من سلاح الطيران الصيني وتوجهان لها إنذارا بالضرب إذا لم تنسحب إلي المياه الدولية. ولكن قائد المدمرة متأكد أنه في المياه الدولية، هذا أيضا ما يؤكده له ضابط الملاحة مستندا إلي القمر الصناعي، مستحيل بالطبع أن يخطئ القمر الصناعي في تحديد موقع المدمرة، يتوتر قائد المدمرة ويهدد الطائرتين بأنه سيدافع عن نفسه إذا اقتربتا منه ثانية، في تلك اللحظة تظهر قطعة بحرية غريبة الشكل أشبه بضفدعة بحجم الجبل، نعرف في ما بعد أنها سفينة شبح، أي لا تظهر علي الرادار، يخرج من السفينة طوربيد حلزوني أشبه بالشنيور العملاق يخترق جسم المدمرة ويغرقها بمن فيها. بالطبع ينجوا بعض البحارة الجنود، ويسبحون بحثا عمن ينقذهم، تقترب منهم السفينة الشبح فيقتربون منها فرحين بالنجاة، ولكن طاقم السفينة يطلق عليهم النار فيجهز عليهم. فكرة الفيلم غريبة بالفعل، لأنها تتكلم عن خطورة الإعلام علي سكان الأرض عندما تتحكم فيه الأهواء الخاصة، ونكمل غدا.