منذ «طفا» الكاتب الصحفي إبراهيم عيسي علي سطح الوسط الإعلامي من خلال صحيفة الدستور التي ترأس تحريرها وحتي تركها وأنا أتابع أداءه مراقبا هذه الظاهرة الغريبة علي الشارع المصري. والظاهرة التي أقصدها يمكن أن نطلق عليها تجاوزا «الصحفي الزعيم» والصحفي الزعيم هو الرجل الذي يظن أنه يري ما لا يراه الآخرون ويسمع مالا يسمعه الآخرون لذلك تجده يستنتج قراءات ويصل الي تحليلات متفردة . ثم تبدأ مرحلة " الاستقراء " التي تقوده الي " الاستقواء " وتليها مرحلة " الاستنباط " التي تدفعه الي " الاستعباط " وهنا يحدث التفاعل عن طريق البؤرة الميتافيزيقية المتحورة التي تنتج ما يسمي بظاهرة " الاستقواء الاستعباطي "ومن أهم أعراض هذه الظاهرة هو الشعور بالقوة " الخارقة " وهنا تبدأ الكتابات " الحارقة ".. كتابات لا تبقي ولا تذر، تسمم الأجواء تبعث علي التشاؤم تحطم العزائم وتشيع اليأس والإحباط بين الجميع، إنها كتابات لا تبني إلا حوائط وجدرانا شائكة من الخوف والقلق والترقب والانتظار. إنني لا أتحدث عن عيسي بالتحديد ولكنني تحدث عن ظاهرة باتت مقلقة ومؤلمة وباعثة علي القلق ،إنني تنبهت منذ أمد بعيد إلي تلك الظواهر الهدامة والتي تتخذ من آلام الجماهير سلما للصعود والنفوذ، إن الصحافة كما أفهمها وأتمناها أخبار دقيقة مجردة تصلني في الوقت المناسب وتحليلات موضوعية وتحقيقات تبحث عن حقائق غائبة وتصل الي حلول مبتكرة. والصحافة والإعلام عموما هما الوسيلة الأخطر في تشكيل وجدان الشعوب ووضع جدول لاهتمامات النخبة ، الإعلام كذلك لا يجب أن يكون بوقا للأنظمة الحاكمة يسلط الأضواء علي ما تريده تلك الأنظمة وقتما تريد بل يجب أن تكون هناك أجندة وطنية نابعة من المصالح العليا للبلاد. إنني أتعجب كثيرا عندما أتابع هذا الكم الهائل من البرامج والصحف والمقالات ولا أجد إلا غثاء كغثاء السيل، إنهم يلهثون وراء الفضائح والكوارث والأزمات والشكاوي والاعتصامات والمظاهرات والإضرابات والمحاكمات، إنني أتساءل ألا يوجد في مصر إلا هذه الملفات؟ ألا يوجد في مصر شيء يدعو للفخر والاعتزاز؟ هل تحول كل المصريين الي مجموعة من الفهلوية والمرتزقة وعديمي الضمير؟ . هل تحول كل المسئولين الي فاسدين ومستغلين ومستغلي نفوذ؟ لقد تحولت تلك البرامج والمقالات الي تجارة الإحباط، فمن يستطيع أن يسود الصورة أكثر يتم تصنيفه علي أنه الأصدق والأشجع والأكثر وطنية ، إنني ومن خلال هذا المنبر أقولها بصراحة وليغضب من يغضب «لقد نسي الإعلام نفسه». ظن الإعلاميون أنهم حكام وقضاة ومحققون في آن واحد، إنني أتساءل هل المستوي الثقافي والفكري لحملة الراية الإعلامية في مصر علي قدر المسئولية؟ كيف يتم اختيار الموضوعات الأولي بالاهتمام؟ بل كيف يتم اختيار المذيعين ومقدمي البرامج والمعدين ورؤساء التحرير؟. يا سادة إننا نعيش في فوضي عارمة لن ينقذنا منها إلا عقلاء هذه الأمة الذين انسحبوا وتركوا الجمل بما حمل ، أعود الي الكاتب الزعيم إبراهيم عيسي الذي يتخذ من عادل حمودة ملهما ومرشدا ومعلما وأسأله سؤالا بريئا ماذا استفادت مصر من إبراهيم عيسي؟ . ماذا أضافت مقالاتك وشتائمك الي المجتمع المصري؟ هل قدمت حلولا واقتراحات محددة لحزمة المشاكل التي تعرضت لها خلال كل هذه السنوات؟ إنني أتعجب كثيرا من القارئ أو المواطن الذي تعجبه لغة الشتائم والهجوم والخروج علي المقبول والمعقول؟ فما أسهل أن تستلم شخصية كبيرة وتبدأ في الهجوم عليها صباحا ومساء، أما أن تقدم حلولا وأفكارا خلاقة ومبتكرة فهذا هو ما يستحق الشكر والثناء والإعجاب!. إن ما حدث ويحدث في صحيفة الدستور وما قاله وكتبه إبراهيم عيسي خلال كل تلك السنوات جعلني أنظر الي مصر وأعتذر لها نيابة عن كل هؤلاء الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا!